تأجيلُ العقاب... اغتيالٌ للعدالة.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/10/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10892

ليسوا فقط أهالي ال1400 شهيد الذين سقطوا في العدوان الإسرائيلي على غزة مطلع العام الحالي، هم وحدهم من يشعرون بخيبة الأمل والحسرة اتجاه تأجيل التصويت على تقرير جولدستون، بل أن أبناء الشعب كافة يعيشون الشعور نفسه.

فموقف السلطة الوطنية الفلسطينية بتأجيل التصويت على تقرير "جولدستون"، كان مفاجئاً وصادماً، بل أن الأكثر غرابة واستهجاناً هو حالة التضارب في مواقف وتصريحات الشخصيات السياسية بين التأكيد والنفي، في حالة من الفوضى، جعلتنا في حيرة اتجاه تصديق وتكذيب من، وسط مبررات غير مقبولة أو مقنعة، وفي صورة عكست الأداء الإعلامي المرتبك، وعشوائية التعامل مع الإعلام، وعدم التحضير والتنسيق المسبقين.

فعضو اللجنة وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات نفى سحب التقرير من عملية التصويت، ونفى ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول قرار السلطة بعدم تبني توصيات تقرير الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل، بارتكاب جرائم حرب في غزة، وكذلك نفى المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، أن تكون السلطة قد طلبت سحب القرار الخاص حول تقرير جولدستون.

في المقابل أكد إبراهيم خريشة الممثل الدائم لفلسطين لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف خبر سحب التقرير بحجة حشد التأييد ولتحقيق الإجماع في التصويت القادم الذي سيكون في شهر آذار 2010.

لكن هل الإجماع سيتحقق فعلاً بالتأجيل؟

ثم تأتي هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لتقول "أن عدم سحب التقرير سيؤدي لقتل الفجوة التي قل اتساعها مؤخراً مع الإسرائيليين"، ومن قال أن الفجوة مع الإسرائيليين قل اتساعها!!، وإسرائيل توجه كل يوم، رسائل للعالم بأنه لا شيء قادر على إيقاف أفعالها الإجرامية. ثم أن الادعاء بأن التأجيل يصب في إنقاذ عملية السلام إدعاء مرفوض، فأين هو السلام الذي تسعى له إسرائيل وهي تحاصر المصلين في الأقصى، وتقتل أبناء الشعب في غزة والضفة.

الموقف الشعبي والفصائلي كان واضحاً اتجاه ما حدث، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اعتبرت عملية سحب التقرير "تصرفاً غير مسؤول وانهزامي، وينطوي على إساءة بالغة لنضال شعبنا ولكل من ساهم ويساهم في دعم هذا النضال وكشف حقيقة الاحتلال وانتهاكاته.

وفي ظل ضعف المبررات والتضارب في التصريحات والمواقف يبدو أكيداً أن هناك خلل ما في موقف السلطة والقيادات الفلسطينية اتجاه ما جرى، سواء أكان طلب تأجيل التصويت على تقرير جولدستون من قبل السلطة، حقيقة أم لا.

إن تضييع السلطة الوطنية الفلسطينية لهذه الفرصة التاريخية بإدانة إسرائيل، وسط كل هذا الدعم الدولي والأوروبي لما جاء في تقرير جولدستون، إنما يشكل خسارة كبيرة للتعاطف الدولي والأوروبي، ويوجه صفعة قوية لكل الجهود الأوروبية المبذولة لإدانة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة، وجهودها لدعم الفلسطينيين في بلعين ونعلين، وفي كل الأراضي الفلسطينية طيلة السنوات الماضية، وبهذا عبرت الحملة الأوروبية عن طلب السلطة الفلسطينية بإرجاء بحث تقرير جولدستون بأنها صدمة كبيرة.

إن ما حدث لا يمكن أن يبرر بأي شكل من الأشكال، ولا داع لاختراع مزيد من الحجج والمبررات البعيدة عن التصديق، والتي لن تزيد الطين إلا بله، وآخرها ما قاله إبراهيم خريشة بأن التقرير يدين حماس أيضاً، وعلى هذا يجب إعادة النظر فيه.!! ورغم أن الرئيس محمود عباس أشار إلى أن التأجيل جاء بناءً على طلب الدول العربية، إلا أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبر عن رفضه لقرار التأجيل، واعتبره قرارا ًخاطئاً، سيشعر إسرائيل بأنه لا كابح أمامها، اتجاه ما تفعله بالفلسطينيين.

عجبا ًلنا، أننادي العالم طوال الوقت بالنظر لجرائم إسرائيل ونشتكي من ظلمها وجبروتها، وعندما تصل اللقمة إلى الفم كما يقولون نراجع أنفسنا وتغير رأينا، بل والغريب أن نطالب بالتأجيل ثم نطالب بتشكيل لجنة للتحقيق في التأجيل، تأكيداً على أننا لسنا من طالب به.

إن هذه المبررات الواهية تنطوي عن جريمة حقيقة بحق دماء الشهداء وأبناء الشعب الفلسطيني أجمع وهي استهتار بعقول ومشاعر الفلسطينيين، تحت دعوى الرؤية السياسية الأعمق للقيادة. والمتتبع لما كان يجري بخصوص التقرير، سيتذكر ابتزاز إسرائيل للسلطة الوطنية الفلسطينية، بعدم تزويدها بترددات البث لشركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية الجديدة -الوطنية موبايل، إذا هي لم تتنازل عن ما جاء في تقرير جولدستون، فهل يمكن أن نربط هذا الابتزاز بما يحصل الآن؟ بل هل يُعقل أن تباع دماء الشهداء والوطن مقابل صفقة اقتصادية؟؟

وفي كل الأحوال، فإن من فقدوا أبناءهم في الحرب على غزة، لم ينتظروا أحدا ً ليعيد لهم أحباءهم، ولكنهم أملوا فقط أن يُجرم القاتل- إسرائيل- بجرائمه اللا إنسانية، وأن لا يفلت من العقاب.

http://www.miftah.org