بلا خجل..

محاكمة الطفولة... لون جديد من العذاب الإسرائيلي.
بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2010/3/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11362

الحسن والأمير (12، 7 سنوات)..شقيقان كان لهما نصيبٌ من كابوس الاحتلال الذي يعاني منه أبناء الشعب الفلسطيني ولم يستثن حتى صغاره، طفلان ربما كانت أكبر أحلامهما وأقصى طموحاتهما، هو اللعب بالكرة أمام المنزل أو ربما رحلة مدرسية قريبة، وبالفعل حظيا برحلة لكنها لم تكن ترفيهية، وإنما كانت للسجون الإسرائيلية.

حيث اعتقلت قوات الاحتلال قبل 4 أيام الطفل المحتسب (12.5 سنة) وشقيقه الأمير (7 سنوات) أثناء تواجدهما في شارع الشلالة وسط مدينة الخليل بحجة رشق الحجارة، ومن ثم أفرجت بعد 10 ساعات عن شقيقه الصغير، فيما حولت الحسن إلى معتقل عوفر، ومن ثم قرر قاضي إسرائيلي تمديد اعتقاله ليوم الأحد تمهيدا لمحاكمته.

سياسة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن اعتقال الأطفال وضربهم والتنكيل بهم من أجل كسر إرادتهم ونزع روحهم الوطنية وزعزعة الانتماء لديهم، ليست بجديدة علينا، فقوات الاحتلال قتلت حوالي 1328 طفل في الضفة وغزة خلال سنوات الانتفاضة الثانية حسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، واعتقلت الآلاف منهم، حيث يعيشون في السجون في ظروف نفسية قاسية ويجبرون على التوقيع على وثائق باللغة العبرية التي لا يعرفونها، ويحرمون من النوم، ومن العلاج، ومن لقاء محاميهم وعائلاتهم، ويحتجزون مع سجناء الأحداث الجنائيين الإسرائيليين، كما يحدث في سجن تلموند.

لكن الغطرسة والتمادي الإسرائيليين، وصلا إلى درجة لا يمكن استيعابها، فهي لا تخجل الآن من المجاهرة بكل وقاحة واستهتار ودون أي تورع، بتنصيبها محاكم للأطفال القصر غير البالغين، وبذرائع وتهم واهية، وحتى وإن كانت حقيقة فهي لا توجب ولا بأي شكل من الأشكال اعتقال ومحاكمة طفل، مرفوع عنه القلم ولا يُسأل عن تصرفاته.

وكما هي إسرائيل تدهشنا بكل جديد وحديث، فلم يكفها قتل الأطفال واعتقالهم، بل بتشكيل محكمة صورية وغير قانونية أو إنسانية تريد أن تضفي لوناً جديداً من ألوان العذاب والترهيب للأطفال الأبرياء، في تحد صارخ لكل الأعراف والقوانين والنصوص الدولية والإنسانية، وهي دلالة واضحة على همجية الاحتلال وعنصريته، وزيف ديمقراطيته التي يدعيها، ولم تكن حرب غزة إلا مثالاً حياً أماط اللثام عن وجه الاحتلال الحقيقي الذي يبني مجده على دماء الأبرياء والأطفال والنساء الذين شكلوا غالبية الضحايا في الحرب.

وها هي الآن لا تأبه بأي قوانين دولية، ولا مؤسسات حقوقية، في تأكيد منها على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو اتفاقية حقوق الطفل الدولية لسنة 1989، لا يشكلان أدنى قيمة أو اعتبار بالنسبة لها، فهي تتصرف في هذا السياق كما في غيره، منصبة نفسها دولة فوق القانون، في ظل غياب مساءلة قانونية وحقيقة لها، الأمر الذي يشكل لها المناخ الأمثل لمواصلة انتهاكاتها وممارستها اللا أخلاقية واللا إنسانية، فينطبق عليها المثل القائل: "يا فرعون مين فرعنك؟؟ قال ما لقيت حد يردني".

وقد شاهدنا بالأمس والد الطفل الأسير في سجون الاحتلال الحسن فضل المحتسب على شاشة تلفزيون فلسطين، وهو يصف بألم المحاكمة التي تقدم لها ابنه في محكمة عوفر الإسرائيلية بـ'الهزلية والمثيرة للسخرية". قائلاً: "إنه لا يوجد قانون يخضع الأطفال للمحاكمة العسكرية'، مشيراً إلى أن مشهد الحسن وهو مكبل اليدين والقدمين لفت أنظار المحامين الإسرائيليين المتواجدين في قاعة المحكمة، حيث دُهشت محامية إسرائيلية عندما رأته بهذا المنظر، وتطوعت للدفاع عنه. فيما أخذ الحضور بالضحك عندما قامت المحامية بإخراج بالون من حقيبتها، وناولته للطفل الحسن ليلهو به أثناء المحاكمة، فما كان من القاضي إلا أن طأطأ رأسه، وأخفاه خلف شاشة الحاسوب التي كانت أمامه، ثم أعلن 'خجلا' عن تأجيل المحاكمة إلى الأحد القادم.

وازدادت سخرية المحاكمة، عندما طلب القاضي من والد الطفل فضل المحتسب دفع غرامة مالية وقدرها 5000 شيكل، ليتنازل القاضي لمبلغ 2000 شيكل، لكن والده رفض الدفع مخاطبا قاضي المحكمة العسكرية في عوفر بالقول "أي قانون يقدم طفلاً للمحاكمة ويطلب من والده دفع غرامة مالية، لن أدفع الغرامة، ويجب عليك الإفراج عن طفلي."

إن هذه الهجمة الإسرائيلية التي تطال البشر والحجر، ولا تستثن أحداً من شرها، تستوجب وقفة جادة في وجه إسرائيل التي تهدم المنازل وتطرد سكانها، وتصادر الأراضي لبناء المزيد من المستوطنات، وتسرق التراث التاريخي والديني، وتسلٍب الهوية الثقافية، ولا تتورع عن القتل والاعتقال اليومي لأبناء الشعب الفلسطيني، وبحاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى لمن يلجم أفعالها ويدها الإجرامية الطائلة، ويقف أمام طغيانها وتمردها وهمجيتها، وهذه دعوة لكافة المؤسسات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية التي تعنى بحقوق الطفل، ومؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية لتحمل مسؤولياتها اتجاه حماية أطفال فلسطين من يد السجان الإسرائيلي الذي لا يرحم طفولتهم وعذاباتهم اليومية، ودعوة ضد الصمت على مثل هذه الأفعال الإجرامية من قبل منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف. فكفى بأطفالنا حرمانهم من الحق في الحياة والحرية، واللعب وممارسة الطفولة البريئة، والآن تحولهم لمجرمين تجب محاكمتهم؟ فمتى يُحاكم من يستحق المحاكمة، وتتحقق العدالة والحرية لطالبيها ومستحقيها؟!!؟.

http://www.miftah.org