إما معنا أو علينا..
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2011/1/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12337

كنت أمشي في شارع ركب بالأمس عندما استوقفني أحد الأصدقاء، قال: ما رأيك؟ قلت: "الشاطر بشطارته"، قال: أنت مع أو ضد؟ طبعا الصديق يشير إلى الأزمة الأخيرة بين السلطة وقناة الجزيرة إثر كشف القناة وثائق قالت إنها سرية بخصوص المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية متّهمة السلطة بتقديم تنازلات كبيرة أثناء عملية التفاوض في ملفات الاستيطان واللاجئين والتنسيق الأمني والحرب على غزة وتقرير غولدستون.

كثير منّا سُئل هذا السؤال خلال الأيام الأربعة الماضية، لتبدأ مع السؤال حالة من الاصطفاف السياسي يصبح الشخص فيها إما مع فريق الخونة أو الوطنيين. الجماهير انقسمت بين مؤيد ومعارض، فإما قناة الجزيرة وطنية والسلطة خائنة، وإما القناة مدسوسة والسلطة ملاك. معظم الأفراد من الجانبين لم يقرأ الوثائق علميا أو يتأكد من صحتها، بل اكتفى برفض ما عرضته القناة، أو الأخذ به كمسلمات.

هذا ما دفع آلافا من الناس للخروج إلى الشارع إما بمسيرات تجدد "البيعة" للرئيس في الضفة الغربية كتلك التي استقبلوه فيها بعد عودته إلى المقاطعة، أو أخرى في غزة تندد "بالتنازلات" وتدعو لمحاكم شعبية للمفاوضين. رفع مواطنو الضفة صور الرئيس عباس فيما رُفعت صور أمير قطر في غزة فرحا بما كشفته الجزيرة القطرية!

وقد لا تكون الجزيرة المثال الأعلى في النزاهة والموضوعية، خاصة وأن تغطيتها لهذا الموضوع وغيره تشوبها الكثير من الملاحظات من ناحية مهنية يستطيع أن يرصدها الباحثون غير المنحازين، لكن مع ذلك ليست القناة وحدها هي الملامة، لأن أي وسيلة إعلامية استطاعت الحصول على ملفات كتلك، ستقيم الدنيا وتقعدها لتهويل الموضوع لأسباب عدة أهمها زيادة نسبة المشاهدة، خاصة إذا تماشى ذلك مع سياسة تلك الوسيلة.

"الدور والباقي" على الملتقي، وتمتعه بنظرة الشك والتحليل لكل ما حوله، وواضح أن ما خلص إليه كلا الطرفين هو الذهاب لتعزيز حالة الانقسام الداخلي السائدة.

وفي وسط تلك الفوضى التي لحقت بتسريب الوثائق واضطرار الجماهير لتحديد مواقفها، غاب التحليل المنطقي عند طرفي الـ "مع" والـ "ضد"، كالحالتين التاليتين:

-مهما سيقال عن الجزيرة أو أهدافها، لا يمكن إنكار حالة الضعف في الأداء التفاوضي الفلسطيني التي كانت واضحة وعززتها الوثائق، فهل ستقوم الجماهير بدورها في تذكير القيادة بذلك بعد أن تبرد قصة الوثائق؟

-وعلى النقيض الآخر، ما دامت قضايا الوضع النهائي كالقدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والأمن والمياه والأسرى هي تحت التفاوض، فليس بالمستغرب أن يتم الحديث عن تبادل أو"تنازلات" (بالمعنى اللغوي ليس المستخدم في إطارات تخوينية) من نوع معين. والغريب هو أن يكون ذلك مستغربا!

يتضح أن الجماهير العربية تملك من العاطفة الشيء الكثير، وأن أفرادها في قضايا كبيرة كتلك، يعودون لنزعتهم الأولى، إما انتمائهم أو توجههم السياسي.

لم أجب على سؤال الصديق كما أرادني أن أجيب، بل ذكرت له مقولة لجوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر قال فيها: "اكذب، واكذب.. كلما كبرت الكذبة، كان ذلك أفضل. في النهاية، سيصدق الناس، لكن استهدف الذين يريدون أن يسمعوا". كلنا نستمع لما نميل أن نصدق، أو نرغب في سماعه.
لهذا "الشاطر" فقط هو الذي يعرف من أين تؤكل الكتف.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org