أنفاق غزة.. إلى أين ستصل بنا؟!
بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2009/8/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10726

إلى كم ضحية بعد المائة وعشرة نحن بحاجة لندق جدران الخزان، ونقول كفى للعمل العبثي في الأنفاق؟!

110 من أرواح الأبرياء هم حصيلة مسلسل الموت المستمر بالأنفاق خلال 3 أعوام من الحصار المفروض على قطاع غزة حسب الإحصاءات الرسمية، عشرة منهم خلال يومين فقط، حيث قتل شاب في انهيار نفق على الحدود بين غزة ومصر، ولقي سبعة آخرين حتفهم الاثنين الماضي إثر تسرب للبنزين في أحد الأنفاق بعد أن علقوا داخله لأكثر من24 ساعة متواصلة، إذ إن وجود كميات كبيرة من البضائع عند فتحة النفق من الناحية المصرية حال دون تمكنهم من المغادرة، وكان معظمهم يتعرض للاختناق خلال محاولة الوصول للفتحة الأخرى من النفق جراء رائحة البنزين النفاذة، كما أن كميات الوقود الكبيرة أدت إلى حدوث انهيارات داخل النفق؛ ما زاد الأمور تعقيداً.

وعدد الضحايا في ازدياد ما لم نجد حلاً حقيقياً لهذه المقابر الجماعية.

هذا ما يحدث عندما يحتل الربح أولويةً على حساب أرواح المحتاجين اللذين يعملون من أجل لقمة العيش، وعندما يُستغل عوزهم ليكونوا في النهاية هم من يدفعون ثمن هذه التجارة المحفوفة بالمخاطر الجسيمة، دون أي رقابة أو سيطرة لضمان سلامة هؤلاء المواطنين من قبل السلطات في غزة.

أنفاق غزة التي يقارب عددها الألف نفق، والتي يعمل بها آلاف من أبناء القطاع، تمتد على الشريط الحدودي بين مصر ورفح، وعلى الرغم من تدمير الاحتلال الإسرائيلي للمئات منها في حربه الأخيرة على غزة، إلا أن أهالي القطاع الذين لم يجدوا سبيلاً آخر لسد حاجتهم، أعادوا حفرها رغم التشديدات الأمنية المصرية في تنقيبها عن الأنفاق وطمرها.

إن هؤلاء الشباب لاشك أنهم مدركون لخطورة العمل بالإنفاق، لكنهم بين أمران أحلاهما مُر فأخاك مرغم لا بطل، وهم يعيشون الأمرين ما بين حصار ظالم وخانق يحرمهم أبسط مقومات الاستمرار ومابين التوجه للعمل في الأنفاق لتهريب ما يمكن تهريبه من البضائع والوقود، في طريق مشترك مع الموت إما حرقاً أو صعقاً أو حتى الدفن أحياء.

وبغض النظر عن كونها الرئة التي يتنفس من خلالها القطاع، إلا أن الجميع الآن يُجمع على تحولها من نعمة إلى نقمة، ومن أنفاق للحياة إلى أنفاق للموت، إذ لا يمكن التغاضي عن ما عادت به من إزهاق للأرواح، ليس ذلك فحسب بل أيضاً لما جرى من تهريب للمخدرات والسموم من خلالها.

ولطالما ظهر في زمن القهر والجوع من يستغلون حاجة الناس فمصائب قوم عند قوم فوائد، وهذا حال تجار غزة الذين يحتكرون السلع ويجنون أموالاً طائلة من تجارة الأنفاق، ومن ثم يتهربون من تحمل مسؤوليتهم اتجاه هؤلاء المواطنين، محملين ذلك للقضاء والقدر ومتذرعين بأن أجلهم قد انتهى وهذا قدرهم.

أن ما آلت إليه أحوال أهل غزة الذين هم في حلِ من أمرهم يأتي ترجمة لما يفرضه عليهم العدوان الإسرائيلي من حصار خانق ومجحف، وما تفرضه عليهم أنفسنا وإياهم من انقسام وتبعثر عبر شقي الوطن، وبين هذا وذاك يتقدم المنتفعين الذين وجودوا في مثل هذا الوضع حالة مثالية لاستثمار مجدٍ يملئ جيوبهم وبطونهم فوق أرواح الأبرياء المحتاجين، ومن على جثثهم، مالئين ببضائعهم المحتكرة السوق الغزاوية، في حالة من الانتعاش الاقتصادي المزيف، وبأسعارٍ غير معقولة رافعين شعار – اللي معه معه واللي معوش ما يلزموش-، ولربما يتمنون وبل يعملون جاهدين لأن تظل الحال على ما هي عليه من حصار إسرائيلي وانقسام فلسطيني، لضمان استمرار النعمة وعدم انقطاع باب الرزق الذي فُتح لهم، وفُتحت معه أبواب الهلاك للعاملين فيه، دون أن يتحمل ما يمكن أن نسميهم قراصنة الأنفاق أدنى حد من المسؤولية اتجاه توفير أي شكل من أشكال السلامة لهؤلاء المستضعفين المهددين برؤية الموت أو وطئه في كل لحظة، واضعين حياتهم على المحك مقابل مبالغ زهيدة لا تزيد عن 50 دولار في اليوم.

إن هذا الخلل الذي يعتري النسيج الاجتماعي الغزاوي، وتحوله لظاهرة خطيرة يحتاج لقوة قانونية وإدارية تفرضها الحكومة المقالة في غزة، التي يتوجب عليها أن تضرب بيد من حديد كل من يتاجر بدماء الشباب ويستغل حاجة الناس وقلة حيلتهم، لكن كيف ذلك وجُل ما يهتم به المسؤولين في غزة هو ما ترديه ومالا ترتديه المحاميات في المحاكم، والنساء في المدارس والجامعات؟ كأولوية لا يجب إهمالها لدرء المفاسد عن المجتمع، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أليس منكرٌ عليهم ترك "الحبل على الغارب" لثلة من التجار وصناعتهم المهلكة، أليسوا هم أصحاب القول الفصل في القطاع، فليقولوا قولهم!!

ألم يكن من باب أولى بالحكومة المقالة في غزة أن لا تضع رأسها في التراب، حتى لا تكون بصمتها وتجاهلها شريكة في الجريمة؟. بل هل يكون حل المعضلة بفرض رسوم على مالكي الأنفاق، والاشتراط عليهم دفع مبالغ مالية كبيرة لكل من يقتل أثناء عمله، وأن يتم التكفل بعلاج من يصابون فيها؟، بمعنى حل المشكلة -بعد أن تقع الفاس في الراس-، ناهيك عن ما يقال حول رسوم الرخصة لحفر النفق التي تفرضها البلديات والتي تصل إلى 10.000شيكل ، وربما أكثر.

إن الأنفاق التي جاءت نتيجة للحصار الإسرائيلي، سرقت الضوء من المأساة الناجمة عن الحصار، فغض المجتمع الدولي نظره عنه، طالما أن الأنفاق تفي بسد حاجات القطاع من خلال إدخالها لمئات الأطنان من السلع والضروريات.

إن مثل هذا التدهور فيما يقترفه أهالي القطاع بحق بعضهم، إنما يتطلب منا وقفة جادة لوقف سيل الأرواح البرئية، ومعاقبة كل من تسول له نفسه الإتجار بحياة الأبرياء، ومعاقبة حتى من يغضون الطرف عنهم، والتصدي لمظاهر الاستغلال، وتعزيز الجهود نحو المصالحة الوطنية لفتح المعابر وإنهاء حالة الانقسام لمواجهة هذا الحصار وإزالة آثاره قبل أن تصبح العواقب وخيمة.

http://www.miftah.org