الدستور، المجتمع والإنسان
بقلم: رمزي ريحان
2004/6/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=1141


الدستور هو المرجع القانوني الأعلى لأي دولة وهو، عبر القوانين التي تسنّ بموجبه، ينظّم نواحي الحياة المختلفة في تلك الدولة. والدولة هي التجسيد السياسي لمواطنيها الذين يشكّلون مجتمعاً معيناً. ويتكوّن المجتمع من أفراد من البشر تربطهم علاقات متعددة. وأحد المداخل الممكنة للنظر إلى الدستور هي البدء بدراسة الصفات المعنية للإنسان الفرد واستخلاص سمات المجتمع ذات العلاقة بالموضوع والارتكاز عليها للتوصل إلى بعض الاستنتاجات حول الدستور.

إن تعريفات الإنسان عديدة لا حصر لها، فهو حيوان ناطق، مفكّر، مبتدع، يشعر بطيف لا متناهي من الأحاسيس، يبني المجموعات والمجتمعات ويتفاعل مع بيئته بشتى الطرق. قد تكون هناك مواقف تبرز فيها صفة محددة لفرد ما – كالأب بالنسبة لأطفاله والكاتب بالنسبة لمتذوقيه، الخ - إلا أنه لا يمكن أبداً حصر أي إنسان بصفة واحدة فقط، بل أن هذا الحصر هو إنكار لإنسانية ذلك الإنسان. فكل فرد هو كيان متعدد الأبعاد. بعض هذه الأبعاد يمكن قياسها كميّا كالعمر والجنس والثراء. (كان الذكاء يقاس كميّاً، إلا أن علماء النفس توصلوا بعد جهد جهيد إلى الاستنتاج البديهي أن الذكاء نفسه متعدد الأبعاد، فهناك ذكاء لغوي، وكمّي، واجتماعي، الخ). لكن العديد غير المعدود غير قابل للقياس. يمكن معرفة أغنى مئة شخص في العالم، لكن مَن هم أسعد مئة إنسان في العالم؟ أو أكثرهم رحمة؟ إن هذه التساؤلات ليس إلا مجرد دلالات على ثراء الكيان الإنساني والذي يرفض التحديد ويأبى التقزيم.

وإذا كان الفرد متعدد الأبعاد، فإن هذا الوصف ينطبق على المجتمع بشدة أقوى إذ أن المجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد غير المنفصلين عن بعضهم البعض بل تربطهم علاقات وتشابكات كثيرة تجعل الكل أكبر من مجموع الأجزاء. لذلك، لا بد من اعتبار كل مجتمع إنساني على أنه كيان متعدد الأبعاد. وتعدد الأبعاد المقصود هنا (multidimensionality) يتعدى المفهوم المعتاد للتعددية (pluralism). فالتعددية بمفهومها المعتاد تنظر إلى بُعد واحد في المجتمع وتصنّفه إلى عدة فئات حسب هذا البُعد. إن ما يتوصل إليه هذا التصنيف هو تقسيم المجتمع إلى أغلبية وأقلية، أو إلى أغلبية وعدة أقليات، أو حتى إلى مجموعة من الأقليات. وهذه عملية أحادية البُعد وسطحية غير تحليلية. إن هذه العملية جائزة – إذ تمت بنزاهة – لكنها لا تكفي إذ يجب الانتباه إلى الأبعاد الأخرى. ومن الواضح أن عدم التوازن الناتج عن التركيز على بعض الأبعاد وإهمال الأبعاد الأخرى هو خلل منهجي قد تكون له عواقب سلبية على أرض الواقع. فالتعددية هي حقيقة أساسية قبل أن تكون مبدأ سياسي.

إن هذه المقدمة الموجزة موجهة بالتحديد نحو الدستور. فكما ذكر سابقاً، هناك مواقف يبرز فيها بُعد واحد أو عدد محدود من الأبعاد. إلا أن المهمة الجسيمة الملقاة على عاتق واضع الدستور هي أن عليه أن يستوعب جميع الأبعاد وذلك على مستوى المفهوم ثم المحتوى وثم النص. ودون المغالاة في متاهات المثالية، فإن من أهم المعايير للحكم على النجاح في هذه المهمة هو عدم المبالغة في التركيز على بُعد واحد فقط.

هناك معيار آخر لصلاحية أي دستور ينبع من الصفة المستقبلية للدستور. فالدساتير توضع بنيّة ديمومتها لفترات طويلة جداً. وهذا يواجه واضع الدستور بسِمة أخرى من سمات المجتمع وهي التغير المستمر. فالمجتمع كائن حي يتطور بجوانبه المتعددة. وللدستور أساليب مختلفة للتعامل مع هذا التطور. أحياناً يلزم إلغاء الدستور واستبداله بدستور آخر – وهذا يحدث غالباً في أعقاب الحروب أو الثورات أو الانقلابات. وأحياناً يلزم تعديل الدستور – ويتّبع هذا البديل عندما يتبين أن المجتمع قد تطور أبعد مما تصوره واضع الدستور. وأحياناً تتم إعادة تفسير بعض مواد الدستور من قِبل المحاكم المخولة بذلك دون المساس بنص الدستور. والدستور الصالح هو الذي يواكب التطورات بإعادة التفسير أكثر من التعديل وبالتعديل أكثر من التبديل. وهذا يتطلب من واضع الدستور أن يترفع عن الأجواء الآنيّة والأهواء الجانبية.

من المعروف أن هناك بعض الأبعاد أو السِمات المجتمعية التي لعبت دوراً أكبر من غيرها في التنظيم السياسي للمجتمعات والدول – قبل وبعد منهجة هذا التنظيم في دساتير مكتوبة. ومن أهم هذه الأبعاد: الطبقة الاجتماعية الرسمية، الإثنية، العِرق، اللغة، الدين، والجنس. فقد كانت المشاركة السياسية تنحصر في الحكام، ومع مرور الزمن نشأت طبقة النبلاء والتي شاركت في الحكم (مع تكوينات وتعريفات مختلفة لهذه الطبقة). وتبعهم الملاكون، وبالتدريج أصبحت فرصة المشاركة في الحياة السياسية متاحة لمختلف الطبقات. وقد نتج هذا التطور عن التغير في الواقع الاقتصادي وتوزيع الثروة مما حتّم تغييرات في الفلسفات والممارسات السياسية.

إلا أن هناك تحديداً آخراً للمشاركة السياسية نشأ مؤخراً ولا يستند على الطبقة الاجتماعية، ويتجسد هذا التحديد إما باستيلاء الجيش ممثلا بقياداته على الحكم أو احتكار حزب واحد على السلطة. وقد يكون هذا التحديد ضمن نطاق الدستور – عادة بإعلان حالة طوارئ – أو خارجه، أي بإلغاء الدستور أو تجميده علناً. ويلاحظ هنا بأن معظم التيارات السياسية الفلسطينية لم تصل بعد إلى مرحلة التنظيم الحزبي الذي يرتكز على قاعدة فكرية ثابتة وعضوية محددة وبرامج عمل واضحة تمكّن الناخب من الإدلاء بصوته على أسس مدروسة. كما ينتج أيضاً عن هذا الوضع المائع غياب الوضع الواضح للأحزاب إما في الحكومة أو في المعارضة. ومع أن مشروع دستور دولة فلسطين (المسودة الثالثة المنقحة، 4 أيار 2003) تضمن حرية تكوين الأحزاب المتعددة (المادة 8)، إلا أن التطبيق الفعلي لهذا الحرية يتطلب نضوج الساحة السياسية الفلسطينية بدرجة كافية، الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.

ولا زالت الهوية الإثنية أو القبلية تسبب صراعات دامية في دول إفريقيا التي خلّفها الاستعمار بحدودها التي لم تحترم التوزيع الطبيعي للسكان. وبالرغم من التقدم الذي أحرز في مجال مكافحة التمييز العنصري، فإن جذور هذه المشكلة لا زالت موجودة. وهناك دول كثيرة تمارس التمييز ضد أقليات لغوية بين مواطنيها. وقد شهدت معظم حقب التاريخ حروباً دينية حتى في الوقت الحاضر. أما وضع المرأة فقد طرأ عليه تحسن كبير نتيجة انتشار التعليم ومشاركة النساء في قوى العمل، إلا أنه لا زال يرزح تحت ضغوط كثيرة بعضها مرتبطاً بالدين وبعضها مرتكزاً على التقاليد الاجتماعية.

من ناحية علاقة نظام الحكم بالدين، فهناك نظرياً أربع إمكانيات. الإمكانية الأولى هي خضوع نظام الحكم لدين ما، وهي حالة أصبحت نادرة منذ وقت طويل. الإمكانية الثانية هي تعايش نظام الحكم مع الدين وإفساح مجال محدد له يتفاوت من دولة إلى أخرى. وهذا هو النمط السائد في العالم ويشمل النظم العلمانية. الإمكانية الثالثة هي إهمال نظام الحكم للدين وهذه إمكانية لا تتحقق في الواقع إذ أن الدين له مكانته في جميع المجتمعات وبالتالي لا يمكن إهماله. والإمكانية الرابعة هي معاداة نظام الحكم للدين ومحاربته، وقد دلّت تجربة الاتحاد السوفيتي بعد انهياره أن هذه إمكانية سطحية تنمحي آثارها بزوال نظام الحكم.

وفي الحالة الفلسطينية فإن العلاقة المعنية هي بين مشروع دستور دولة فلسطين والدين الإسلامي. ولبحث الموضوع بشكل عينيّ، من المفيد الارتكاز على النصوص ذات العلاقة في الدستور (المسودة الثالثة المنقحة، 4 أيار 2003):

1) مادة (2) .... الشعب الفلسطيني جزء من الأمتين العربية والإسلامية .... 2) مادة (5) .... الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين. وللمسيحية ولسائر الرسالات السماوية ذات القدسية والاحترام. ويكفل الدستور للمواطنين أيا كانت عقيدتهم الدينية المساواة في الحقوق والواجبات. 3) مادة (7) مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. ولأتباع الرسالات السماوية تنظيم أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية وفقاً لشرائِعهم ومللهم الدينية في إطار القانون، وبما يحفظ وحدة الشعب الفلسطيني واستقلاله. 4) مادة (19) كل الفلسطينيين سواء أمام القانون .... دون ما فرق أو تمييز في ما بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين.... 5) مادة (20) .... تعمل الدولة على كفالة الحقوق والحريات الدينية .... وتمتعهم بها على أساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.... 6) مادة (22) للمرأة شخصيتها القانونية، وذمتها المالية المستقلة، ولها ذات الحقوق والحريات الأساسية التي للرجل وعليها ذات الواجبات. 7) مادة (23) للمرأة الحق في المساهمة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ويعمل القانون على إزالة القيود التي تمنع المرأة من المشاركة في بناء الأسرة والمجتمع. حقوق المرأة الدستورية والشرعية مصونة ويعاقب القانون على المساس بها، ويحمي حقها في الإرث الشرعي. 8) مادة (26) .... يحظر تعذيب الإنسان أو إيذاؤه بدنيا.... 9) مادة (36) حرية العقيدة مكفولة، ولكل إنسان الحق في ممارسة شعائر العبادة وفقاً لأحكام الدستور والقانون. تكفل الدولة حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة الخاضعة لسيادتها في إطار القانون. تكفل الدولة لكل أتباع الأديان السماوية حرمة أماكن العبادة المقدسة، طبقا للالتزام التاريخي للشعب الفلسطيني، والالتزامات الدولية لدولة فلسطين.

هناك ملاحظات عديدة تثيرها هذه النصوص. في البداية هناك ملاحظة جانبية لكن لها أهميتها من الناحية المبدئية. تذكر النصوص تعبير الأديان "السماوية" أو الرسالات "السماوية" والمقصود بها عادة اليهودية والمسيحية والإسلام. وهذا التعبير يستثنى دينات الشرق الأقصى (الهندوسية، البوذية، الكنفوشية، التاوية) والتي لها فلسفات عميقة وتقاليد عريقة ويتبعها نصف سكان العالم. وهذا تمييز ديني ابتدعه الغرب ولا لزوم للانجرار ورائه. كما يلاحظ استعمال كلمتي ديانات ورسالات بصورة عشوائية دونما سبب لهذا الخلط في السياق. وهذا مؤشر على أن صياغة الدستور لا زالت بحاجة إلى مراجعة دقيقة وضبط محكم إذ أن النصوص الدستورية لا تتحمل مثل هذا الخلط.

تثير المادة (5) تساؤلاً عن معنى الدين الرسمي خاصة مع اعتبار الديانات الأخرى بذات القدسية والاحترام. لا ينكر أحد أن غالبية الفلسطينيين مسلمون وأنه يمكن وصف المجتمع الفلسطيني في هذا المجال بأنه مجتمع إسلامي – دون إهمال الأوصاف الأخرى لهذا المجتمع في مجالات أخرى. وقد أقرت بهذا الواقع المادة (2) بكل وضوح مما يجعل الغرض من المادة (5) مبهماً.

أما المادة (7) فهي تقع في صلب الموضوع من الناحية التنفيذية ولذلك تحتاج إلى معالجة دقيقة. تنص المادة على "مبادئ" الشريعة الإسلامية، فما هو الحد الفاصل بين المبادئ والتطبيق؟ هناك تناقض منطقي في الربط بين كلمة مبادئ – وهي القاعدة الفكرية العامة لأي نظام – وكلمة الشريعة – وهي التطبيقات العينية المحددة للنظام. وقد يستدل من هذا الزواج القسري بين العام والمحدد أن المشرّع قد تهرب من معالجة موضوع أساسي باختيار صيغة تبدو توفيقية لكنها في واقع الأمر تفرّق بدلاً من أن توفّق إذ أنها تحمل في نصهما وفي جوهرها تعارضات لا مهرب منها.

كذلك، فإن جميع النظم تدّعي – حقاً أو باطلاً – بأنها مبنية على مبادئ العدالة والمساواة والرحمة والحرية والحقوق، الخ. كما تستعمل المادة تعبير مصدر "رئيسي" دون توضيح المقصود بذلك ودون ذكر المصادر الأخرى للتشريع مما يوحي بإعطاء مبادئ الشريعة الإسلامية مركزاً مميزاً بين مصادر التشريع مما يسمح بإعطاء النص مفعول "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". إلا أن النص يتحمل أيضاً تفسيراً أكثر مرونة. وفي المقابل، فإن الدستور يذكر التزام دولة فلسطين بميثاق الأمم المتحدة (مادة 3) وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (مادة 18)، وباتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (مادة 24).

ويستثني النص الأحوال الشخصية والشؤون الدينية لغير المسلمين من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يوحي بأن هاذين المجالين هما الوحيدان الذين يسري عليهما هذا الاستثناء، لكن النص يتحمل أيضاً تفسيراً أكثر مرونة. يتبين من هذا العرض السريع أن المادة (7) المحورية تثير تساؤلات جذرية عن النص وعن قصد المشرّع وأنها – بصيغتها الحالية – ستكون مصدر إشكالات لا متناهية.

وهناك مشكلة من نوع آخر تتعلق بالتناقضات الممكنة بين المادتين (5) و (7) ومواد أخرى. تنص المادة (19) على المساواة دون فرق بسبب الدين، لكن أليس هناك فرقاً – ولو فقط على المستوى التعريفي – بين أتباع الدين الرسمي والديانات الأخرى – بغضّ النظر عن مدى التزام الأفراد بدينهم؟ وتنص المادة (22) على أن للمرأة ذات الحقوق التي للرجل بينما تنص المادة (23) على حق المرأة في الإرث الشرعي وهو ليس نفس حق الرجل، هذا مع العلم بأن نسبة التحاق الإناث الفلسطينيات بالتعليم على كافة مراحله أصبحت تقارب نسبة التحاق الذكور ولا زالت بارتفاع مستمر، مما يؤدي إلى الاستنتاج أن المشاركة الاقتصادية للنساء ستعادل مشاركة الرجال خلال جيل واحد على الأكثر. كما تنص المادة (26) عل حظر التعذيب والإيذاء، فهل يشمل هذا حظر الجَلد وقَطع الأيدي؟

لا بد من الإشارة إلى أن الدستور لا يضع شروطاً دينية على تقلد أي من المناصب والوظائف في الدولة. لكنه يفسح المجال لقوانين تنظم الانتخابات وغيرها من المواضيع المرتبطة بها. ويمكن لهذه القوانين أن تضع شروطاً دينية كما حصل بالفعل بانتخابات المجلس التشريعي الأول وذلك عن طريق تحديد مقاعد طائفية. كان الغرض المعلن لهذه المقاعد هو تأمين حد أدنى من المقاعد للأقليات الدينية، لكن يجوز التساؤل عما إذا كان هذا أفضل سبيل لضمان التعددية.

ويشير الدستور أيضاً إلى حق التعليم دون التطرق إلى الدين، لكنه ينص في المادة (42) على أن القانون ينظّم طرق إشراف الدولة على أداء التعليم ومناهجه. ومن المفيد تفحص ما قد تم في هذا المجال مع أنه سابق للدستور إلا أنه له دلالات عن كيفية سير الأمور في المستقبل. فقد قامت وزارة التربية والتعليم بتحضير "خطة المنهاج الفلسطيني الأول" وقدمتها إلى لجنة التربية والتعليم والقضايا الاجتماعية في المجلس التشريعي والتي ناقشت الخطة مطولاً في بداية سنة 1998، وأقرها المجلس التشريعي بتاريخ 31/3/1998. ويستنتج من قراءة متمعنة لهذه الخطة بأنها لا تتعارض مع مسودة الدستور، وبالتالي لا يوجد مانع قانوني من الاستمرار بالعمل بها بعد صدوره.

تستحق الخطة تفحصاً من وجهة نظر علاقة نظام الحكم بالدين. تضع الخطة ثلاثة أسس عامة للمناهج هي التراث، الدين الإسلامي، والقيم. ثم يأتي تفصيل الأسس كما يلي:

أ‌) الأسس الفكرية والوطنية: أولاً: تعزيز الإيمان بالله..... ثانياً: تعزيز الثقافة الإسلامية .... ..... ب‌) الأساس الاجتماعي: أولا: التمسك بالقيم الاجتماعية والدينية .... .... ج‌) الأساس المعرفي: يرتكز هذا الأساس على تكوين المواطن الذي: أولاً: يتبنى في جوهره وسلوكه، جوهر العقيدة الإسلامية. ... د‌) الأساس النفسي: ....يتمثل هذا الأساس في تشكيل سِمات المتعلم: أولاً: المعتز بهويته الوطنية، وعروبته وإسلامه، والملتزم بها. ... وتتابع الخطة في عرض مبادئ السياسة التربوية للمناهج: تتفق مبادئ السياسة التربوية للمناهج مع السياسة التربوية لوزارة التربية والتعليم، التي تتمثل بالآتي: أولاً: استلهام القيم من التراث العربي والإسلامي والإنساني وتأكيدها. ....

يجب التنويه إلى أن خطة المناهج تذكر أبعاداً وأسساً عديدة تشكل بمجموعها قاعدة تربوية واسعة وشاملة. لكن تلاحظ الأولوية التي تعطى للبعد الديني وبالتحديد الإسلامي. ولهذا الموضوع أهمية بالغة لأن التربية هي عماد تكوين مستقبل المجتمع. كما أن الوضع في مجال التربية قد يكون مؤشراً على أوضاع شبيهة في مجالات أخرى.

يثير هذا المثال موضوعاً آخراً وهو تعدد وتشابك مستويات تنظيم المجتمع في دولة ما. ومع بعض التبسيط، يمكن تحديد أربعة مستويات:

1- مستوى الدستور، 2- مستوى القوانين والتشريعات، 3- مستوى القرارات الرسمية والممارسة الفعلية لتطبيق الدستور والقوانين والتشريعات، 4- مستوى الممارسة الاجتماعية من أعراف وتقاليد وتغيّرات. فالدستور، بحد ذاته، مبتور الفعّالية ولا يمكن فهم مدلولاته واستقراء عواقبه إلا ضمن السياق الاجتماعي والتاريخي لتطبيقه. وعلى السياق الاجتماعي أن يكون شاملاً، كما على السياق التاريخي ألاّ ينظر إلى الماضي فقط بل يتطلع أيضاً إلى المستقبل. وهذا يتطلب من واضع الدستور أن يتّسم بأفق أوسع من التعريفات والمحاور والتحديدات الشائعة. وقد ينطبق هنا قول آينشتاين: "لا يمكن حل مشكلة تنشأ ضمن ذهنية معينة من خلال تلك الذهنية".

يمكن الإجمال ببعض التساؤلات: أولاً: هل مسودة الدستور صالحة بصيغتها الحالية؟ تبين مما ورد سابقاً أن نصوص الدستور تحمل في طياتها تناقضات أساسية يجب دراستها بتعمق ومعالجتها. ثانياً: هل يتّسم الدستور بالتوازن بين التحديد والمرونة مما يجعله قاعدة مقبولة لسَنّ القوانين والتشريعات؟ هنا يظهر التحديد – خاصة في المادتين (5) و (7) – الذي لا يترك مجالاً كافياً للمرونة. وكما تبين من مثال خطة المناهج، فإن التشريعات قد تزيد من التحديد. ثالثاً: هل تتطلع الركائز المبدئية للدستور إلى خلق مجتمع المستقبل أو تهادن مجتمع الماضي وترضخ لمجتمع الحاضر؟ إن الركائز المبدئية هي بطبيعتها ضمنية ولا تظهر صراحة في النص. إلا أن استقراء النص يوحي بأن هذا الموضوع لم ينل الانتباه الكافي من واضعي الدستور.

لا شك بأن واضعي الدستور قد عانوا من ضغوط مختلفة بما فيها ضغط الزمن. إن محاولة صياغة دستور في مرحلة تقلّب وترقّب سياسية هي مهمة صعبة للغاية. وإن لم ينفرد الفلسطينيون بوضع كهذا، فإن الحالة الفلسطينية تنفرد في الصراع الوجودي والذي يجعل المهمة أكثر تعقيداً وفي الوقت نفسه أكثر إلحاحاً. وتستحق هذه المهمة الجليلة جدية وتعمقاً أكثر بكثير مما حصلت عليه حتى الآن. إن النقاش العام حول هذا الموضوع هو أولوية وطنية، لكن من المهم جداً ألاّ يتم التسرع في إقرار الدستور قبل أن يستوفي النقاش حقه ويؤدي فوائده.

http://www.miftah.org