كل من يدخل غوغل أو أي أداة بحث اخرى ويضرب على زر التعبير اولمرت – الأسد، أو اولمرت – سوريا، أو اولمرت – هضبة الجولان يحصل بلا جهد على تقارير تراوح بين مقولتين متطرفتين، احداهما تعارض السلام مقابل الجولان والثانية تؤيده. إن تجولا كهذا في مسارات السنة السياسية الأخيرة يثير سؤال هل يتبوأ رئاسة الحكومة انسان جدي ذو تفكير، أو صيغة تشبه يوفال الحائر.
تعالوا نبدأ بالمقابلة التي منحها اولمرت لصحيفة "مشبحاه" في نهاية ايلول 2006، قبل ثمانية اشهر ونصف. "ما بقيت رئيس الحكومة، فسيبقى الجولان في أيدينا الى الأبد"، قال هناك رئيس الحكومة وأضاف: "الجولان جزء لا ينفصل من دولة اسرائيل". بالضبط كمناحيم بيغن واسحق شمير في حينهما. جاءت هذه المقابلة بعد أن نافس كديما في الانتخابات مع شعارات الانطواء والسلام. في النشرات التي وزعها اولمرت آنذاك على المصوتين ورد أنه "في كل نوع من تسوية مستقبلية سيحتفظ كديما لدولة اسرائيل بالمناطق الأمنية الحيوية وفي ضمنها غور الاردن". ولم توجد أية كلمة عن الجولان.
كانت تعليلات اولمرت في صيغته المعارضة ثقيلة الوزن. فسوريا تؤيد الارهاب الموجه الى اسرائيل، وهي تؤيد الارهاب في العراق، وهي تحاول اسقاط حكومة السنيورة في لبنان. في تلك الايام زاد اولمرت تصريحاته الموجهة الى دمشق حدة، على رغم أننا نجونا بصعوبة من حرب لبنان الثانية، وبدا الردع واهنا ضعيفا. "في المعركة مع سوريا ستزول القيود"، هدد اولمرت. قال اولمرت في نهاية كانون الاول، في جلسة الحكومة، إن شرط التفاوض مع سوريا هو التحلل من المنظمات الارهابية والانفصال عن ايران.
سنتجاوز الآن الاشهر الكلامية العاصفة والمتقلبة في قطاع السلام – الحرب، وفي ضمنها المناورة العسكرية الغريبة المغطاة اعلاميا على نموذج قرية سورية، لنصل الى يوم الجمعة الأخير والى التقارير عن الرسائل التي نقلها رئيس الحكومة الى الرئيس الأسد. وعد اولمرت، بتوسط الالمان والأتراك، الأسد بأنه سيكون مستعدا مقابل السلام لأن يُسلمه هضبة الجولان. لم يتم إنكار التقارير إنكارا رسميا. لم يعد الجولان اذا جزءا لا ينفصل منا ولن يبقى في أيدينا. واختفت ايضا الدعاوى المعارضة لبدء تفاوض مع سوريا من محاضر الجلسات، وكأنه لم يوجد أمس.
في الاسبوع الماضي طلب اولمرت التوقف عن الثرثرة في الحرب مع سوريا، لكنه كان المثرثر الرئيس. من اجل الحقيقة لا يستطيع اولمرت أن يبدأ حربا مع سوريا ولا أن يُتم سلاما معها. إن من يملك 3 في المائة من تأييد الجمهور، ومن يقول أقرب الناس اليه انه أنهى حياته المهنية، ومن ضربته لجنة فينوغراد، يستطيع الثرثرة فقط. يمكن أن ينفذ اجراءا دراماتيا إزاء الأسد يقتضي هجوما شاملا، أو نزولا كاملا عن هضبة الجولان حتى بحيرة طبرية، وحل المدن والبلدات، قائد في حجم دافيد بن غوريون، وليس اولمرت هو دافيد بن غوريون.
ماذا يحدث هنا اذا؟ يبدو لي أن الانشغال الكثيف الذي لا غاية له في المسألة السورية خاصة مريح لرئيس الحكومة. وجدت الدولة فجأة هدفا وحصرت عنايتها فيه. ورويدا رويدا تختفي من الوعي المشكلات اليومية لاولمرت داخل كديما، وتقرير فينوغراد الكامل وملفات التحقيق الخطيرة معه، التي تنتقل ما بين مراقب الدولة، والمستشار القضائي للحكومة والشرطة. وكذلك نُسي اطلاق صواريخ القسام في الجنوب بسبب الانشغال السوري. فما الذي يسوؤه؟. - معاريف 12/6/2007 -