في الصيف الأشد حرارة...

شح المياه ..ما بين قلة المصادر وسيطرة الاحتلال
بقلم: شروق جرادات لمفتاح
2010/8/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11870

في كل صيف يتجدد موعد الفلسطينيين مع مسلسل انقطاع المياه الذي يستمر لأيام أو حتى لأسابيع أو أكثر في بعض المناطق، ومع استمرار موجة الحر التي لم يُشهد لها مثيل هذا الصيف، تزداد معاناة الشعب الفلسطيني مع تزايد عطشهم واستهلاكهم للطاقة من أجل التبريد، حيث تعتبر هذه الفترة من أصعب الفترات، فمعظم محافظات الضفة وقطاع غزة لا تعاني من قلة المياه فحسب وإنما أيضاً من رداءتها وعدم نظافتها.

ولاشك أن سيطرة الاحتلال على معظم مصادر المياه الفلسطينية، يشكل عائقاً أساسياً يُضاف إلى قلة تلك المصادر والتي لا تقبل القسمة بشكل أو بآخر على اثنين (الفلسطينيون والإسرائيليون) رغم أنها بالأساس ليست قسمة عادلة، حيث أن الاحتلال يسيطر على جميع مصادر المياه ويقوم بمنع الشعب الفلسطيني من الحصول عليها أو استخدامها باعتبارها مسألة إستراتيجية مهمة، فهو يدرك تماماً أن الحرب القادمة حرب مياه، ويسعى ما استطاع للسيطرة على كل ما تصله يداه من مصادر متاحة، فمثلا منع الحصول على مياه نهر الأردن منذ عام 1976 والتي كانت ستوفر المياه للعديد من المحافظات، وقام بتجفيف بحيرة الحولة، والآن تواجه بحيرة طبريا خطر الجفاف مثلما يواجهه البحر الميت، حيث أشارت مصادر إعلامية اليوم إلى انخفاض منسوب مياه بحيرة طبريا الشهر الماضي بـ26 سم، بسبب استمرار تأثر المنطقة بموجة الحر التي أدت لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، ومع هذا الانخفاض فإن بحيرة طبريا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة انخفضت 60 سم، وأن منسوب مياه البحيرة سينخفض 60 سم إضافية وهذا ما يشكل قلقاً شديداً خاصة أن الشتاء الماضي حمل قليلاً من التفاؤل لدى سلطة المياه الإسرائيلية بعد أن ارتفع منسوب مياه البحيرة بـ 171 سم، حيث شكل هذا الارتفاع مع نهاية فصل الشتاء إمكانية لتجاوز التراجع الذي شهدته البحيرة خلال السنوات الماضية، ولكن درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها الشهور الثلاثة الأخيرة أعادت إلى الأذهان الخطر الذي يتهدد بحيرة طبريا.

وأضافت المصادر أن منسوب المياه الجوفية تأثر أيضاً خلال هذا الصيف، بحيث انخفضت في معظم المناطق في إسرائيل وذلك وفقا لسلطة المياه الإسرائيلية، وهذا طبعاً يمسنا بصورة أو بأخرى، لأن السلطات الإسرائيلية ستعوض النقض لديها باللجوء إلى مصادرنا المائية، وهي أصلاً تسيطر على 08% من موارد المياه في الضفة.

ولا ننسى نصيب المستوطنات من المياه، فهناك العديد من المستوطنات التي تقوم بالسيطرة على خطوط المياه. وقد أثبتت الدراسات أن حصة المستوطنين من المياه والتي لا تٌقتصر على الاستهلاك اليومي فحسب بل تشمل برك السباحة وغسيل السيارات وغيرها، هي أربع أضعافها من حصة الفلسطينيين الذين يفتقدون الماء في ممارسات حياتهم الأساسية مما يسبب أزمة حقيقية في المياه وتوزيع غير عادل على الإطلاق، ويُضاف إلى ذلك إعطاء شركة ميكروت الإسرائيلية الأولوية للمستوطنات المشتركة مع بعض المجمعات الفلسطينية بنفس نظام الضخ، فتضخ للمستوطنات في أوقات النهار وفي نهايات الأسبوع ويبقى الفلسطينيون بلا مياه في هذه الفترات، ويعاني سكان المنطقة "ج" وخاصة العائلات البدوية في قرية رأس العوجا بالقرب من أريحا، من صعوبة حصولهم على المياه حيث أن هذه المنطقة مسؤولة عنها إسرائيل لكنها أوكلت مسؤولية توفير المياه لسكان هذه المناطق للسلطة الفلسطينية، إلا أن السلطة أفادت أنها غير قادرة على توفير المياه لهم بسبب شحها وانقطاعها.

أما المسألة الثانية فهي نوعية وجودة المياه التي تصل للمحافظات وخاصة المخيمات، فمعظم هذه المياه غير نظيفة وغير صحية وتسبب العديد من الأمراض، فالمياه الصالحة للشرب في المخيمات تختلط بالمياه العادمة مما يحرم أهل المخيمات من استخدام هذه المياه، وإذا ما تحدثنا عن هذه المشكلة في قطاع غزة "فحدث ولا حرج" حيث يعاني معظم السكان والبالغ عددهم 1.5 مليون نسمة من استخدام مياه غير صالحة للشرب، إما بسبب تلوثها بالمياه العادمة أو مخلفات الفسفور من الحرب الأخيرة أو غيرها من الملوثات.

ويساهم الشعب نفسه بزيادة أزمة المياه في المحافظات، حيث يمتنع العديد من السكان عن دفع فواتير المياه لشركة المياه التي تحتاج لشراء المزيد من المعدات والآليات التي تسمح بزيادة عدد الآبار الجوفية التي تزود معظم السكان أو لاستخدامها في تنقية المياه وجعلها صالحة أكثر للشرب، كما يقوم العديد من المواطنين بالتعدي على خطوط المياه وسرقتها مما يؤدي الى حرمان عدد آخر من السكان من المياه. بالإضافة الى وجود مشكلة في المسؤولية الفردية وانعدام ثقافة اقتصاد المياه المستخدمة وتقبل فكرة إعادة تدويرها، فإعادة تدوير المياه سوف يقلل من مشكلة شحها، ناهيك عن تلف العديد من خطوط المياه التي تحتاج إلى إصلاح حيث أنها تسرب المياه لأيام وأسابيع وتضيعها هباءً.

وأحد أهم وأبرز المشاكل الاقتصادية المترتبة على مسألة شح المياه، هي جفاف المحاصيل الزراعية وخرابها، فالمزارع الفلسطيني بالكاد يحصل على المياه لاستخدامها في الشرب والحاجات اليومية فأنى له لري المحاصيل والمزروعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وكل هذا أدى إلى ارتفاع أسعار الثمار والمحاصيل في السوق الذي واكب الوضع الاقتصادي السيئ في المنطقة، فمعظم السكان يفتقدون المقدرة المادية لشراء هذه المحاصيل بهذه الأسعار.

إن الحرب القادمة هي حرب مياه، فإسرائيل تسيطر على معظم مصادر المياه وتحرم الشعب الفلسطيني منها. وتقوم بوضع خطط مستقبلية لزيادة نصيبها من المياه، أما الفلسطينيون فهم لا يدركون خطورة الموقف الذي يواجهونه وأن المياه القليلة المتوفرة بين يديهم سوف تنعدم إذا لم تضع خطط مستقبلية تضمن توفر المياه لجميع المحافظات ولقطاع غزة وأن تكون هذه المياه صالحة للشرب ولا تسبب الأمراض. لذلك يجب الضغط على الاحتلال دولياً ومحلياً لزيادة كميات المياه في الضفة وغزة والسماح باستخدام المصادر الرئيسية للمياه كمياه البحر المتوسط وإنشاء بنية تحتية كاملة للمياه، مما يوجب وضع خطط فعالة وسريعة وناجعة لمعالجة هذه المشكلة من جذورها قبل فوات الأوان.

http://www.miftah.org