دماء الأسرى مقابل شاليط

الفتاوي اليهودية.. دعوات صريحة بالقتل.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/12/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11118

لم يكن كافياً للحاخامات اليهود، كل أنواع العذاب والمعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، والإجراءات التعسفية اليومية بحقهم وبحق أهاليهم، والظروف اللاإنسانية التي يعيشها الأسرى المرضى وغيرهم، بل توجوا كل ذلك بفتوى أصدرها مجمع الخامات الصهيوني "السنهدرين" تبيح قتل كافة الأسرى الفلسطينيين إذا لم يعد الأسير غلعاد شاليط سالمًا؛ وذلك عقب بعض التسريبات الإعلامية عن تراجع مسار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة "حماس".

حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت" قبل يومين، بعض فقرات الفتوى الصادرة ما نصه: "يجب إغلاق ملف شاليط حتى وإن كان الثمن حياته، ويجب اتخاذ إجراءات أخرى لتحريره باستهداف حياة "القتلة" الموجودين في سجوننا"، مضيفةً أن "إطلاق سراحه مقابل إطلاق سراح "المجرمين" كما حدث في صفقة "تننباوم" و"سمير قنطار" يعد استسلامًا".

وأضاف نص الفتوى أنَّ "المحرضين على إنجاز الصفقة هم السياسيون والأكاديميون والإعلاميون وحركة "السلام الآن"، وممثلو العلاقات العامة ممن يتلقون الدعم المالي من الأعداء نظير خيانة وطنهم"، مطالبةً بعملية عسكرية واسعة ثانية على غزة في عيد "الحانوكاة" يكون هدفها استئصال حركة "حماس" من على وجه الأرض!.

ورغم كون هذه الفتاوى ليست غريبة علينا، ولا مستهجنة، فهي تأتي في سلسة متواصلة من الفتاوى اليهودية التي تحرض على القتل والإبادة للعرب، وإن كان الجديد فيها هذه المرة هو مدى الوقاحة في الدعوة الصريحة إلى القتل من رجال الدين اليهود، لمن هم أسرى يقبعون خلف القضبان، في صورة لا تمت إلى الإنسانية بصلة وتبعد كل البعد عن الحقوق المشروعة للأسرى في الحروب، والتي كفلتها القوانين الدولية والشرعية.

وكيف لا يكون للأسرى نصيبهم من دعوات التحريض على الكراهية والقتل، وقد طالت هذه الدعوات من قبلهم الأطفال الرضع، فلم يكد يمض شهر بعد، على آخر فتوى جاءت في كتاب أصدره الحاخامان يتسحاق شبيرا، ويوسي أليتسور تحت عنوان "توراة الملك"، والتي تُجيز قتل "الأغيار" من غير اليهود حتى من حملة الجنسية الإسرائيلية، وحتى الأطفال الرضع كما أوضحا في مؤلفهما ودون تلعثم أو صياغة متحفظة "إذا تبيّن أنهم سيكبرون من أجل المس بنا، أو إن كانوا يسدون طريقنا". كذلك "يسمح قتل أطفال زعيم شرير من أجل الضغط عليه ليكف عن أعمال الشر"، معتمدين في تشريعهما على مئات الآيات من التوراة.

و توجب هذه الفتاوى لليهود قتل الأغيار المدنيين في حالة تقديمهم المساعدة لمن يقدم على قتل اليهود.

والمشكلة الحقيقية تكمن في مباركة هذه الفتاوي الصادرة من المرجعيات الدينية اليهودية، لكل ما يقوم به جيش الاحتلال من أعمال قتل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبيح وتبرر له قتل النساء والأطفال "كعقاب جماعي" حتى لو تطلب الأمر قتل مليون أو أكثر منهم، على حد قول أحد الحاخامات إبان الحرب على غزة.

وإن عدم وجود ردود فعل من قبل المسؤولين الإسرائيليين على تصرفات الحاخامات، ما هو إلا تواطؤ واضح, بل مشاركة بالتحريض على قتل المدنيين، في انتهاك صريح للقوانين التي كفلت حقوقهم بالحماية وقت الحرب، سيما أن هذه الفتاوى تعطي الضوء الأخضر للجيش الإسرائليي والمستوطنين، بترجمتها على أرض الواقع، وما حرب غزة الأخيرة إلا خير دليل ذلك، إذ وزع كتيّب على الجنود المشاركين في الحرب على قطاع غزة قال فيه حاخام يدعى شلومو أفينير:"إن إظهار الرحمة إزاء عدو ٍقاسٍ هو شيء لا أخلاقي بصورة فظيعة، وأبْلغ الجنود بأنَّهم يحاربون قتلة!".

وهذا ما يؤكده تاريخهم الطويل بدءا ًمن المذابح التي ارتكبوها مذبحة دير ياسين وكفر قاسم، مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة الحرم الإبراهيمي التي نفذها "باروخ جولد شتاين"، بمنتصف رمضان 1994م بالخليل، والتي أشاد بها الحاخام "بورج" بقوله: "إن ما قام به باروخ جولد شتاين تقديسٌ لله، ومنَ الواجبات اليهودية الدينية"، وانتهاءً بحرق مسجد في قرية ياسوف بمنطقة نابلس من قبل المستوطنين الجمعة الماضية، وكل ذلك يمر بمباركات يهودية دينية.

والأخطر من كل ذلك أن كل ما ورد أعلاه من فتاوى تؤكد أن أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون يرون انه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات فان الأولى تطبيق رأى الحاخامات.

والحقيقية أن هذه الفتاوى ما هي إلا دلالة واضحة، على الغطرسة الإسرائيلية، التي تتخذ من الدين غطاءً لتبرير أفعالها التي يبعد أي دين سماوي عنها أشد البعد، انطلاقاً من استعلائهم على شعوب الأرض، كونهم كما يدعون شعب الله المختارً، فهم خُلقوا من عرق سامٍ، يتميزون به عن سائر البشر، وهذا ما قاله الحاخام "عوفاديا يوسف"، الزعيم الروحي لحزب "شاس"، اليهودي الشرقي، عن العرب:"إنهم أسوأ من الثعابين، إنهم أفاعٍ سامة، وأن هؤلاء الأشرار العرب حسب ما تقول النصوص الدينية: إن الله ندم على خلقه أبناء إسماعيل هؤلاء"، وهو الذي هاجم من جديد اليوم المسلمين، واصفا الإسلام بالـ "قبيح" وكذلك المسلمين مثل دينهم.

بل والأكثر غرابة هو صمت العالم أجمع اتجاه هذه الدعوات المتشبعة بالحقد والكراهية، في حين تترجم مقاومة الفلسطينيين وحقهم المشروع في نيل حريتهم وحقوقهم المهضومة، على أنها إرهاب ودموية، بفضل وسائل الإعلام الغربية والأمريكية التي تدعم الرواية الإسرائيلية، وتساعد اليهود على قلب الحقائق وتزويرها وإظهارهم على أنهم دعاة للإنسانية ومضطهدون من قبل الفلسطينيين.

لذا ومن كل ما تقدم يتوجب على كافة الأطر الحزبية والسياسية والمجتمعية، العمل على خلق تحرك شعبي ودولي وحقوقي لتوفير الحماية الإنسانية لأسرانا والعمل على إطلاق سراحهم دون شروط، فهم ليسوا مجرمين ولا إرهابيين، وإنما هم أسرى حرب ومقاتلين شرعيين حسب اتفاقية جنيف، وأن الشعب الفلسطيني لن يهدأ ولن يستقر مادامت حكومة إسرائيل تحتجز الآلاف من الأسرى في سجونها ومعسكراتها.

http://www.miftah.org