ليبرمان والاستخفاف بالإرادة الدولية
بقلم: شادي أبو عياش-خاص بمفتاح
2009/4/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10342

لم ينتظر افيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الإسرائيلي المتطرف مرور 24 ساعة على تسلمه زمام مهامه كوزير للخارجية الإسرائيلية في حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، بل سارع إلى الإعلان وبكل صراحة مواقفه وحكومته القاضية بالتنصل من أي التزامات تعهدت بها الحكومة الإسرائيلية السابقة في إطار العملية السياسية والمسيرة السلمية، وهي التعهدات التي من أبرزها ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر انابوليس تحت رعاية الإدارة الأميركية السابقة، ومن أبرزها استمرار المفاوضات وصولا إلى الهدف الأبرز المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن عملية انابوليس، وما حدد لها من أهداف أبرزها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تحولت إلى ركن سياسي أساسي من مجمل العملية السياسية في الشرق الأوسط، بل واتخذت زخما آخر باستكمالها بمؤتمر باريس الاقتصادي وإعلان روسيا عن نيتها عقد مؤتمر موسكو لاحقا ليكون بمثابة انابوليس 2، وهي عملية حظيت بالدعم الدولي والمتابعة الأميركية المستمرة.

ورغم هذه الرعاية الأمريكية والدعم الدولي لها، وعلى الرغم من إعلان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التزامه بالعمل على تحقيق أهداف انابوليس، وهو ما كرره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بعيد تسلم ليبرمان مهامه، إلا أن ذلك كله لم يمنع ليبرمان من التعبير عن عدم الالتزام بما اتفق عليه المجتمع الدولي، ورفضه الالتزام بمخرجات انابوليس، والتنويه بخطة خارطة الطريق، أي نسف كل المجهودات التي تمت سابقا وما تبعها من مفاوضات بين الجانبي الفلسطيني والإسرائيلي.

وبغض النظر عما إذا كانت المفاوضات قد توصلت لتفاهمات أم لا، فان ليبرمان فتح معركة جديدة ضد المجتمع الدولي عبر الإفصاح عن سياسيته ورغبته التي تتناقض وطموحات الشعب الفلسطيني التي نصت عليها القوانين الدولية، والتي دارت في فلكها الجهود الدولية الرامية لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، الذي لا ينتهي إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بما فيها السورية، وهي الأراضي التي أعرب أيضا ليبرمان في أول يوم عمل رسمي له كوزير للخارجية عن استبعاده الانسحاب منها.

لم يكن أحدا يتوقع من ليبرمان غير تلك المواقف، فهو زعيم لحزب يميني إسرائيلي عنصري لا يتردد ولا يرى صعوبة في الحديث عن تهجير الفلسطينيين داخل إسرائيل من أرضهم، ولم يتوانى عن الإساءة لمصر وقيادتها والتهديد بضرب السد العالي بمصر، إذ لا غرابة أن يكون هو وزيرا لخارجية حكومة رأسها نتنياهو ووزير جيشها أيهود باراك الذي لا يقل خطورة وتطرفا وإرهابا، عندما يأتي الأمر إلى العدوان على الشعب الفلسطيني، عن غيره من زعماء اليمين الإسرائيلي.

نعم، ليبرمان وزيرة خارجية إسرائيل، وهو أمر اختاره الشعب الإسرائيلي الذي قرر في انتخابات الكنيست الأخيرة تنصيب متطرفيه ليقودوا الحكم في هذه الدولة التي ينحرف مجتمعها نحو اليمين المتطرف، إلا أن السؤال الأهم الآن كيف سيتحرك العالم ليحمي رويته في إنهاء الصراع بالشرق الأوسط؟

إن التصريحات التي أطلقها ليبرمان في يومه الأول، لا تبشر بأي خير ولا يمكن أن يستدل منها على أي مؤشر رغبة إسرائيلية في الاستمرار في العملية السياسية وصولا لتحقيق أهدافها، بل هي نذير شؤم على استقرار المنطقة، الأمر الذي يستدعي من الدول العربية الانتقال من مربع التحذير من خطورة حكومة نتنياهو-ليبرمان إلى مربع العمل الدبلوماسي الضاغط على المجتمع الدولي للتحرك والضغط على هذه الحكومة اليمينية التي لا ترى في السلام والحل السياسي أولوية لها، بل في ترى أن مهمتها تتمثل بتوسيع الاستيطان وتثبيت الاحتلال، فيما المشجع في هذا الإطار الموقف الأوروبي الأخير الذي ربط أي تطور في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية بتطور العملية السياسية.

أما فلسطينيا فان التصدي للمخططات الإسرائيلية خاصة في القدس وعلى الصعد الاستيطانية وفضحها للعالم ربما يكون في مقدمة المهام الهامة لمرحلة نتنياهو، إلى جانب التمسك بالموقف الرافض لأي مفاوضات لا تكون على أساس الالتزام بالقرارات الدولية ورؤية حل الدولتين وما دعا المجتمع الدولي واتفق عليه في انابوليس.

ويبقى العامل الأشد حسما هو الموقف والرؤية الأمريكية نحو تطورات الموقف في ظل إدارة الزعيم المتطرف ليبرمان لدفة الدبلوماسية الإسرائيلية، فهذه المرحلة الدقيقة، ستكون تجربة حقيقية لمدى رغبة إدارة أوباما في إحداث التغيير في السياسية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وهي السياسية التي عانت طول السنوات الماضية من مرض التأييد الأعمى للسياسيات الإسرائيلية بغض النظر عن عدوانيتها وعنصريتها، لذا إن كان الرئيس أوباما جاد في العمل على إنهاء الصراع وتحقيق الرؤية الدولية والعمل على إنهاء الاحتلال، ليتسنى للشعب الفلسطيني تقرير مصيره وإقامة دولته، فان أدوات الضغط لديه على حكومة نتنياهو كثيرة، ليس أقلها ما بدأت أوساط سياسية ودبلوماسية من داخل واشنطن تطالب بها، والمتمثلة باستخدام الضغط الاقتصادي على حكومة اليمين في إسرائيل، والتي إن تركت لتنفذ ما تراه أولوية ومصلحة لها، فان اندلاع الحريق في الشرق الأوسط سيكون مسألة وقت.

http://www.miftah.org