اتفاق مصالحة بأي ثمن لن يصمد طويلا
بقلم: شادي أبو عياش- خاص بمفتاح
2009/2/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10242

على الرغم من أهمية وإلحاحية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي تحولت خلال العامين الماضيين إلى مطلبا شعبيا خاصة بعيد الانقلاب الذي قلب أولويات الشعب الفلسطيني وادخله في متاهة أزمات داخلية واحدث انقساما سياسيا وجغرافيا ووفر حجة لمن يريد التهرب من مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني والتنصل من واجب الوقوف إلى جانبه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياسياته، فأصبحت رسائل ممثلي بعض الدول تتمثل في أن "الانقسام يحد من قدرتنا على التدخل لنجدة ودعم الشعب الفلسطيني"، فيما الأولويات الوطنية التي على رأسها إعادة اعمار قطاع غزة ومجابهة ما قد تقدم عليه إسرائيل خاصة في ظل حكومة يمينية قادمة، والتصدي لسياسات تهويد القدس، وإعادة الاعتبار للقضية الوطنية إقليميا ودوليا والتي تأثرت بفعل هذا الانقسام، لا تحتمل التأجيل أو التأخير.

ولعل تبعات هذا الانقسام وآثاره الكارثية على الشعب الفلسطيني، ولاسيما في قطاع غزة، جعلت الغيورين على الشعب الفلسطيني من أشقاء على رأسهم مصر وأصدقاء يعملون على إنهاء هذا الوضع الشاذ، فيما المواطن الفلسطيني يريد أن يرى نهاية لهذا الوضع، إلا أنه في ظل سيادة المصالح الضيقة والحسابات الفئوية، فان الأمنيات شيء، وما يفرضه الواقع والتجارب العملية والممكن شيء آخر.

ورغم خطورة الانقسام وضرورة العودة عنه، فان ذلك يجب أن لا يعني بأي حال أن الهدف هو التوصل لأي اتفاق وبأي ثمن حتى وان كان على حساب الثوابت الوطنية والمؤسسات التمثيلية الشرعية للشعب الفلسطيني والتغاضي عما ارتكب بحق المواطنين الأبرياء.

إن التوصل لاتفاق خلال حوارات المصالحة الوطنية في القاهرة الذي انطلق اليوم، هو الهدف المعلن لجميع المتحاورين من حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل، إلا أن التوصل لاتفاق ربما يكون الجزء الأسهل، فذلك حدث وان أنجز عبر اتفاق مكة الذي لم يصمد طويلا، مما يثبت أن النوايا لدى المتحاورين هي التي تحدد نجاح أي اتفاق، وليست نصوص الاتفاق نفسه، فالاتفاق الأخير الشهير تم برعاية عربية قادتها السعودية، ووقع عليه قادة فتح وحماس وشكلت على أساسه حكومة وحدة وطنية، إلا أن الانقلاب جاء لينسف أي اتفاق وسدد ضربة إستراتيجية للنظام السياسي الفلسطيني وللقضية الفلسطينية استفادت منها إسرائيل وبنت عليها سياسية عدوانية روجت لها دوليا وتوجتها بالهجوم على قطاع غزة.

محاذير أي اتفاق للمصالحة، تكمن في التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية ومؤسساتها بمنطق تقاسم الغنائم، فأي اتفق يبنى على المحاصصة سيحمل بذور فشله بداخله وسيقود لتكرار السيناريو المرير الذي شهدناه سابقا، فالأجدى أن يتفق ممثلو القوى والفصائل والمجتمع المدني والمستقلون على قيادة النضال الوطني بشكل جماعي في إطار الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل والاتفاق على كافة المحاور الخلافية، حتى تنجح أي تفاهمات قد يتوصلون إليها.

أما المرور عن التجاوزات وحملات القمع والاستهداف التي طالت أرواح العديد من الأبرياء وانتهاك المؤسسات الوطنية مرور الكرام وكأنها لم تحدث، لن يمنع في المستقبل أي مجموعة سياسية تمتلك مجموعات مسلحة أو حتى قطاع طرق من أن يحتلوا المؤسسات ويختطفوا الشعب رهينة لهم بحجة أن لهم حق في الحكم أو للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية يرون أنها من حقهم، كما أن ذلك سيرسل برسالة واضحة مفادها: إن استخدام السلاح في الداخل تجاه الشركاء نهج مشروع ويؤدي لنتائج ومكاسب سياسية.

كما أن السؤال الأهم هنا، إن كان شعار عفا الله عما سلف هو الذي سيسود في نهج المصالحة الفلسطينية، فمن سيضمن أن ينسى المواطنون أبنائهم الذين سقطوا ضحية ممارسات حماس في غزة، وهل فكر المتحاورون في القاهرة ماذا سيقولون لهم؟، وهل هذا النهج يؤسس لسيادة القانون الذي بموجبه لا بد من محاسبة من اخطأ بحق المجتمع ونضاله ومكتسباته؟

أما الضمانات الواجب توفرها لاستمرار اتفاق مصالحة، إن تم، لا بد وان تكون عربية ووطنية، وذلك كي لا تكرر المأساة، فالضمانات والتعهدات السابقة لم تكن لتمنع انقلاب حماس على اتفاق مكة، لذا فان الدور العربي وكذلك الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني والشعب الفلسطيني أولا يجب أن يكون عنصرا حاسما في التصدي لأي خروج أو نقض لاتفاقات مصالحة مقبلة.

ولأن مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، هي التي يجب أن تكون الوازع والمحرك وسقف أي مصالحة أو اتفاق، فان الكلمة يجب أن تعاد للشعب الفلسطيني ليعبر عن موقفه وليختار من يمثله، عبر إجراء انتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية متزامنة، والابتعاد عن أي تسكين للوضع القائم، وإنهاء كل ما أقدمت عليه سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة من قرارات أو تشكيلات، واتخاذ الخطوات الكفيلة بإنهاء آثار الانقسام بدءا من إعادة المؤسسات إلى الشرعية وليس انتهاء بسحب السلاح من مجموعاتها المسلحة، وحصر السلاح بيد قوى الأمن الرسمية.

أما المرجعية الوطنية العليا، والتي لا يمكن إلا أن تبقى تتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، فانه من المهم أن ينضوي جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني في إطارها وكذلك المجتمع المدني الفاعل، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال استبدالها أو المساس بوحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني أينما وجد، حتى وان كان تطويرها ومؤسساتها واستيعاب من لم ينضوي في إطارها بند من بنود جلسات الحوار في القاهرة ولجانه، فالتطوير والتفعيل لا يعني أبدا الإلغاء أو الاستبدال والمساس بانجازات الشعب الفلسطيني ومكتسباته التي راكمها طوال سنوات نضاله.

وربما يكون العامل الخارجي، المتمثل بموقف الدول التي أوغلت في التدخل بالشأن الفلسطيني الداخلي عبر التحالفات واحتواء قوى فلسطينية رأت بأنها اكبر من الوطن نفسه، سيكون له تأثيره على إفشال أو إنجاح الحوار وعلى شكل ومضمون أي اتفاق أو حتى إمكانية الوصول لاتفاق، فالصراعات والمصالح والاستقطابات الإقليمية والدولية لطالما كانت عامل ترسيخ للانقسام، وهو ما شهدنا ذروته إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

http://www.miftah.org