لن ننسى نكبتنا..كما لن ينسوا محرقتهم.
تهويد وإقصاء حتى للذاكرة!!

بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2009/7/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10688

إنها ليست المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تسعى فيها دولة الاحتلال لفرض يهوديتها على كل ما هو ضمن حدودها، وليس جديداً أن تفرض الدولة التي تتشدق بديمقراطيتها، عنصريتها اتجاه مواطنيها الفلسطينين، حيث تتوالى قراراتها الواحدة تلو الأخرى ضمن سلسلة من خطتها الإستراتيجية للتهويد والإقصاء، والتي جاء آخرها ما أعلنه وزير التربية والتعليم الإسرائيلي جدعون ساعر قبل أيام قليلة قراره بشطب مصطلح "النكبة" من المناهج الدراسية لطلبة المدارس العربية (الفلسطينية) وبالتحديد صفي الثالث والرابع.

مبررا ًذلك ب"إنه لا يوجد أي سبب لأن تكون نشأة إسرائيل "نكبة" أو كارثة، وأن إدراج المصطلح في المناهج يعني "إنكار شرعية" قيام دولة إسرائيل"، مدعياً "أن اللغة تشجع على "خلق التطرف في الوسط العربي حيث أن قرار إدراج مصطلح "النكبة" قبل عدة سنوات في التعليم الموجَّه إلى "العرب الإسرائيليين" شكل خطأً سيصحَّح في الكتب المدرسية المقبلة التي يتم إعدادها حاليًّا".

وقد شهدت الفترة القليلة المنصرمة هجمة وتصعيداً خطيراً للتهويد في ظل حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، بدءً من شطب الأسماء العربية للمدن من اللوحات المرورية على الطرق واقتصارها على المسمَّيات العبرية فقط، ومن ثم شطب مصطلح "النكبة" من المناهج الدراسية للفلسطينيين، ومعاقبة أي مؤسسة عربية فلسطينية تحيي ذكرى النكبة، وسابقاً بفرضها الاعتراف بيهودية الدولة على الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان وسرقة التراث العربي الفلسطيني وغيرها، وهي تسعى بذلك لشطب ذاكرة المواطن الفلسطيني، وسلخه عن كل ما يربطه بأرضه، بجعله غريباً عن ثقافته وهويته، وجذوره، من خلال سن القوانين والقرارات العنصرية والتعسفية، والتي تأتي ترجمة لخطوات التهويد التي تدفع بها حكومة الاحتلال بجهود حثيثة مؤخراً، وتأتي ضمن مساعيها في دحر أي دليل لوجود فلسطيني في أرض إسرائيل، ولإثبات الراوية الإسرائيلية بأنها كانت أرضا ًبلا شعب، في محاولة لتشويه التاريخ وتأليب الحقائق.

وكان النائب العربي (الفلسطيني) في الكنيست الإسرائيلي، أحمد الطيبي، قد هاجم قرار الوزير جدعون ساعر قائلاً: "إن أي توجيهات من أي وزير إسرائيلي لن تشطب الرواية الفلسطينية، إنها محاولة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة ولضمان وجود رواية واحدة، وهي رواية الصهيونية. وسنظل نحيي النكبة كل عام." إسرائيل التي تدرك تماماً هشاشة روايتها، وتصدق كذبتها التي كذبتها منذ ستة عقود ونيف، تسعى لطمس جريمتها البشعة في أهالي فلسطين 48، مستغلة الوقت المثالي الراهن في الضعف العربي والانقسام الفلسطيني، إذ لا تضيع وقتا ًفي تحقيق هدفها في إخفاء معالم الهوية الحضارية العربية والدينية للفلسطينيين، خصوصًا في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي القدس.

إنها حرب على الوعي فالقرار بشطب مصطلح النكبة من المناهج الدراسية في المدارس العربية لأبناء الفلسطينيين ولصفي الثالث والرابع، يأتي في سعي إسرائيل لغسل دماغ الأطفال الذين لم يعيشوا النكبة، فتربيهم هي كما تريد على روايتها هي، وعلى مصطلحاتها اليهودية: "بطولة لجيش الاحتلال، وهجرة إرادية للفلسطينيين" و"حروب إسرائيل"، وعلى أورشليم بدل القدس وعلى "نتسرات" بدل الناصرة، وغيرها.

وفيما يتعلق بقانون حظر الاحتفال بيوم النكبة الذي يوافق منتصف شهر أيار (مايو) من كل عام، فرض "الكنيست" الإسرائيلي- عقوبات على الهيئات والبلديات والمؤسسات التي تحظى بتمويلٍ رسمي إذا قامت بنشاطات ترفض وجود "إسرائيل" بوصفها "دولة للشعب اليهودي".

وتعتبر الصيغة التي تم التوافق عليها نسخة مخففة من مشروع قانونٍ اقترحه وزير الخارجية الإسرائيلي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان؛ حيث كان ينص على اعتبار الاحتفال بذكرى "النكبة" مخالفة جنائية تستوجب فرض عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاثة أعوام بحق كل من يخالف هذا القرار. فيما عقّب بعض الوزراء عند عرض مسودة القانون على "الكنيست" بقولهم: "إن هذه الخطوة هي الأولى على طريق وقف عمليات التحريض المنظمة التي تقودها الحركة الإسلامية ولجنة المتابعة العليا لشؤون عرب 48 في (إسرائيل)"، وأضافوا أن "ذلك يعني انتهاء المناسبات السعيدة لدى رئيس الحركة الإسلامية رائد صلاح وأصحابه" .

ويُعتبر قانون "الكنيست" وقرار وزير التربية بشطب مصطلح "النكبة" من القاموس السياسي الفلسطيني والعربي حلقة في سلسة لتحقيق هدف إسرائيل الذي تسعى له منذ سنين بدولة يهودية خالصة لا تشوبها شائبة، ولم تكتف بذلك فحسب بل سعت جاهدة لشطب المصطلح من قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها، حيث كانت بعثة دولة إسرائيل لدى الأمم المتحدة قد طلبت من سكرتارية المنظمة الدولية "توضيحات حول استخدام مصطلح "النكبة" في بيانٍ أصدرته الناطقة بلسان الأمين العام بان كي مون"، قبل نحو شهرين.

حتى في الحزن، لا تريد إسرائيل للمواطن الفلسطيني أن يحزن، تريد أن تغير الذاكرة وتلغيها، لا تريد لأحد أن يتذكر مصيبته وما حل به وبأهله وبأهل قريته المهدمة.

أي قانون هذا الذي يمنع الإنسان من تذكر تاريخه وتاريخ أجداده، أي قانون هذا الذي يمنعه من الوقوف على أنقاض مصيبته وأطلال منزله المهدم؟، هل يجرؤ أحدٌ أن يقول لإسرائيل إمحي المحرقة النازية من ذاكرتك؟ ولا تتحججي بها في كل محفل؟ . فكما أن اليهود لن ينسوا ما فُعل بهم سابقاً، فكيف لنا أن ننسى ما فعلوه بنا على امتداد ستة عقود!!.

إن خوف إسرائيل من ما يقارب المليون و400 ألف فلسطيني، هو ما يجعلها تتخبط في محاولاتها لمواجهة هذا الواقع المفروض عليها، بشتى الوسائل والطرق، لكن فلسطينيو 48 المتمسكون بعروبتهم والذين رفضوا سابقاً الاعتراف بيهودية الدولة، سيكونون بالمرصاد لمثل هذه المحاولات، التي ترمي لتشويه التراث الحضاري الفلسطيني.

وحتى لو شطبت الأسماء والمصطلحات العربية والفلسطينية، فهذا لن يلغيها من ذاكرتنا التي لطالما اعتمدت على التاريخ الشفوي والمنقول، وستنقله للأجيال القادمة.

http://www.miftah.org