ثمانية وأربعون مليون شاقل. هذا هو المبلغ الذي صادقت عليه اللجنة المالية هِبة خاصة لبلدية القدس لتمويل الاحتفالات الاربعين لتوحيد المدينة. ثمانية وأربعون مليون شاقل، غايتها كلها تعزيز الأسطورة التي تقرر أن "القدس موحدة الى أبد الآبدين تحت سيادة اسرائيلية".
في المعركة على الرأي العام في البلاد وفي العالم، تحاول مكاتب الحكومة، والكنيست، والوكالة اليهودية وبلدية القدس العودة الى تقرير أن المدينة موحدة ولن تُقسم أبدا. أحداث احتفالات توحيد المدينة مثل كؤوس ريح لفكرة مضت من العالم وليست قابلة للتنفيذ.
من اجل الطمس على الواقع الشديد الموجودة فيه عاصمة اسرائيل، والحاجة الى مصالحة سياسية في القدس، تحتاج الدولة الى إنفاق مبالغ هائلة على الاحتفالات، والعروض والألعاب النارية. جُندت نينات ايضا للمهمة، التي غايتها كلها إخفاء المشكلات السياسية، والاجتماعية والاقتصادية التي تصحب المدينة، ومحاولة التمسك بالحلم الذي أصبح واضحا اليوم للجميع أنه خيالي بل هاذٍ.
إن مرور أربعين سنة على النصر العسكري الكبير في حرب الايام الستة وتحرير حائط البراق تاريخ يستحق الذكر بيقين، مثلا بمراسم رسمية على نحو ما. لا جدل في أن حرب الايام الستة كانت حدثا مهما وتاريخيا في حياة الأمة. لكن لا يوجد أي تسويغ أو منطق للاحتفالات تذكارا لتوحيد المدينة.
والمدينة مقسمة بالتأكيد من جميع الجوانب الممكنة، ولا يوجد أي امكانية لتغير هذا الوضع في المستقبل تغيرا جوهريا ما. بخلاف منظمي الاحتفالات، أكثر الجمهور الاسرائيلي واعٍ متحرر من الأوهام والوعود الكاذبة.
أصبح واضحا اليوم لأكثر الجمهور، في اليسار، والمركز وفي أجزاء من اليمين ايضا، أنه من اجل التوصل الى تسوية سلمية بين اسرائيل والفلسطينيين، فلا مناص من تقسيم البلاد الى دولتين، ولا مناص من تقسيم القدس الى عاصمتين. الحل العملي الوحيد الممكن هو أن تصبح الأحياء العربية عاصمة فلسطين، وأن تصبح الأحياء اليهودية عاصمة اسرائيل. وتبقى البلدة القديمة والاماكن المقدسة تحت سيادة مشتركة، تضمن حرية العبادة وأمن المصلين.
إن استمرار الوضع الحالي الذي تسيطر فيه اسرائيل على شرقي المدينة، سيُخل بالأكثرية اليهودية في القدس، وسيضر بمكانة المدينة في العالم كعاصمة لاسرائيل، وسيمنع امكانية التوصل الى تسوية سلمية بين اسرائيل والعالم العربي. إن نية الحكومة توسيع البناء في شرقي المدينة لليهود، وأن تطمس على الخط الاخضر أكثر، قد تأتي بكارثة على كل من تعز عليه القدس.
في هذه الاثناء يستمر مسرح اللامعقول، ويكرر الساسة واحدا تلو الآخر وأفراد الحياة العامة الشعارات المعروفة في شأن توحيد المدينة. استوعب منظمو الاحتفالات خصوصا، وعلى نحو مُفارق وإن لم يكن ذلك عن وعي، انه لا يوجد سبب حقيقي للاحتفال في شرقي القدس، وعلى هذا ستُجرى أكثر أحداث احتفالات توحيد المدينة في غربي المدينة فقط. وهكذا تعترف المؤسسة الاسرائيلية بغير انتباه بأن توحيد القدس لا يمكن احرازه بالفعل. * أمين سر "سلام الآن" - معاريف 16/5/2007