أطفالنا... ضحية الاحتلال وإعلامنا معاً!!
بقلم: آلاء كراجة لمفتاح
2010/8/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11847

لم يكن الطفل خالد فضل الجعبري ابن الأربع أعوام وهو يصرخ مستنجداً لتخليص والده من بين جنود الاحتلال، أول طفل فلسطيني يعيش هذه اللحظات، وإن كان من القلائل الذين التقطتهم عدسات الكاميرا، بل هو من بين آلاف الأطفال الذين شهدوا تعذيب أبائهم واقتيادهم للسجون، بل وحتى قتلهم وإعدامهم بدم بارد أمام أعينهم، في صورة لن تزول أبداً من ذاكرتهم ومخيلتهم، بل ولن تزول آثارها وتبعاتها على مر السنين.

ومن المعروف أن الأب هو من يحمي ابنه وهو في نظره رمز القوة والحماية، لكن في فلسطين ليس غريباً أن تشاهد طفلاً يحاول حماية واسترجاع أبيه، كما كان خالد يصرخ مدافعاً عن أبيه، والدموع تملأ عينيه "بدي بابا..رجعولي بابا"، بعد أن قامت مجموعة من الجنود بمصادرة شبكة الري في منطقة البقعة وقامت بتخريب الأراضي الزراعية بالقرب من مستوطنة "كريات أربع"، فحاول الأهالي منعهم، فرد الجنود بقسوة السلاح، والهراوات، واعتقلوا فضل الجعبري.

وأوضح المشهد قسوة قلوب الجنود الذين كانوا يدفعون الطفل خالد و يسحبون يديه اللتين كانتا تمسكان بشدة في قميص والده، فيما أشار أحد أفراد عائلته أن خالد لم ينم منذ تلك الليلة، وأنه كلما رأى آلية عسكرية إسرائيلية يوقفها ويطالب الجنود بان "أعيدوا أبي" ".

ومازالت صور الأطفال الذين طالتهم آلة الحرب والإجرام الإسرائيلية التي لم تستثنيهم في أي مواجهة، بل ولم تكترث لوجودهم، عالقة في أذهاننا جميعاً، ولن نستطع أبداً إلغاءها من ذاكرتنا، فمن منا تسنى له نسيان مشهد إعدام الطفل محمد الدرة وهو بين يدي والده في انطلاق الانتفاضة الثانية، ومن منا نسي الطفلة هدى غالية وهي تصرخ بعد أن تحولت رحلتها مع عائلتها إلى شاطئ غزة إلى أسوء كابوس انتهى بمقتل كل أفراد عائلتها، وغيرهم من الأطفال المضرجين بدمائهم الذين طالتهم أيد الإجرام الإسرائيلية.

بل والأطفال الفلسطينيون الذين كانوا أكثر حظاً، لم يسلم هم الآخرون من مراسم العنصرية والعدوان التي تمارسها دولة الاحتلال، فمازالت تغص بهم السجون، وتمتلئ بهم غرف التحقيق والتعذيب، بل وتضيف إلى كل ذلك لوناً جديداً من ألوان العذاب والإرهاب للأطفال القصر المرفوع عنهم القلم، حيث تقتادهم إلى قاعات المحاكم وكأنهم مجرمي حرب، فقبل ما يقارب الأربعة أشهر اعتقلت قوات الاحتلال الطفل الحسن (12.5 سنة) وشقيقه الأمير (7 سنوات) أثناء تواجدهما في شارع الشلالة وسط مدينة الخليل بحجة رشق الحجارة، وبلا أدنى خجل أو وجل حولت الحسن إلى معتقل عوفر، ومن ثم قرر قاضي إسرائيلي تمديد اعتقاله تمهيداً لمحاكمته، في تحد صارخ لكل الأعراف والقوانين والنصوص الدولية والإنسانية التي تحمي الأطفال في مناطق النزاع، وهي دلالة واضحة على همجية الاحتلال وعنصريته، وزيف ديمقراطيته التي يدعيها، ولم يكن العدوان على غزة إلا مثالاً حياً أماط اللثام عن وجه الاحتلال الحقيقي الذي يبني مجده على دماء الأبرياء والأطفال والنساء الذين شكلوا غالبية الضحايا في العدوان.

سياسة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن اعتقال الأطفال وضربهم والتنكيل بهم من أجل كسر إرادتهم ونزع روحهم الوطنية وزعزعة الانتماء لديهم، ليست بجديدة علينا، فقوات الاحتلال قتلت حوالي 1328 طفل في الضفة وغزة خلال سنوات الانتفاضة الثانية حسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، واعتقلت الآلاف منهم، حيث يعيشون في السجون في ظروف نفسية قاسية.

لكن القضية الأكثر أهمية، بعد كل هذه المشاهد العدوانية تجاه الأطفال، والتي رُصد بعض منها بعدسات الكاميرات، هو مهمة الإعلام العربي والفلسطيني في فضح مرتكبي هذه الجرائم تجاه الأبرياء ممن ليس لهم حولاً ولا قوة، فلماذا لا يُسخر الإعلام العربي طاقاته من أجل الترويج لعدالة القضية الفلسطينية ومعاناة أبنائها، والتساؤل الذي لطالما طُرح عند ظهور مثل هذه المشاهد، ماذا لو كان هذا الطفل طفلاً إسرائيليا فكيف سيروج الإعلام الإسرائيلي هذه الصورة، وينشرها للعالم أجمع، ليقول أنظروا إلى أطفال إسرائيل وإلى ما يٌفعل بهم من قبل العرب البربر المجرمين.

بل والحقيقة إن الإعلام الإسرائيلي لم يكن يوماً بحاجة لذلك، فهو لا يتوانى عن تزوير الحقائق وتزييفها كما هي عادته دائماً عملاً بالمثل القائل: "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، فهو الذي ألبس الطاقية اليهودية لمحمد الدرة ووالده وحولهما إلى إسرائيليين، في خدعة تقنية خبيثة، لتحويل الأبرياء إلى قتلة، والمجرمين إلى قديسين، كما استخدم مطلع العام الحالي صورة لطفلة غزية تبكي أقرباءها الخمسة الذين قتلوا بأيدي الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة مطلع العام الماضي، على أساس أنها فتاة إسرائيلية، تريد إسرائيل أن تستجدي بدموعها وذعرها قلوب العالم من أجل مساعدة أطفال إسرائيل وانتشالهم من الفقر والجوع، حيث وزعت صورتها على غلاف مطبوعات "جمعية الإغاثة الإسرائيلية للتبرع للفقراء" تحت عنوان: "أطعموا أطفال إسرائيل المشردين والجياع".

والإعلام الإسرائيلي يعرف تماماً كيف يستخدم أفضل وأسرع وأنجع وسيلة لتحقيق أهدافه ومآربه، وهي الإعلام والرأي العام العالمي، فيما نحن وللأسف الشديد لا ندرك أهمية الإعلام كوسيلة لإيصال رسالتنا وقضيتنا العادلة، بل ولسنا ملمين بمثالب وخفايا المعركة الإعلامية والتي تخوضها إسرائيل وحدها تجاهنا، فنتحول في نظر العالم إلى مجرمين وقتلة، في معادلة مقلوبة لتحويل الجلاد إلى ضحية والعكس، وهذا ما تسعى إسرائيل لترسيخه، في سعيها لإبعادنا عن طريق نيل حقوقنا.

إن هذا الضعف في أهداف الرسالة الإعلامية العربية والتي تأتي وسط مئات الفضائيات العربية التي لا تغني ولا تسمن من جوع فجل همها الغناء أو التسلية أو نقل المباريات إنما يثير غصة عميقة في النفس، والأمر في الواقع ليس متروكاً لهذه الفضائيات فحسب بل لوسائل الإعلام الموجهة للغرب والتي تخاطب وتؤثر في الرأي العام العالمي، وهذا ما نحتاجه.

فلماذا تمتلئ ذاكرة أطفال فلسطين بمشاهد العنف والمعاناة والتشرد، بدلاً من ذكريات الطفولة واللعب والرحلات المدرسية، وإلى متى نقف عاجزين عن فعل أي شيء لرفع الظلم وتحقيق العدالة، وحتى إن كانت بالأساليب والطرق المشروعة كالإعلام، وهاهم أطفالنا ليسوا ضحية احتلال ظالم فحسب بل ضحية إعلام متكاسل ومتقاعص عن مهماته ومسؤولياته.

http://www.miftah.org