بيروت - وجع الشتات لا تتسع له عدسة آلة تصوير وترحال اللاجئين لا تكفيه صورة من جماد غير أن تجربة خمسمائة طفل فلسطيني تنقلت بين الوجع والترحال لتخطف من واقع مخيمات اللاجئين في لبنان صورا تفيض فقرا وعوزا وألم شعب ينتظر العودة التي لا تأتي.
هكذا يجسد أطفال يتوزعون على 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان وتتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاما لحظاتهم ويحفظون ذكرياتهم عبر 500 كاميرا صالحة للاستعمال لفيلم واحد وزعتها عليهم "جمعية مهرجان الصور-ذاكرة" التي يشرف عليها مجموعة من المصورين المحترفين في لبنان.
لكن القائمين على الفكرة اختاروا نحو 70 صورة وقدموها في معرض يحمل عنوان "لحظة" يقام في بيروت حتى 14 يونيو حزيران فيما تم نشر أفضل 140 صورة في كتاب يحمل نفس العنوان.
إنها لحظة بين الفقر والحلم وبين الوطن والتشرد التقطها أطفال فلسطينيون بعد تدريبهم على كيفية استخدام آلة التصوير وبعض التقنيات اللازمة في فن التصوير.
وتوزعت الصور في أرجاء قاعة مسرح المدينة في بيروت فيما تكومت في منتصف القاعة مجموعة من آلات التصوير التي استخدمها الأطفال.
وحضرت الأمكنة بقوة في عدسات الأطفال وخصوصا تلك المنازل الفقيرة والبيوت المهدمة في مخيم نهر البارد في شمال لبنان الذي شهد قتالا عنيفا بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام التي تستلهم نهج القاعدة والتي تحصنت في المخيم العام الماضي.
وصور بعض الأطفال مستندات الملكية لمنازل فلسطينية في فلسطين والبعض الآخر التقط صورا للمقاعد المتحركة للمعاقين وأكوام النفايات والأزقة الضيقة والاكتظاظ السكاني والمياه الآسنة وعمالة الأطفال، ويعيش نحو 365 ألف لاجئ موزعين على 12 مخيما في مختلف المناطق اللبنانية.
ويعاني الفلسطينيون في المخيمات من تدهور الخدمات وظروف المعيشة لان اللبنانيين يخشون أن تكون الامتيازات لصالحهم خطوة باتجاه توطين دائم للاجئين الفلسطينيين يضعف موقفهم في أي مفاوضات مع إسرائيل ويخل أيضا بالتوازن الطائفي في لبنان.
والقانون اللبناني لا يسمح للفلسطينيين في لبنان بممارسة نحو سبعين مهنة منها الطب والمحاماة والهندسة فيما دق مكتب الأمم المتحدة لرعاية اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ناقوس الخطر أكثر من مرة في المخيمات بسبب ضعف الموازنة التي تصرف لهم.
ومن خلال هذه الصور لا يبدو المخيم مجرد مكان محايد بل غدا جزءا من تاريخ وحاضر الشعب الفلسطيني الذي يبحث من خلاله عن خلاص وان كان هذا الخلاص عبر مجموعة من صور الأطفال.
وقالت ريهام كعواش (12 عاما) من مخيم المية مية في جنوب لبنان أنها صورت الناس الذين لا يتمتعون بالحقوق الإنسانية "الصورة بالنسبة لي كانت صرخة لكي يقدموا لنا حقا من حقوقنا نحن الذين نعيش بحال من البؤس في المخيم".
وأضافت كعواش التي تتحدث بلغة شبيهة بلغة الكبار "نحن صورنا الأمور التي تزعجنا مثل الأطفال الذين ليس لديهم ملاعب ويلعبون في زواريب المخيم والأطفال الذين يعملون بدل الذهاب إلى المدرسة".
وقالت كارول كرباج التي ساعدت الأطفال في تعلم تقنيات التصوير "ظروفهم جعلتهم يتخطون مرحلة الطفولة وجعلتهم يتحملون مسؤولية اكبر".
وقال الصحفي التونسي المقيم في بيروت منصف بن علي أن الصور الملتقطة في المخيمات عبرت عن "المشاهد المتكررة للألم الفلسطيني إن لم نقل الجنازات الفلسطينية".
ورغم البراءة والعفوية التي غلفت الصور إلا أنها أبرزت المواهب الكامنة في الأزقة الفقيرة فالأطفال عكسوا في صورهم هواجسهم الاجتماعية والشخصية والاقتصادية والسياسية.
وقالت فاتن سلمان (11 عاما) التي صورت امرأة عجوز في أزقة مخيم المية مية " صورت لكي أقول للناس حسوا ماذا يحصل لنا. لماذا لا تشعرون بنا".