حكومة تركيا نحو مزيد من الانفتاح على العرب

'تي آر تي التركية'، فضائية باللغة العربية
بقلم: جهاد بركات لمفتاح
2010/4/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11471

لم يعد جديداً علينا أن نسمع عن إطلاق قناة فضائية باللغة العربية لدولة غير عربية، فقد كانت الحرة الأمريكية والتي أُطلقت إبان الحرب على العراق، وقناة روسيا اليوم، والصين العربية، و 24 الفرنسية التي تنطق جزئياً بالعربية، وDW الألمانية على شاكلة الفرنسية، وحتى أن هناك قناة كورية، هذا فضلاً عن العالم الإيرانية، وكل ذلك يدل على أهمية المنطقة اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً.

الحراك الجديد يجيء هذه المرة من الجارة تركيا، افتتاح لقناة باللغة العربية تحت إشراف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، "تي آر تي التركية"، تأتي هذه الخطوة متأخرة كما أعتقد وكما يعتقد أيضاً مدير القناة ذاتها، ولكن كما نعلم فإن تركيا كانت بعيدة بوجهها عن منطقتها الاستراتيجية –الشرق الأوسط وخصوصاً المنطقة العربية- وها قد أتى الوقت لتغيير الحسابات وإعادة ترتيب الأولويات، فأردوغان قال في حفل افتتاح القناة: "على الرغم من أن وجهنا كان موجهاً نحو الغرب وأوروبا إلا أننا لم ندر ظهرنا يوما للشرق"، "الشمس تشرق من الشرق" أحد شعارات القناة التي تخاطب العرب لتعريفهم بالثقافة التركية ولتوطيد العلاقة بين العرب والأتراك كما يقول الأتراك، قد يقول قائل إن ما تفعله تركيا ليس تعاطفاً مع العرب ولا مع فلسطين بل هي المصالح، ولم لا؟ إن كان لتركيا مصالح مع العرب فيجب على العرب أن يجذبوا الأتراك إليهم، بدلاً من اقتصار المستفيد من المنطقة على أوروبا وأمريكا وحدهما، على الأقل فالثقافة متقاربة والمصالح أيضاً.

أردوغان كان ذكياً بخطابه، فقد قال: "كونوا على ثقة أن مصير اسطنبول ليس منفصلاً عن مصير القدس وغزة"، "إننا نتألم من قلوبنا إذا تألم أو جاع شخص في المنطقة" واستخدم تعابير عربية لمخاطبة العرب: فرحب بقوله "أرحب بكم في اسطنبول"،"أنتم العرب تقولون الجار قبل الدار"، "أنتم تقولون (مرحباً)،(السلام عليكم)، (صباح الخير) ونحن نقول (مرحباً) (السلام عليكم) (خير صباح)". ونهج حكومة أردوغان كان من الذكاء بمكان بانفتاحها على العرب وقضاياهم، ما دفع العرب وأجبرهم على التطلع إلى هذه الدولة التي يمكن أن تكون حليفاً قوياً، ولكن الذكاء أيضاً جاء في أول برنامج بثته القناة، وهو لقاء خاص مع أردوغان واجهه شخصيتان عربيتان هما جهاد الخازن رئيس تحرير الحياة اللندنية، والمفكر فهمي هويدي، وكانا يسألانه عن شؤون تركيا الداخلية، وعن مواقفها تجاه العرب وقضايهم، وكأن لسان حالهم يقول، نحن الأتراك نريد أن نسمع منكم عنكم، ونريد أن تسمعوا منا عنا لا من غيرنا.

آمل أن يتطلع العرب حقاً إلى هذه الجارة القوية سياسياً واقتصادياً، وأن يستفيدوا من تجربتهم المميزة وأن تلقى دعوة عمرو موسى بتأسيس ملتقى لدول الجوار آذاناً صاغية، ولعل دولاً عربية أدركت هذا الأمر، فسوريا توقع اتفاقات حقيقية، وقطر تنفتح على تركيا وقد رأينا أن أبرز الحاضرين في افتتاح هذه القناة ولي العهد القطري، ومصر تربطها بها علاقات مميزة، ما شكل تواصلاً مع الحكومات العربية، بالإضافة لكون تركيا الدولة الأولى التي تحظى بتعاطف شعبي عربي، وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني، إثر موقف رجب طيب أردوغان الإيجابي والمناصر للقضية الفلسطينية في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة في نهاية عام 2008، الأمر الذي أحيا الروابط التي تجمعنا مع الأتراك، والتي كادت أن تكون منتهية بانتهاء حكم الدولة العثمانية في الدول العربية، وهي الآن لم تعد مُقتصرة على الصناعات والملابس والمسلسلات التركية والتي كان آخرها مسلسلات تحاكي الواقع الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، بل تجاوزتها للدين والثقافة والمصالح الإقليمية، في حين كانت اللغة حاجزاً، لذا ومع افتتاح هذه القناة لم تعد كذلك بعد الآن.

في المقابل فإن افتتاح هذه القناة باللغة العربية بقدر ما هو وسيلة للتقارب مع العرب، فهو قد يُضاف إلى سلسة التجاذبات بين الحكومة الإسرائيلية والتركية، والتي كانت متواصلة منذ العدوان الإسرائيلي على غزة وخاصة على المستوى السياسي والدبلوماسية كان أخرها وليس آخرها اعتراض دولة الاحتلال على المسلسلات التركية التي تفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، والتي زادت من حدة الأزمة بين الجانبين.

انفتاح الأتراك في عهد حكومة العدالة والتنمية لم يقتصر على العرب بل امتد إلى الأكراد والأرمن من خلال قناة باللغة الكردية واتفاقات مع أرمينيا كادت أن تصلح الأوضاع بينهما لولا التدخلات الأمريكية، وها هم يريدون مواصلة المشوار بقنوات روسية وفارسية، كما قلت تجربة تستحق الاهتمام للاستفادة والتعاون.

http://www.miftah.org