كتبت بتاريخ 3 سبتمبر مقالة في جريدة القدس أثرت فيها تخوفاتي من سوء استخدام مفهوم الأمن المائي في علاقتنا التفاوضية مع أسرائيل وكان هدفي إضافة ما لاحظته من أمور ومواقف بهذا الموضوع، إلى تفكير صناع القرار لتكون المفاهيم أكثر وضوحاً وتكون مواقفنا التفاوضية أكثر صلابة، وكنت أشعر أن هذا واجبي ومسئوليتي كمواطنة ذات صلة عميقة بالموضوع وحريصة على ثروة وطنها المائي أو ما بقي منها. وكان رد نائب رئيس وحدة الفاوضات في اليوم التالي، 4 أيلول، في جريدة القدس مفاجئاً وتقريباً إلى حد كبير بعيداً عن الموضوعية. ورغم متابعتي للموضوع مع أعلى جهة في المفاوضات تم الرد علي بطريقة غريبة مفادها أن هذه الوحدة تقوم بتنفيذ سياسات وتعليمات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة العليا للمفاوضات والتي يترأس قراراتها الرئيس محمود عباس ودولة الأخ أحمد قريع.
وكأني بتطرقي لموضوع يهم الشعب الفلسطيني بأكمله، أخالف وأناكف اللجنة التنفيذية والرئيس الذي انتخبناه قائداً لمسيرتنا في هذه الظروف المصيرية. إن الأمر حتماً الأمر ليس كذلك وأنا أنطلق من حقيقة أني أحس بالمسئولية لأسباب وطنية ومهنية وأرى أنه من واجبي التعبير عما ألاحظه وأجتهد بصدق نية في تقييمه وتقديره لعلي ألقي بعض الضوء على هذه القضية البالغة الأهمية والخطورة. والأهم من ذلك هو أن نوضح لأبناء شعبنا ما هو الأمن المائي ولماذا هو خطر الحديث عن الموضوع بكل هذا التبسيط.
مشكلة الأمن المائي
يستند مفهوم الأمن المائي كمفهوم مطلق علي أساس جوهري هو الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان. أي أنه يعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كما ونوعا مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير من خلال حماية الاستخدامات الحالية للدولة المعنية، علاوة على تنمية موارد المياه الحالية, ثم يأتي بعد ذلك البحث عن موارد جديدة سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. وهذا المفهوم تستغله الدول المسيطرة على منابع ومصادر المياه في العالم أبشع استغلال لأنه يحمي مصالحها ويحد من أي تنمية مشابهة للدول الأخرى المشاركة في الحوض المائي بحجة أن أي استخدام جديد قد يلحق الضرر بالأمن المائي لها. فمثلاً أسرائيل مصممة على انتهاك المعاهدات وتقوية العلاقات مع كل دولة من شأنها تهديد الأمن العربي المائي ومصممة أيضاً على حماية أمنها المائي بأي ثمن ولو على حساب شعب منهك فقير سلبت جميع موارده المائية.
إن تأمين مصادر وفيرة من المياه كان ولا يزال هدفاً إستراتيجياً لأسرائيل بعد الارتفاع في الهجرة إليها وتصاعد عمليات التنمية لاستيعاب هؤلاء المهاجرين الجدد والذي كان احد مبررات السياسة التوسعية الاسرائيلية سواءً في إحتلالها الضفة الغربية الغنية بمياهها الجوفية أو مرتفعات الجولان المعروفة بوفرة مياهها الجارية أو جنوب لبنان الذي انسحبت منه مضطرة بأستثناء مزارع شبعا .
مفهوم الأمن المائي هو مفهوم وطني وليس دولي جوهر الأمن المائي هو أنه يجب أن يكون لدي المجتمعات إمكانية الحصول على مياه كافية أو يجب أن يكون لديها الوسائل للحد من الضرر الذي يترتب عن نقص المياه. وتكون الحكومات مهتمه بتحسين الأمن المائي على المستوى الوطني ولا تكون ملزمة بأي شكل من الأشكال بتحقيق الأمن المائي لأي دولة أخرى. لأنه وحسب التعريف إذا التزمت أي حكومة بضمان الأمن المائي لأي دولة أخرى فيجب أن تعمل على حماية استخداماتهم الحالية، مساعدتهم في تنمية الموارد المائية بالإضافة إلى تطوير مصادر جديدة لهم وبعض الدوافع وجوانب القرار تكون مشابهة لتلك المحيطة بالأمن الغذائي على المستوى الوطني. إن استيعابنا لما تعنيه أزمة المياه في عالمنا، في وجود التوسع الاستيطاني البشع لإسرائيل، ينبغي أن يرتقي إلى مستوى مواجهة ثغرات الأمن المائي بأبعادها. فهل بعد هذا نغامر ونقرر بأن ضمان الأمن المائي لأسرائيل هو من مسؤولياتنا؟ وإذا كانت الأرض مقابل السلام ورقة سياسية، فلتكن أيضاً الأرض والمياه مقابل السلام هي ورقتنا المقبلة.
وستتم ملاحقة هذا الموضوع ليس على المستوى الصحافي فقط نظراً لجديته.