رام الله ـ القدس العربي - يقول عبد الله خويص (53 عاما)، وهو من حي الطور في القدس، إن ما تمنحه إسرائيل للمقدسيين في اليمين (تأمينات، رعاية شيخوخة) تأخذه منهم في الشمال أضعافا مضاعفة، محذرا من أن هذه الإجراءات الإسرائيلية وغيرها ستدفع المقدسيين الي النزوح عن المدينة المقدسة.
ويقيم خويص، وهو الولد الوحيد لأبيه وأمه، مع والديه في البيت ذاته، علما أن الاثنين عاجزان، وبالرغم مما تدفعه لهما سلطات الاحتلال لقاء شيخوختهما ومرضهما يصل الي نحو 4000 آلاف شيكل، الا أن هذا المبلغ يذهب علي الأدوية والعلاجات، إضافة الي جملة الضرائب التي تفرضها هذه السلطات علي المواطنين المقدسيين. مواطن آخر علق علي الوضع الذي أصبحت تعيشه المدينة المقدسة بالقول: إن الطير الطاير لن يستطيع النفاذ الي المدينة بعد أيام، في إشارة الي الحصار الخانق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عليها، والجدار العازل الذي أقامته في محيطها، وفي عمق أراضيها، مقسما الأحياء عن بعضها البعض، والقدس نفسها عن باقي أنحاء الضفة الغربية، ناهيكم عن الحواجز العسكرية، التي تنتشر بكثافة علي مداخلها، وفي شوارعها الرئيسة.
يقول عبد الله: إن الإجراءات التي تفرضها بلدية الاحتلال في المدينة حتي تسمح للمقدسيين بالبناء، تجبر أفراد العائلة الواحدة علي العيش معا في منزل واحد، وهنا يوضح المواطن الفلسطيني نفسه، ان المقصود، هو عيش أكثر من أسرة في المنزل ذاته.
ويتابع: أعرف أحد الأصدقاء اضطر هو وإخوته الي العيش مع والدهم العجوز داخل الجدار بعد أن قسم الأخير بيت العائلة الي قسمين: واحد داخل المدينة المقدسة، والآخر خلفها، موضحا أن من يضطر، لسبب أو لآخر للعيش خارج هذا السور، يفقد هويته المقدسية (الهوية الزرقاء).
مواطن ثالث علق علي الوضع قائلا: إذا كان العمل يحتاج جرافة، فإنهم يحضرون عشرة، قاصدا العمل في بناء الجدار، الذي أصدر وزير الجيش الإسرائيلي شاؤول موفاز مؤخرا تعليمات لتسريع بنائه، علي أمل الانتهاء من أعمال البناء في نهاية الشهر الجاري، أو مطلع شهر تشرين الاول القادم. وإذا كان الحديث عن المؤسسات الوطنية في المدينة المقدسة، وباختصاصاتها المختلفة، فان الشعار الذي رفعته الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر لـ القدس في خطر يصبح حقيقة واقعة لا مجرد تحذير من شيء سيقع. واقع الحال، كما أفادنا زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو إحدي هذه المؤسسات، مزر للغاية، مضيفا أن مركزه علي وشك الإغلاق بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها، وشح التمويل.
ومنذ 9/8/2001 وسبع مؤسسات مقدسية مغلقة ،وفي مقدمتها بيت الشرق ،الغرفة التجارية في القدس، نادي الأسير والمجلس الأعلي للسياحة، وذلك بأوامر من تساحي هنغبي وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في حينه، إضافة إلي أكثر من عشرين مؤسسة مقدسية أخري، تم إغلاقها أيضا.
وتنص المرحلة الأولي من خطة خارطة الطريق، وتجمع أطراف المجتمع الدولي، وعلي رأسها الولايات المتحدة، بأنها الخطة الوحيدة المتاحة لإطلاق عملية السلام، أن علي إسرائيل إعادة فتح الغرفة التجارية ومؤسسات أخري مغلقة في القدس الشرقية ، ورغم أن هذه الصياغة، كما يري المراقبون ، لا تعني بالضرورة كافة المؤسسات الأخري المغلقة، وبالتالي يمكن لتل أبيب الادعاء ،مثلاً، بأن هذا البند لا يعني إعادة فتح بيت الشرق، الا أن الدولة العبرية لم تحرك ساكنا.
وانتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي للعمل في اتجاه آخر، وكأنها في سباق مع الزمن لتهويد القدس، وقامت، كما يقول حموري، بتكثيف نشاط المراكز الطبية الإسرائيلية، ودوائر المعارف التابعة لبلدية القدس الغربية، في أحياء الشطر الشرقي من المدينة، فضلا عن فرضها علي المواطنين الفلسطينيين من حملة هوية الضفة، ويعملون في القدس، الحصول علي تصاريح خاصة للوصول الي مراكز عملهم، بل وذهبت هذه السلطات الي ما هو أبعد من ذلك، عندما بدأت تطلب أن يكون المعلمون مسجلين لدي المعارف الإسرائيلية. ونظم طلبة عدد من المدارس ومعلموها في القدس مطلع الأسبوع الماضي تظاهرة في المدينة، كان يفترض أن تصل مقر القنصلية الأمريكية فيها، الا أن شرطة الاحتلال منعتها، وذلك احتجاجا من المتظاهرين علي العراقيل التي تضعها إسرائيل ضد قطاع التعليم في المدينة المقدسة. بدورها عقدت الحكومة الفلسطينية جلسة في مطلع الأسبوع ذاته أيضا، وخصصت لبحث كيفية مواجهة هذه العراقيل، وقالت وزيرة الدولة المكلفة شؤون القدس هند خوري لـ القدس العربي عن توقعاتها لسير العام الدراسي الحالي في مدارس المدينة : إنها لن تكون سنة دراسية سهلة. ويعمل في قطاع التعليم في القدس 700 معلم من أبناء الضفة الغربية، الذين عليهم الحصول علي تصاريح خاصة للوصول الي مدارسهم، علما أن سلطات الاحتلال أعطت موافقتها علي منح 300 تصريح، لم يتم التسليم الفعلي منها الا لثمانية معلمين. وأضافت خوري: إن هذه الإجراءات، ومعها تأثيرات جدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل يهدد بإغلاق عدد من المؤسسات في القدس، مشيرة الي أن العديد من هذه المؤسسات اضطرت لفتح فروع لها خارج المدينة، وتحدثت الوزيرة الفلسطينية عن مخطط إسعاف لتثبيت تلك المؤسسات، وفتح الباب لها للاستفادة من هذا الدعم الذي بدأ بتنفيذه، من خلال تقديم جرد بالتفاصيل وغيرها من المتطلبات.
ومن المؤسسات التي فتحت فروعا لها خارج القدس الاتحاد اللوثري العالمي ومقره حي بيت حنينا. وقال فرنسيس غرفة مدير مركز التدريب المهني في المركز: انه تم افتتاح فرع لمركزه في رام الله بسبب عدم قدرة أبناء الضفة علي الوصول الي المدينة المقدسة، ناهيكم عن تأثيرات الجدار الذي قلص عدد الطلبة المقدسيين أنفسهم، بسبب صعوبة التنقل من المناطق الواقعة خلف هذا السور. وإضافة الي الاتحاد اللوثري فان خطر الإغلاق يهدد كذلك مدرسة الإيمان، وهي في الحي المذكور، ومدرسة اليتيم العربي، وتتبع للأوقاف الإسلامية، ومقرها قرب مستوطنة عطروت، ويخنقها الجدار، علما أن معظم طلبتها وأساتذتها من الضفة ولا يتمكنون من الوصول.
وتعرض مدير مدرسة اليتيم العربي حسن العتيق للضرب والاعتقال من قبل قوات الاحتلال لأكثر من مرة، وتم تقديمه للمحاكمة، والتهمة هي إيواء طلبة ومدرسين من الضفة، دون حيازتهم التصاريح اللازمة.
الي ذلك فان الاستهداف الإسرائيلي يطال أيضا الفعاليات الاجتماعية والصحية في القدس، إذ تواصل سلطات الاحتلال منذ 7 حزيران (يونيو) الماضي اعتقال كل من: د.أحمد المسلماني (47 عاما) رئيس اتحاد العمل الصحي، ناصر أبو خضير (44 عاما) ناشط في مجال حقوق الإنسان، وراسم عبيدات (47 عاما) الموظف في جمعية الشبان المسيحية.
يذكر أنه تم عقد مؤتمر صحافي لتسليط الضوء علي قضية هؤلاء المعتقلين في 29 آب الماضي في القدس ،وتحدث في المؤتمر كل من: العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي د.عزمي بشارة، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني حاتم عبد القادر، والمحامية الإسرائيلية ليئا تسيمل.
وقالت تسيمل في حينه إن اعتقال الثلاثة سياسي، والتحقيق يجري حول مشاركتهم في نشاطهم في الانتخابات الفلسطينية التي جرت علي مرأي من العالم وأمام مراقبين دوليين في كانون الثاني (يناير) الماضي .
وأضافت إن النيابة الإسرائيلية قالت: لم نجد أي نشاط إرهابي ضدهم، ولكن هناك في مكان ما في دماغهم يوجد إرهاب . ويختتم مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محذرا من أن هناك خطرا كبيرا يتهدد مؤسسات القدس بالإغلاق، ومشيرا الي أن الدعم العربي والغربي لهذه المؤسسات بدأ يغيب بشكل مريب، سوي عن بعض أعمال الترميم، والي شح الدعم الفلسطيني، الذي لا يعرف سببه.