الفلسطينيون في غينس...ما بين المأكولات والملبوسات!!.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/2/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11305

ضرب الأرقام القياسية والدخول في موسوعة غينس خبر بتنا كفلسطينيين وكأننا قد اعتدنا عليه، خاصة بعد دخولنا لموسوعة غينس بأكبر سدر كنافة في نابلس، وأكبر ثوب فلسطيني في الخليل وأكبر صحن تبولة في رام الله، فقد باشرت قبل أيام قليلة جمعية أصدقاء فلسطين العمل على تجهيز أكبر كوفية فلسطينية في العالم وإدخالها موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة وذلك بمشاركة متطوّعين فلسطينيّين وأجانب يصل عددهم إلى 50 شخصاً من كلا الجنسين، ومن المتوقع أن تستقطب اهتماماً إعلامياً محلياً وعربياً وعالمياً.

الكوفية التي سيصل طولها إلى 500 متر وعرضها 5 أمتار، سينتهي إنجازها في أواخر شهر آذار- مارس وسيتمّ عرضها بمناسبة يوم الأرض على جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على أراضي الضفة الغربية أمام حشود رسميّة وشعبيّة وعدد من المتضامنين الأجانب، كما أنه من المنتظر أن يتمّ عرضها في الخارج وخاصة في المخيّمات الفلسطينيّة، وستكون مزاراً للمتطوعين وأنصار القضية الفلسطينية في العالم كما صرح عمر ناصر رئيس جمعية أصدقاء فلسطين.

ولا شك أن هذه المبادرة تصب في سياسة ترسيخ الثقافة والتراث الفلسطيني، والتأكيد على فلسطينية الكوفيّة، في رسالة موجهة للعالم أجمع بأن الشعب الفلسطيني له جذوره وأصوله التي تغذي رفضه للسرقة الإسرائيلية لهويته وثقافته وتمنعه من الصمت على هذه الجريمة، فهو مستمر في ثباته ودفاعه عن أرضه وحقوقه وهويته، بالحفاظ عليها وعلى التاريخ الفلسطيني من التهويد والتزوير والسرقة، خاصة بعدما تعرضت له الهوية الثقافية من سرقة وتحريف إسرائيلي، لم يستثن حتى الحطة الفلسطينية التي صبغت باللون الأزرق ورسمت بنجمة داوود، وبيعت عالميا ً بألوان مختلفة ونقشة تحاكي النقشة الأصلية، فليس غريباً ولا مستهجناً ممن سرق الأرض والماء والهواء، وزور الحقائق والمعلومات والآثار، من أن يسرق التاريخ والثقافة، من أجل تحقيق أهدافه ومآربه، بتحويلنا في نظر العالم من شعب صاحب قضية إلى شعب بلا هوية ولا ثقافة، فيما يحظى الشعب الإسرائيلي بالتمييز الثقافي الفريد على حسابنا، فالاحتلال لم يكتف سلبنا وطننا وحقنا في العيش الكريم والآمن، بل يحاول جاهداً سلبنا كل ما يميزنا ويعزز وجودنا وتراثنا وتاريخنا.

فالكوفيّة بلونيها الأبيض والأسود كانت على امتداد التاريخ الفلسطيني دلالة على الثورة والكفاح لنيل الحرية والعدالة، حتى تحولت لتكون رمزاً وطنياً وعربياً بل وعالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من أجل الدفاع عن حقوقه وحريته، كما هي رمزٌ للثورة والنضال والصمود، متجاوزة كل الحدود التاريخية والجغرافية فتحولت من رمز فلسطينيِ خاص إلى رمزِ إنساني عام، وأضاف تمسك الرئيس الراحل أبو عمار بها طوال حياته وحتى مماته بعداً آخر، فأصبحت تعبر عن الكرامة والهوية الوطنية للقضية الفلسطينية، ولكل حركات التحرر في العالم.

لكن المضحك المحزن، أن هذه الموجة أو ما يشبه الظاهرة في سعينا للتميز والتفرد وضرب أرقام قياسية تؤهلنا للدخول في موسوعة غينس، كان في أغلبه من خلال إتقاننا لكل ما يتعلق بفنون الطعام، والذي نتقنه جيداً تصنيعاً واستهلاكاً، سواء من خلال أكبر سدر كنافة في نابلس أو بأكبر قالب حلاوة في الناصرة، وأكبر صحن حمص، و بأكبر صحن تبوله في رام الله سابقاً، وربما بأكبر منقوشة زيت وزعتر مستقبلاً!!، أو من خلال الملبوسات حالياً، سواءً بأكبر ثوب فلسطيني في الخليل أو بالكوفية التي ستنجز في الفترة القليلة القادمة.

فهل حقاً بات دخولنا لموسوعة غينس أمراً اعتيادياً لأنه انحصر ما بين المأكولات والملبوسات؟؟، وهل أصبح هو أكبر الأهداف التي نسعى جاهدين وبكل الطرق للوصول إليها؟.

والحقيقة أننا كفلسطينيين كان يجب أن ندخل غينس ليس بسدر الكنافة والثوب الفلسطيني والكوفية بل بالمفارقات الغريبة العجيبة بل والفريدة التي لدينا، فنحن شعب منقسم بين وطنين في الضفة الغربية وغزة بلا دولة ولا سيادة لا على أرض ولا على ماء ولا هواء!!، فيما ننقسم ونختلف على السلطة والحكومة، وجزء من الشعب محاصر خلف جدار الفصل العنصري في سجن كبير، والجزء الآخر في القسم الآخر من الوطن في أكبر سجن جماعي في العالم!!، ومن ثم فلدينا أول قيادة تطالب بإزالة المستوطنات، بينما شعبها يساعد في بنائها بسواعده لشدة العوز!!، وغيرها من المفارقات.

والمقصود من كل ما سلف بالتأكيد ليس محاربة التميز والأهداف السامية وراء هذه المبادرات، لكنها دعوة لمراجعة أولوياتنا الحقيقة وإمكانياتنا الاقتصادية والاجتماعية في ظل كل ما نعانيه من احتلال وانقسام داخلي، ضمن تخطيط وإستراتيجية لأهمية هذه المبادرات، لا أن تكون بشكل عشوائي ودون دراسة للأولويات والاحتياجات والأهداف والنتائج الراجعة.

http://www.miftah.org