هل تٌبنى المستوطنات بأيدينا؟
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/4/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11499

تستمر ومنذ فترة الحملة التي بدأتها الحكومة لمقاطعة منتجات المستوطنات وتنظيف السوق الفلسطينية منها، والتي لاقت اهتماماً كبيراً في الشارع الفلسطيني بل والتزاماً ومتابعة من القائمين عليها كان آخرها ضبط وزارة الاقتصاد الوطني بالتعاون مع وزارة الزراعة 11 طناً من بطيخ المستوطنات في سوق الخليل من أجل إتلافها، ورغم أنها ليست المحاولة الأولى لمقاطعة البضائع الإسرائيلية بشكل عام، إلا أنها قد تكون المرة الأولى التي تنطلق برعاية حكومية ولمحاربة منتجات المستوطنات كنقطة بداية للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي –كما نأمل- ما شكل وازعاً لدى الكثيرين لدى المواطنين وعزوفهم عن شراء بضائع المستوطنات.

إلا أن كل ذلك وعلى أهميته ليس موضوع هذا المقال، فقد تطرقت للحديث عن هذا الموضوع سابقاً، لكن موضوع المقال مرتبط فيه بشكل أو بآخر فيه كما هي حال كل الأمور في حياتنا المتداخلة. فمن المفارقة أن ترى هذه المبادرة النور في ظل استمرار عمل الفلسطينيين في بناء المستوطنات منذ سنين طويلة دون الالتفاف إلى هذه الكارثة وتضخماتها وتراكماتها والتي لم تحظ بأي اهتمام بل لم يحرك أحداً ساكناً اتجاهها للتخلص من هذا القيد الذي يطبق على أنفاسنا ويجثم على صدورنا.

إننا نتحدث عن آلاف العمال الفلسطينيين الذين يخرجون منذ ساعات الفجر، ويخاطرون بحياتهم مقابل أن يحظوا بفرصة للعمل داخل إسرائيل لتأمين لقمة العيش ومعظمهم يدخلون تسلل وبدون تصاريح، بل ويتعرضون لكل أشكال الإذلال والاستغلال والاحتيال من قبل الإسرائيليين، ويقاسون أشد الظروف المعيشية صعوبة بعيداً عن أبنائهم وعائلاتهم، بل ومنهم كثيرون ممن يدفعون أرواحهم ثمناً لذلك.

ورغم تراجع هذا العدد إبان السنوات الأولى لانتفاضة الأقصى، الأمر الذي انعكس على أُسر هؤلاء العمال الذين لم يجدوا ملاذاً آخر لتوفير لقمة العيش آنذاك بل تحولت البحبوحة المزيفة التي كانوا يعيشون فيها بسبب الاحتلال إلى فقر ومعاناة يومية، فهم نشأوا وتربوا على العمل داخل إسرائيل كذلك وجدوا آباءهم يفعلون، إلا أن الأمور ألان بدأت تعود شيئاً فشيئاً، ورغم حالة الجمود السياسي التي تشهدها العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وتعثر العملية السلمية وتوقف المفاوضات والشرط الأساسي للقيادة الفلسطينية لكسر كل ذلك هو وقف الاستيطان، الذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية وتستمر في ابتلاع مزيد من الأراضي وبناء المستوطنات، إلا أن المضحك المبكي في ذلك هو أننا شعب نبني بسواعدنا بيوت المستوطنين على الأرض التي اغتصبوها منا زوراً وبهتاناً، بينما تطالب قيادتنا بوقف الاستيطان، تناقض فريد من نوعه من شعب لديه من الغرابة أشكالا ً وألواناً.

بل والأشد إيلاماً أن تسمع العمال الفلسطينيون يقولون "لا لوقف الاستيطان وخلونا ناكل عيش، فلو توقفنا عن العمل ألان سيموت أبناءنا من الجوع كما حصل في الانتفاضة ولن يتطلع إلينا أحد". لكن السؤال كيف لأحد أن يحب هذه الأرض، ويبني بساعده بيت عدوه وعلى أرضه، لاشك أنه عمل يتنافى مع المنطق والعقل ولا تقبله أخلاق أو دين أوطنية، وسواء أكان ذلك العمل في البناء أو في أي مجال آخر، فمن المعروف أن الاقتصاد الفلسطيني تابع بشكل مطلق للاقتصاد الإسرائيلي، حيث تستوعب السوق الإسرائيلية عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين، الذين تدفعهم الحاجة والعوز للعمل هناك.

وقد قال تقرير لبنك إسرائيل المركزي، صدر مطلع الشهر الجاري، إنه خلال العام الماضي 2009، عمل في مناطق 1948، ومستوطنات الضفة الغربية المحتلة 74 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلا أن هؤلاء العمال الذين بغالبيتهم يعملون بتصاريح عمل، يعملون بظروف قاسية وبمستوى رواتب متدن جدا، وأقل بكثير من الحد الأدنى للأجر في سوق العمل الإسرائيلي.

وقد يشكك البعض في وطنيتهم وربما يُتهمون بالتقصير في بحث عن عمل آخر أو القبول بعمل في الضفة وإن كان بمقابل أقل، وقد يرد آخر أنها ليست مسؤوليتهم وحدهم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالوطنية والانتماء لا يغنيان ولا يسمنان من جوع، فأين المسؤولون من هؤلاء؟! أين هم من خططهم الخمسية والعشرية، واستيراتيجاتهم الاقتصادية، هل فكروا يوماً في إيجاد بدائل لهم عن عملهم في المستوطنات وداخل إسرائيل؟ هل أوجدوا مشاريع استثمارية لتشغيل الأيدي العاملة؟ ألا يشكل عمل هذا دعماً لاقتصاد دولة الاحتلال أيضاً ، تماماً كما هو شراء منتجات المستوطنات والمنتجات الإسرائيلية بشكل عام؟، ألم يحن الوقت لفك الارتباط –ولو اقتصادياً- مع دولة الاحتلال، قبل أن يتحول شعبنا إلى أيدي عاملة لدى الإسرائيليين، الذين يقبضون أيديهم على أرزاقنا ويستنزفوننا بسببها، فنصبح أسيري لقمة العيش لديهم؟، وهذا هو المخطط الذي ترمي إلية إسرائيل، كما هي أسواقنا مرتع لبضائعهم ومنتجاتهم، ونحن لا نقلل من صعوبة هكذا قرار ومتطلباته وتوابعه، لكن المحاولة مطلوبة وإن باءت بالفشل فتكرارها مطلوب.

http://www.miftah.org