مع انتهاء المهلة الزمنية التي أعلنها جيش الاحتلال في الساعة السادسة من مساء أمس، للبدء بالعملية العسكرية "سماء زرقاء" على محافظة شمال غزة، شرعت المدفعية والطائرات الحربية الإسرائيلية بإطلاق عشرات القذائف الثقيلة والصواريخ على مناطق مأهولة في المحافظة.
وأطلقت طائرة استطلاع صاروخاً واحداً باتجاه منزل المواطن أبو منصور غبن بالقرب من مدرسة الشيماء شمال بيت لاهيا، مساء أمس، ما أدى إلى إصابة أحد المارين بجروح متوسطة، نقل على إثرها إلى مستشفى الشهيد كمال عدوان، ووقوع ضرر كبير في المنزل. وبحسب شهود عيان، فإن إطلاق الصاروخ تزامن مع محاولة مجموعة من المسلحين الفلسطينيين إطلاق قذيفة صاروخية باتجاه إسرائيل. ويعد القصف الإسرائيلي تطبيقاً للتهديدات الإسرائيلية باستهداف منازل المواطنين في حال إطلاق قذائف صاروخية باتجاه البلدات الإسرائيلية.
وسقطت بعض القذائف بالقرب من مواقع أمنية فلسطينية، وفي محيط مقبرة الشهداء شرق بلدة جباليا، ومحيط القرية البدوية وشمال بيت لاهيا، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات. وقال مصدر في جيش الاحتلال لوسائل الإعلام الإسرائيلية إنه مع بدء تنفيذ العملية "سماء زرقاء"، بدأ الجيش بقصف مكثف لأهداف محددة في شمال غزة وعلى امتداد حدود "الحزام الأمني". وأضاف المصدر: إن الطيران الإسرائيلي سيقوم بطلعات جوية فوق المنطقة وتنفيذ عمليات قصف لإبعاد السكان عن المنطقة. وقالت مصادر صحافية أخرى: إن إسرائيل سلمت السلطة الفلسطينية، بعد ظهر أمس، خارطة تشير إلى حدود المنطقة التي يمنع التحرك فيها، بزعم أنها منطقة يستخدمها نشطاء فصائل المقاومة لإطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل. وقال شهود عيان من السكان المحليين: إن عدداً من هذه القذائف خلّف دماراً وضرراً كبيرين في المناطق المستهدفة بالقصف.
وأضافوا: إن القصف المدفعي الإسرائيلي استهدف مناطق مفتوحة متفرقة في محافظة شمال غزة. وأدى القصف إلى وقوع حالة من الاستنفار والهلع بين المواطنين. وأعلنت المصادر الطبية عن استعدادها الكامل لاحتمال نقل مصابين جراء القصف الإسرائيلي، مشيرة إلى ان سيارات الإسعاف توجهت إلى أماكن القصف دون أن يبلغ عن وجود إصابات. وكان الجيش الإسرائيلي أسقط آلاف المنشورات عبر طائراته العسكرية فوق المنطقة، يحذر فيها السكان من دخول المنطقة، ويحذر قوات الأمن الوطني من التواجد فيها، وتضمن المنشور خريطة مفصلة للمنطقة العازلة، التي تشمل المنطقة الواقعة من معبر بيت حانون "إيريز" وحتى البحر غرباً، بعمق نحو ثلاثة كيلومترات من الشمال إلى الجنوب، وتقع ضمن هذه المنطقة، بحسب ما جاء في الخريطة، منطقة المستوطنات الثلاث المخلاة، "نيتسانيت" و"إيلي سيناي" و"دوغيت"، بالإضافة إلى قطاع زراعي واسع من أراضي مدينة بيت لاهيا، وتحديداً منطقة "تين ونيس" وجزء من منطقة السيفا غرب بيت لاهيا. وتضمن المنشور تحذيراً للمواطنين بأنه سيتم إطلاق النار عليهم إذا دخلوا المنطقة، كما يدعو الجيش الإسرائيلي عبر منشوراته المواطنين بعدم المكوث في المنطقة، محذراً من أن وجودهم سيعرض حياتهم للخطر.
وحمّل المنشور الجهات التي تطلق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية مسؤولية وقوع إصابات في صفوف المواطنين. وتعتبر المنطقة العازلة جزءا من خطة أمنية موسعة، أعدها الجيش الإسرائيلي قبل عدة أيام، وصادق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، وكان الجيش الإسرائيلي طالب عددا من السكان في منطقة بيت حانون وبيت لاهيا، عبر مكبرات الصوت، بإخلاء منازلهم.
وسبق البدء بتنفيذ إقامة المنطقة العازلة سلسلة من الغارات الجوية، شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على طرق وجسور ومواقع في مناطق مختلفة من شمال غزة، وتحديداً على محاور رئيسة في شارع صلاح الدين، أدت إلى وقوع أضرار جسيمة بالشارع، إضافة إلى تضرر العديد من المباني المجاورة لعمليات القصف، ومنها مستشفى بلسم الواقع شمال بيت لاهيا، بحسب مصادر أمنية وشهود، حيث سقط بالقرب منه صاروخان على الأقل، أديا إلى تحطيم العديد من نوافذه، بالإضافة إلى إصابة خمسة موظفين فيه بجروح وحالات خوف، حسب ما جاء في تقرير لوزارة الصحة. وقدر مصدر أمني لـِ"الأيام" عدد الغارات، التي شنتها الطائرات الإسرائيلية فجر أمس، بنحو عشر غارات، ألقت خلالها الطائرات نحو 12 قنبلة من نوع "م. ك."، التي تزن 1000 باوند، 450 كيلوغراما.
وأشار المصدر الأمني إلى أن القنبلة تحتوي على 200 كيلوغرام من نوع تروتونال شديد الانفجار. من جهته، أكد توفيق أبو خوصة، الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني، أن المخطط الإسرائيلي، الذي تنفذه إسرائيل في شمال غزة، عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وأشار أبو خوصة، في تصريح صحافي، إلى أن القيادة الفلسطينية ترفض بشدة إقامة مثل هذه المنطقة في شمال غزة.
وأضاف، إن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف تخدم مصالحها، وتمس بشرعية الدولة الفلسطينية، وتعرقل عملية السلام في المنطقة. وقال: إن هذه العملية تعكس حالة عدم الاستقرار داخل الشارع الإسرائيلي، معتبراً أن إسرائيل قوة محتلة، مازالت تمارس احتلالها لقطاع غزة، رغم انسحابها منه، وذلك من خلال استخدامها لكل الوسائل العسكرية، لاسيما قصفها لمواقع الأمن الفلسطينية. وأكد أبو خوصة أن هناك تعليمات واضحة لكافة أجهزة الأمن الوطني في الشمال لمنع إطلاق القذائف، لما لها من تأثير سلبي على المواطنين في الشمال.
من جانبه، قال شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي، إن جيشه سيبدأ خلال الأيام القادمة بفرض قيود على تحركات الفلسطينيين في المناطق التي تطلق منها القذائف الصاروخية باتجاه الأراضي الإسرائيلية. ونوه موفاز، في تصريحات صحافية، إلى أن إسرائيل تواصل نشاطاتها في قنوات أخرى، بما في ذلك استهداف النشطاء الفلسطينيين، وكل من يحاول إطلاق قذائف القسام.
على الصعيد ذاته، اخترقت القذائف الصاروخية، "السماء الزرقاء" التي أعلنتها قوات الاحتلال، في شمال غزة، مساء أمس، عبر قيام أفراد المقاومة الفلسطينية بإطلاق أربع قذائف صاروخية باتجاه بلدة "سديروت" اليهودية، وكيبوتس "زيكيم" إلى الشمال من معبر إيريز داخل الخط الأخضر.
واعترفت المصادر الإسرائيلية بسقوط القذائف ولم يبلغ عن وقوع إصابات . وتوعدت جميع فصائل المقاومة الفلسطينية بالرد على عمليات الجيش الإسرائيلي، معتبرة إقامة المنطقة العازلة، إعادة احتلال لجزء من محافظات غزة المحررة .
وتحت عنوان القصف بالقصف والعزل بالعزل، أصدرت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية، وألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الفلسطينية، وكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، بياناً عسكرياً مشتركاً مساء أمس، وصلت "الأيام" نسخة منه، أعلنت خلاله عن توحيد الأجنحة العسكرية في منطقة بيت حانون، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة.
ودعوا أفراد الأمن الوطني إلى عدم مغادرة مواقعهم، مهيبين بالمواطنين ممارسة شؤون حياتهم بالشكل المعتاد وعدم الاكتراث بالتهديدات الإسرائيلية. وأكدوا في بيانهم أن فصائل المقاومة ستقوم بعزل البلدات الإسرائيلية المجاورة لمحافظات غزة في حال نفذت قوات الاحتلال تهديداتها بعزل مناطق من شمال غزة. وكانت طائرات إسرائيلية ألقت منشورات على محافظة شمال غزة حذرت فيها السكان من التواجد في المنطقة ابتداء من الساعة السادسة مساءً. وهددت بفتح النيران على كل من يتواجد في المنطقة بعد الموعد المحدد.