"نحن لم نحمل السلاح لهدر بل لإحقاق ضائع مهدور نحن لم نحمل المشاعل للحرق ولكن للهدى والنور"

عبد الرحيم محمود في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة؛ تجللت القلوب بالسواد، واستعد الشعب الفلسطيني لاستقبال سنة كبيسة، تضاف إلى سنوات نكبته الكبيسة.

في وداع عام 2007، وبرصاص فلسطيني أعمى؛ قتل سبعة مواطنين فلسطينيين، وأصيب عشرات آخرين بجراح. وفي استقبال أول أيام عام 2008، وبرصاص إسرائيلي قاتل؛ استشهد أحد عشر فلسطينياً، وأصيب عشرات آخرين بجراح.

*****

وإذا كانت الأخبار دالة في حد ذاتها؛ فإن الشيطان في تفاصيل الخبر الأول، الذي تناقلته وكالات الأنباء، ضمن تفاصيل "البيان الصحفي"، الذي وقَّعته مؤسسات حقوقية ثلاث: مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، والمـــركـز الفلسطينـي لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من توقع منع احتفال أبناء حركة "فتح" بالانطلاقة، في قطاع غزة، رداً على منع أبناء حركة "حماس" بالاحتفال بانطلاقتهم، في الضفة الغربية؛ إلاّ أن تفاصيل ما حدث جاءت صادمة وموجعة وفاجعة: قتل، وضرب بالهراوات، وتدمير منازل، بعد زرع عبوات ناسفة داخلها، وخطف قيادات، وحلق شوارب، وحلق رؤوس. وجاءت الأسباب أشدّ إيلاماً، وأعمق فجيعة: الاستفزاز، والاحتفال بإطلاق أعيرة نارية في الهواء، ورفع الرايات الصفراء فوق أسطح المباني وأعمدة الشوارع، ومخالفة التعليمات.

*****

في مطلع العام الجديد: من ينقذنا من أنفسنا؟!

*****

حين خرج الطفل "محمد أيمن أبو الوفا" (12 عاماً)، من محافظة خان يونس، ليشاهد الألعاب النارية، ليلة رأس السنة، وليلعب مع رفاقه، لم يعلم أن رأسه سوف يكون هدفاً لعيارٍ ناريٍ فلسطيني أعمى، وحين خرج المواطن "محمود شاكر أبو طه" (58 عاماً) ليجلب طعام العشاء لأسرته؛ لم يعلم أن معدته الخاوية؛ سوف تكون هدفاً لذات العيار الناري.

أما المواطن "ثابت بكر حلس" (50 عاماً)، فلم يحمِه وجوده في بيته، من عيار ناري عابث، استقر في صدره.

*****

حين خرج محمود أبو هنطش (32 عاماً)، للصلاة في مسجد الشهداء، القريب من منزله في نابلس، والبعيد عن مركز عمليات الجيش الإسرائيلي، المتركز في البلدة القديمة؛ لم يدر أنه أصبح على حافة الـموت، بسبب ضغطة إصبع عابثة على الزناد، أطلقها جنود الاحتلال، من مسافة قصيرة، ومضوا يفتشون عن ضحية جديدة.

*****

"وفقاً لـمصادر طبية فلسطينية، فإن جيش الاحتلال اعترف بأن إطلاق الرصاص الذي استهدف أبو هنطش تم بطريق الخطأ".

*****

في ختام بيان المؤسسات الحقوقية الثلاث، وبعد وصف الأحداث الدامية في غزة، وإدانتها؛ طالبت منظمات حقوق الإنسان، يوم الثالث من كانون الثاني 2008، "بالتحقيق الفوري في تلك الأحداث، وتقديم المتورطين فيها للعدالة. ورأت أن ضلوع مسلحين ملثمين ويرتدون زياً مدنياً في المواجهات، هو استمرار لمظاهر الانفلات الأمني، والاعتداء على سيادة القانون، وذكَّرت بأن الشرطة المدنية هي فقط الجهة المخولة بإنفاذ القانون، كما أدانت بشدة، الاعتداء الذي تعرض له السيد إبراهيم أبو النجا، وطالبت بالتحقيق فيه، وضمان ملاحقة مقترفيه، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

كما أدانت بشدة، منع إحياء ذكرى الانطلاقتين لفتح وحماس، في كل من غزة والضفة الغربية، وأكدت على ضرورة حماية واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير، والتجمع السلمي، المكفولين دستورياً، وأشارت بقلق، إلى تصاعد حدة الانتهاكات الفلسطينية لحقوق الإنسان، من قبل الحكومتين في غزة ورام الله، والأجهزة الأمنية التابعة لهما".

*****

ماذا بعد الإدانة؟!

صرخة نوجهها إلى قيادات شعبنا الفلسطيني: كفوا عن التغني بالديمقراطية، وأنتم تئدونها في مهدها؛ فلا مجال لديمقراطية لا تحترم حقوق الإنسان، وعلى رأسها، حقه في الحياة؛ إذ لا يمكن ادِّعاء احترام التعددية وحرية الاختلاف، في اللحظة التي تقمعون فيها كل صوت مختلف. كفوا عن ردود الأفعال، واستنفار العصبيات القبلية، ولتشرعوا سلاح العقل في وجه كل خلاف، محتكمين إلى روح الديمقراطية قبل آلياتها، إذا أردتم أن تنقذوا أنفسكم، قبل أن تنقذونا.

faihaab@gmail.com - مفتاح 7/1/2008 -