القدس بين أرشيفهم وتاريخنا
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/7/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10689

بعد منح بلدية القدس المحتلة التراخيص اللازمة لبناء 20 وحدة سكنية على أنقاض فندق "شيفارد" المقام في "كرم المفتي" الذي يعود إلى عائلة المفتي أمين الحسيني، واستولت عليه سلطات الاحتلال عام 1968، لم تجد وزارة الخارجية الإسرائيلية وبتعليمات من وزيرها أفيغدور ليبرمان حجة أفضل من استخدامها لصورة تجمع المفتي أمين الحسيني مع الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر في حملة إعلامية للدفاع عن الاستيطان في القدس المحتلة، في محاولة تبرير بائسة وغير مجدية لما تقترفه أيديها من استيطان وتهويد في المدينة المقدسة.

وعلى عكس ما يعتقده ليبرمان بأن توزيع هذه الصورة يؤكد مزاعم إسرائيل فيما يتعلق بإقامة بؤرة استيطانية في ضاحية الشيخ جراح في القدس الشرقية، فإنها ستُظهر إسرائيل في محاولة للهروب من المواجهة مع المجتمع الدولي والتذرع بحجج واهية لتغطية أفعالها بالقدس، وقد أكد ذلك مستشارو ليبرمان الذي اعتبر أن "ثمة أهمية بأن يعرف العالم الحقائق" على حد تعبيره، وأنه توجد علاقة بين الصورة والقضية الحالية المتعلقة بإقامة البؤرة الاستيطانية، وأن فندق "شيفارد" تم بناؤه في حينه ليشكل مقراً للمفتي.

ليبرمان قرّر تجاهل نصائح المستشارين في وزارة الخارجية بعدم استخدام هتلر في الحملة الإعلامية، وأن استخدامه سيكون بمثابة "هدف ذاتي في مرمى إسرائيل" بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي أضافت أن ليبرمان أصرّ على نشر صورة هتلر والحسيني، التي التقطت في العام 1941 بادعاء "تذكير العالم بالتعاون بين الحسيني والنازيين".

ولنفرض جدلاً أن الصورة صحيحة ولم تتم معالجتها تقنيا ً كما اعتدنا من إسرائيل، ما الذي يجعل منها مبرراً لانتهاكات قانونية واضحة في توسيع الاستيطان في القدس، وبالتالي فإن أنسب ما يقال عنها عذرٌ أقبح من ذنب.

ويتزامن هذا الموقف مع تصاعد الحملة لتهويد القدس، وطمس معالمها العربية والدينية، في ظل مخطط بلدية القدس الإسرائيلية لهدم أكثر من 6 آلاف منزل فلسطيني بزعم "إعادة تنظيم الأحياء العربية" في الشطر الشرقي للمدينة حيث أعلن رئيس بلدية مدينة القدس المحتلة الإسرائيلي نير بركات في وقت سابق عن مشروع قرار لهدم 30 % من البيوت غير المرخصة في الجزء الشرقي الفلسطيني من المدينة ومنح الـ70 % الأخرى وضعاً قانونياً جديداً.

إذن هذه هي السياسة الجديدة التي انتقلت من هدم البيوت إلى هدم الأحياء، إذ أن إصدار البلدية إخطارات هدم جماعي لأحياء سكنية وبنايات كبيرة متعددة أضاء مؤشراً خطيراً لما ستؤول إليه القدس والمقدسيين في المستقبل القريب، بالإضافة إلى اكتشاف مخطط تم إيداعه في اللجنة المحلية للتنظيم والبناء، قدمته جمعية "العاد الاستيطانية" لإقامة بؤرة استيطانية في أراضي حي اليمن في بلدة سلوان بمساحة ستة دونمات، مقام عليها أكثر من ستين منزلاً، والمذهل بالأمر أن المخطط لم يستوف الشروط القانونية التي تطلبها البلدية في العادة وخاصة إثبات الملكية للأرض، ما يؤكد وجود تواطئ واضح مع الجمعيات الاستيطانية من أجل الاستيلاء على منازل المواطنين وأراضيهم خاصة في بلدة سلوان، وهذا ما وضحه حاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس في حركة فتح.

إن أطماع إسرائيل في القدس لا تخفى على أحد، فحلمها الذي بدأ في حزيران عام 1967، أصبح شبه واقعِ على الأرض، إذ سعت في مخططات استيراتيجية لتغيير الطابع الديمغرافي في المدينة، سعياً منها لجعل المقدسيين العرب أقلية فيها بعد أن كانوا سكانها الأصليين، ولجعل اليهود الإسرائيليين الأغلبية مستعينة في تحقيق ذلك بكل الوسائل المتاحة لطمس ملامح المدينة المقدسة وتغيير معالمها، فبعد 15 عاماً ستكون نسبة المقدسيين داخل القدس 12% فقط.

وقد سبق المخططات الحالية بهدم حي سلوان، مخطط هدم حي المغاربة في البلدة القديمة بأكمله، بما يضم من مساجد ومنازل وأماكن أثرية وشوارع، وطرقات، وتشريد الآلاف من مواطني الحي، وبناء حي يهودي ضخم يضم عمارات متعددة الطبقات، شوهت المدينة القديمة، وأساءت إلى مظهرها العمراني، وهذا يأتي متطابقاً لما أوضحه رئيس قسم الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس خليل التوفكجي بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمل بدأب على تنفيذ مشروع القدس عام 2020 الذي وضعته البلدية عام 1994. وحمل مشروع "القدس 2020" عناوين عامة، في مقدمها تغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي للمدينة عبر زيادة عدد اليهود في أحيائها، وتكريسها عاصمة موحدة للدولة العبرية. ويقول التوفكجي إن مشروع "القدس 2020" الذي وضع بعد أشهر قليلة من التوقيع على اتفاق أوسلو، هدف إلى إخراج القدس من الحل السياسي مع الفلسطينيين وتكريسها عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل.

وكانت حكومة إيهود اولمرت السابقة قدمت اقتراحاً في المفاوضات مع الفلسطينيين يقضي بتقسيم القدس إلى ثلاث دوائر، الأولى وهي قلب المدينة المتمثل في البلدة القديمة، ومناطق المقدسات. والثانية المنطقة المحيطة مثل الشيخ جراح ووادي الجوز وغيرها، والثالثة المناطق المكتظة بالسكان مثل شعفاط وغيرها.

ويقضي الاقتراح بوضع قلب المدينة تحت نظام إشراف خاص يحافظ على السيطرة الإسرائيلية فيها، فيما تُضم الدائرة الثانية لإسرائيل، وتمنح الدائرة الثالثة التي تضم التجمعات السكانية الكبيرة إلى السلطة الفلسطينية.

أما السخرية السوداء هو تزامن أشد الأعوام انتهاكا ً لحقوق المقدسيين والقدس، مع إعلانها عاصمة للثقافة العربية، وذلك في دلالة واضحة أن إسرائيل لا تقيم قائمة لأي اعتبارات عربية أو غيرها.

ألا يتطلب منا كل هذا التهويد مخططاً حقيقا ًووطنياً في المقابل لمواجهة المخططات الإسرائيلية ونشاط الجماعات الدينية اليهودية التي تعمل ليل نهار على تهويد مناطق وأحياء وبنايات في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح.

فكل ما سلف إن دل على شيء فأنه يدل على أن سياسة إسرائيل بحكومتها الجديدة المتطرفة برئاسة نتياهو تسعى لمحو القدس عن الخريطة العربية، ولذا فانه لا بد من مضاعفة الجهود الفلسطينية العربية للحفاظ على عروبة المدينة، وتثبيت سكانها، بشتى الوسائل.

فإسرائيل التي تعرف دوما ًكيف تستخدم الإعلام لصالحها مجندة لذلك كل المعطيات المتاحة، وكأن أرشيفها المزعوم جاهز للخروج بأي دليل ليدحض تاريخنا الممتد في القدس عبر مئات السنين كما تفعل دائماً، ستكون جاهزة لإخراج كل ما في جعبة هذا الأرشيف للعالم صحيحاً كان أم ملفقاً، فيما ينشغل إعلامنا العربي بالرقص والغناء وجديد مسلسلات رمضان العربية والتركية، وننشغل نحن بقتال أنفسنا وتعزيز فرقتنا.

http://www.miftah.org