هل نحن بحاجة لمهرجانات التسوق؟
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/8/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10765

انطلقت خلال الأشهر القليلة الماضية عدد من مهرجانات التسوق في مدن الضفة الغربية بدءً بجنين وانتهاءً بنابلس، مروراً بمهرجان الخليل الصناعي، لتشكل ما يشبه الظاهرة.

والغريب أن هذه المهرجانات جاءت بصورة متلاحقة بين المدن الفلسطينية وكأنها موجة يجب مجاراتها، وكان من الممكن أن تتركز في منطقة واحدة بحيث تأتي في صورة أكثر تنظيماً وتنسيقاً.

وفي كل الأحوال فإن مثل هذه المهرجانات الحديثة تلقى إقبالاً واسع النطاق من المواطنين، ورغم ازدحام الأسواق والفعاليات إلا أن جزءاً كبيراً من هؤلاء الناس لم يأتوا بغية التسوق والشراء وإنما جاؤا للترفيه عن أنفسهم في وقت تنحصر فيه الأماكن المتاحة للترفيه، ناهيك عن أن القوى الشرائية تنحصر لدى فئة بسيطة جداً في مجتمعنا الفلسطيني ولا تشكل السمة العامة له.

والهدف المعلن من وراء إقامة هذه المهرجانات هو استبقاءٌ للأموال وتدويرها محلياً، لدعم الاقتصاد الوطني وإنعاش الحركة التجارية، لكن المفارقة هنا أن هذه المهرجانات لم تأخذ على عاتقها ترويج المنتجات المحلية ولا للصناعات الوطنية بحيث يكون هدفها زيادة وتيرة نمو الإنتاج المحلي وتشجيع أصحاب المصانع والتجار على تطوير جودة منتجاتهم شكلاً ومضموناً حتى تستطيع أن تصمد أمام غيرها ممن يحيط بها بريق الدعاية والإعلان والتميز.

وإنما كما هو حال جميع الأسواق الفلسطينية بشكل عام، امتلأت هذه المهرجانات بالمنتجات المستوردة أو الإسرائيلية، وهي تقدم بذلك خدمة للدول المصدرة بحشد أكبر قدر من الأموال الوطنية وضخها في اقتصاد تلك الدول، بل إن فكرة مهرجانات التسوق نفسها مستوردة من الأقطار العربية، والتي لا يمكن أبداً أن نقارن أنفسنا بها، بحكم خصوصية الحالة الفلسطينية التي تعاني من مشاكل لا حصر لها، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو تردي الوضع الفلسطيني، وهذه الدول في معظمها خليجية، ومن المعروف أن الخليجيين هم أكثر الشعوب استهلاكاً بلا منافس، على الرغم من كونها سمة تشترك فيها المجتمعات العربية عامة، والتي تجعل من أسواقها أفضل الأماكن لتصريف المنتجات المستوردة، وحتى التي يتعذر تصريفها.

كما يؤخذ على هذه المهرجانات أنها لم تسعى لتكون ميداناً يتبنى شعارات مجتمعية، أو التوعية بإحدى القضايا الوطنية المحلية، وما أكثرها، بل أعتقد أن الشعار الوحيد الذي رفع بما يتناسب مع ثقافتنا "اصرف ما الجيب يأتيك ما في الغيب". والطريف أن سعينا من خلال هذه المهرجانات للتميز والتفرد وضرب أرقام قياسية تؤهلنا للدخول في موسوعة جينس، كان في أغلبه من خلال إتقاننا لكل ما يتعلق بفنون الطعام، والذي نتقنه جيداً تصنيعاً واستهلاكاً، سواء من خلال أكبر صدر كنافة في نابلس أو بأكبر قالب حلاوة في الناصرة مؤخراً، أو بأكبر صحن تبوله في رام الله سابقاً، وربما بأكبر منقوشة زيت وزعتر مستقبلاً.

450 ألف دولار هو المبلغ الذي صرف لتغطية مهرجان نابلس للتسوق، غطى القطاع الخاص منها ما يقارب65% ووعدت الحكومة الفلسطينية بتغطية النفقات المتبقية للمهرجان. ولا نقول أننا ضد دعم الفعاليات الثقافية والاقتصادية، ولكن أعتقد أننا جميعا كمجتمع ناشئ ضد ما يصاحبها من بذخ وترف وسوء إدارة للمال، وبهرجة زائدة لا تتناسب حتى مع إمكانيات مجتمعنا المتواضعة، والذي يعيش أكثر من 70% من سكانه تحت خط الفقر، في وقت نعاني فيه من تفشي البطالة، وتردي وضع الاقتصاد المحلي الذي خسر 640 ألف فرصة عمل بين الأعوام 2002 و2005، وتشوه بسبب سياسيات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي أدت إلى نهب موارده الطبيعية وتعميق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، يضاف إليها خسائر تصل إلى 282 مليون دولار بسبب الجدار الفاصل وغيرها من الخسارات، وهو الآن يعتمد في مجمله على التمويل والمساعدات الخارجية. وبالتالي قد يتساءل البعض عن كل ما يُصرف من جهد وطاقة في غير مكانه الصحيح، في محاولة لخلق حالة من التطور والرقي الزائف.

والواقع أن المجتمعات العربية بشكل عام تفتقر إلى التخطيط والنظرة المستقبلية، لذا فالصدفة والعشوائية كانتا الأساس الذي شكل الواقع المتردي الذي نعيشه، الأمر الذي قاد إلى تعاظم ثقافة الاستهلاك في ظل غياب المشروعات الاقتصادية والإنتاجية، وعلى هذا تعودت المجتمعات العربية التي تعطلت قواها الفكرية والإنتاجية على الاستهلاك، الأمر الذي لا شك سيكون مأزقاً جديداً يحول دون خلاصها من التبعية وتحقيق ذاتيتها واستقلاليتها الاقتصادية والسياسية وأهدافها المجتمعية وعدم التفريط في الثروات الوطنية.

ودعونا لا ننسى أن الوطن العربي كان ولا يزال يقبع تحت وطأة استغلاله اقتصادياً حيث تستنفذ خاماته وموارده دون مقابل يذكر ومن ثم تباع له لا حقا بشكل مختلف بعد تصنيعها.

إن انتشار هذه الثقافة السلبية سيترتب عليها مخاطر جمة على المدى البعيد، ليس فقط على الجانب الاقتصادي بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية، فتتعزز ثقافة الأخذ، في مقابل تراجع العطاء والتعامل مع المال على اعتبار أنه وسيلة لتحقيق الرفاهية والكمالية والمظاهر، وتعزيز ثقافة الأنا فيما تتراجع المسؤولية الفردية اتجاه المجتمع ومستقبل أفراده، كما أن مهرجانات التسوق تساهم في تضاعف الحاجات الأسرية نحو الكماليات وبالتالي تجاوز قدرة الموارد المتاحة على تلبية الحاجات البشرية.

وإن هذا النمط من الانفلات الشرائي يتجلى بأسوأ صوره عند اقتراب رمضان وكأن بيوت الناس خاوية على عروشها، فيما تنفذ فوانيس رمضان وحتى سجادات الصلاة، والتي تستورد هي الأخرى من الخارج، في مفارقة مضحكة مبكية.

إذن ما زال أمامنا شوطاً طويلاً قبل الوصول إلى مهرجانات التسوق في وقت يتوجب علينا فيه التركيز على التنمية المجتمعية والفكرية والاهتمام بالقطاعات الزراعية والإنتاجية والصناعية والتعليمية ورفع المستوى الثقافي والقانوني في ظل ما تعانيه كل هذه القطاعات من ترد وضعف.

والمقصود من كل ما سلف بالتأكيد ليس محاربة الاستهلاك، فهو عملية حيوية مهمة تقوم عليها الحياة الاقتصادية وتنتعش بها، إنما يجب ترشيد العملية الاستهلاكية، والعمل على موائمة هذه المهرجانات بما يتناسب مع ثقافتنا وحاجاتنا وأولوياتنا الوطنية والمجتمعية، وأن لا يكون الهدف الوحيد منها هو الإنفاق الاستهلاكي على الكماليات حتى لا تكون السمة العامة للمجتمع ولا تصبح جزءً من حياته، وأخيراً فلا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع.

http://www.miftah.org