بعد تداعيات مؤتمر فتح السادس..الحوار الوطني إلى أين؟
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/8/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10711

لقد بات واضحاً ما ستكون عليه السيناريوهات المحتملة، والتي ستتمخض عن الحوار الوطني الفلسطيني المزمع عقده في ال25 من شهر آب، والمشكوك في انعقاده بعد توعد إسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال بمقاطعة محادثات المصالحة مع حركة فتح ما لم يطلق سراح أنصاره في الضفة الغربية.

والفشل مجدداً لن يكون مستغرباً بعد التصعيدات الحاصلة بين الحركتين على خلفية اشتراط حماس وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل إطلاق سراح معتقليها في الضفة الغربية، مقابل السماح لقادة فتح الموجودين في غزة المشاركة في المؤتمر العام للحركة والذي سيعقد في الرابع من الشهر الجاري‏ وسيشارك فيه ألفي عضو، و80 وفداً من الأحزاب والدول العربية والأجنبية.‏

وإن ما يقال حول اختطاف قوات الأمن في الحكومة المقالة لأعضاء حركة فتح واستدعاء المئات منهم، ومصادرة هوياتهم ووثائقهم الرسمية، لمنعهم من مغادرة القطاع، ما دعا بالبعض للتنكر والخروج على عربات "الكارو"، بل والتهديد بمحاكمة كل من تسول له نفسه بالخروج من غزة، ما هو إلا منطق لا توصف به سوى العصابات التي لا سبيل آخر لها بالتعامل سوى الخطف والابتزاز.

ولا يمكن وصف هذه الممارسات إلا بأنها اعتداءٌ على حرية الإنسان الفلسطيني، والتمييز ضده على خلفية انتمائه السياسي، وهو انتهاك لحريته الديمقراطية والوطنية والقانونية، ويجب رفضه جملةً وتفصيلاً لما له من تداعيات خطيرة على المستوى الإنساني والوطني، وبالأخص على الحوار الفلسطيني وعلى استقرار الضفة وغزة ومستقبلهما.

وعلى فتح في المقابل عدم مجارة حماس في حملات التصعيد والاختطاف وتوسيع الاعتقال لمن -ليس لهم ناقة ولا بعير- في الضفة، كرد فعل انتقامي ليس إلا، لأن ذلك من شأنه أن يضع فتح في الكفة المقابلة لحماس، فتكونا في الجرم سواء، فلا حجة لأي منهما على الأخرى، وسيكون ذلك بمثابة الزيت الذي يصب على النار، بل عليهم إذا قوبلوا بالسيئة إن لا يأتوا بمثلها، وأن يبتعدوا عن الانجراف وراء ردود الفعل السريعة دون تفكير أو تأني. فمبدأ العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، مبدأ مرفوض وغير مقبول خاصة في المرحلة الراهنة التي يتوجب فيها أن يكون الطرفان أكثر مرونة وتنازلاً لبعضهما، إذ لا سبيل آخر غير تقديم التنازلات من كلاهما في هذه المرحلة الحرجة.

ولو أن حماس معنية بالحوار وإيجاد حل لوضع البيت الفلسطيني الذي على ما يبدو لم يعد فيه حجر قائم على أخيه لاعتبرت السماح لأعضاء فتح بالخروج من غزة والمشاركة في المؤتمر السادس، بادرة لحسن النوايا قبل ال 25 من شهر آب موعد الحوار الوطني الفلسطيني، لا أن تضطر السلطة وحركة فتح إجراء اتصالات مع سورية ومصر وتركيا لإقناعها بالعدول عن موقفها، وذلك بدلاً من أن تأتي الوساطات والاتصالات- التي لم تنجح أصلاً- لإعادة اللحمة الفلسطينية.

لا شك أن حماس كانت تدرك تماماً أن مطلبها بإطلاق سراح أنصارها ومعتقليها مقابل السماح لأعضاء فتح بحضور المؤتمر السادس في بيت لحم لن يُنظر إليه بعين الجدية، ليس لأنها مقايضة غير واردة على الإطلاق فحسب، بل لأنها تأتي بطريقة ابتزازية وعلى صورة –لوي الذراع-، وهذا ما لن تقبل به فتح أبداً .

بل من غير المعقول أن لا تدرك حماس أن خطف كوادر فتح واستدعائهم واحتجاز وثائق سفرهم، والتعنت في السماح لهم بالخروج من غزة، لن يصب في تعطيل الحوار الوطني الفلسطيني، وربما هذا ما تريده حماس كي تتنصل من الانتخابات المرتقبة، والتي قد لا تأتي أُكلها كما في المرة الأولى، وهذا ما يدفعها طويلاً للتسويف والمماطلة في محاولة لكسب الوقت وإيجاد حل لمأزقها وموقفها المتأزم الذي وضعت نفسها فيه.

وأي حديث الآن عن أمل بالوفاق، هو بعيد المنال وسط حالة الهبوط المتزايد الذي يعتري الحالة الفلسطينية السياسية التي تبدد فرص الوحدة والشراكة المستقبلية، تلك الشراكة التي لم تأت في البداية قبل أن تراق الدماء وتُنتهك الحرمات الوطنية، وترى أعيننا ما رأته من ويلات الانقسام، فكيف لها أن تأتي الآن والطرفان لا يراوحان مكانهما منذ ما يزيد عن السنتين.

فهذا الوضع الغريب من المناكفات والتحريض المتبادل لن يعزز الانقسام فحسب بل سيبدد أي أمل في الأفق بحل قريب على المستوى الداخلي وأيضاً على مستوى المضي في المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي الذي ريثما يتفق الفلسطينيون، سيكون انتهى من تنفيذ أجندته وجدول انجازاته من توسيع للمستوطنات وابتلاع للأرض والمياه وتهويد للقدس.

لو أن فتح استجابت لمطالب حماس، فهل كانت حماس ستنقب عن حجة أخرى لتعطيل ما يمكن تعطيله سواء المؤتمر السادس أو الحوار الوطني؟

لكن في كلتا الحالتين لا شك أن فتح ستكون الرابحة إذا ما فعلت ذلك، فإذا التزمت حماس في المقابل بالسماح لأعضاء حركة فتح بالخروج من غزة، ستضمن فتح نجاح مؤتمرها دون منغصات، وإن لم تلتزم ستكون بذلك قد أبدت حسن النوايا، وتركت حماس المتذرعة الوحيدة بالحجج.

http://www.miftah.org