دولة فلسطينية بلا حدود...’دولة في الريح بين رصاصتين’
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/2/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11342

يبدو جلياً أن مبادرة وزيري الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير والأسباني ميغيل موراتينوس الأخيرة والتي تنص على اعتراف الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطينية في غضون عام ونصف حتى قبل انتهاء المفاوضات حول الوضع النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقبل الاتفاق على ترسيم الحدود، لا تعدو كونها مجرد اعتراف، سيكون بمثابة الحل المؤقت والمخدِر بما سيشكل هروباً من مواجهة الاستحقاقات الدولية إزاء إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان المتواصل في الضفة الغربية وخاصة في القدس، وقد يؤخر أو حتى يلغي العمل على إيجاد دولة بحدود واضحة ومتفق عليها.

لذا فإن مثل هذه المبادرة يجب أن تكرس حدود الرابع من حزيران عام 1967، حدوداًً للدولة الفلسطينية، وإلا فإن أي اعتراف بمثل هذه الدولة، سيكون أشبه بالاعتراف بدولة هلامية، غير واضحة المعالم ولا الملامح ك’دولة في الريح بين رصاصتين’، خاصة بعد أن تحولت الضفة الغربية إلى مجموعة من المعازل والكنتونات، كنتيجة للمستوطنات الإسرائيلية المترامية في كافة أنحاء الضفة والتي تخترق جسد الوحدة الفلسطيني وتقسمه إلى أشباه مدن ومناطق، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي بفعل جدار الضم والتوسع، الذي حول المناطق الفلسطينية إلى ما يشبه بقايا أو فتات دويلة، ناهيك عن ما نعانيه أصلاً من انقسام داخلي بين شطري الوطن المحتل، فمع كل هذه العقبات ستكون مهمة ترسيم حدود للدولة صعبة، فكيف وأين إذن ستكون دولة بلا حدود؟!.

إذن فهل حقاً يتوقع الفرنسيون والأسبان منا القبول بمثل هذا العرض، والذي لن يحمل أي مغزى عملي أو واقعي على الأرض، كما لن يلبي طموح الشعب الفلسطيني وقيادته ولن يصب في إيجاد حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟؟ وهو أيضاً لن يضيف أي جديد للدولة الفلسطينية التي أُعلنت عام 1988، ولم يترتب عليها تغييرات حقيقية بالنسبة للقضية الفلسطينية ولا للفلسطينيين، سوى أنها أضافت رسمية شكلية على القيادة أو على سفاراتها وممثلياتها في الدول.

أما الفوائد المحدودة التي قد تتأتى من جراء هذا الإعلان هو إمكانية الاستفادة منه كأداة في الصراع، حيث سيغير وضع تمثيل الفلسطينيين في الهيئات الدولية، ففلسطين لا تتمتع بالعضوية الكاملة في المجالس والمحاكم الدولية، ما يحرمها الكثير من الحقوق والمطالب، وقد واجهنا ذلك مؤخراً عند رفع تقرير غولدستون حول حرب غزة، بالإضافة إلى أن الاعتراف بدولة فلسطينية، لربما يسهم في التفاوض "كدولة مستقلة" على حل القضايا المصيرية مثل القدس، والحدود، وغيرها، وإن كان هذا احتمال ضعيف ومستبعد.

وفيما يرفض الفلسطينيون مثل هذه المبادرات لكونها لا تلبي كافة ما تطلبه قضيتهم العادلة، في المقابل كانت مصادر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعربت عن انزعاجها الشديد من موقف وزير الخارجية الفرنسي كوشنير ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن تلك المصادر قولها إن تلك التصريحات خطيرة للغاية حيث أنها تتماشى مع خطط رئيس وزراء السلطة سلام فياض والذي يسعى إلى الإعلان عن دولة فلسطينية عام 2011 بمجرد الانتهاء من مؤسساتها بغض النظر عن نتائج المفاوضات مع إسرائيل حول حدودها.

وأشارت المصادر إلى أن القلق الإسرائيلي يكمن في إمكانية حصول الجانب الفلسطيني على ضمانات سرية من الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية دون التفاوض على حدودها مما يشكل ضغطاً إضافياً على الجانب الإسرائيلي، وصرح مسؤول إسرائيلي لوكالة فرانس برس طالباً عدم ذكر اسمه إن "فرض مثل هذا الحل الجزئي من الخارج يتناقض حتى مع فكرة السلام"، وأضاف إن "منح هذا الاعتراف بينما لم تتم تسوية ملفات النزاع سيكون مثل صب الزيت على النار ومن شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين إلى إبداء مزيد من التعنت وجعل أي تسوية مستحيلة".

وفي كل الأحوال فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم يؤيد الفكرة أو يتبناها، كما أن كوشنير نفسه ذكر في تصريحه لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش": "سأكون ميالا لهذا الأمر (إعلان دولة فلسطينية قبل ترسيم الحدود)، لست متأكدا من أن رأيي سيُتبع ولا حتى إذا كنت على حق".

وبالتالي قد تكون المبادرة مجرد فكرة شخصية ليس بالضرورة أن تدخل حيز التنفيذ، وقد تكون قابلة للتحقيق لكنها لن تضيف أي جديد، ومن المستبعد إذا ما تحققت أن تعود بحلول نهائية لأزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل ستعود بعواقب وخيمة على مستقبل الدولة والقضية الفلسطينية، وفي كل الأحوال فهناك رفض فلسطيني وإسرائيلي لهذه المبادرة، وإن اختلفت الأسباب لدى كلِ من الطرفين، فالقيادة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تسعى للتخلص من أي ضغوطات دولية أو أوروبية عليها، والاستفادة من اللين الأمريكي المتوافق معها على طول الطريق.

أما بالنسبة للمطلوب عربياً ودولياً فهو دعم خطوات تجسيد قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، لترجمة هذا القرار قانونياً وسياسياً وعملياً على الأرض، والعمل فوراً لوضع حدِ للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، والكشف عن جرائم الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس بشكل خاص، واسترجاع الحقوق والعدالة الفلسطينية، وأولها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

http://www.miftah.org