عدوى التغيير..
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2011/2/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12356

التقيتهم قبل خمسة أعوام في ألمانيا، 3 شباب مصريين تعرف وجوههم من سمرة نيلها ولهجتهم المحببة. وفي جلسات مجلس الأمن الصوري الذي عقدناه حينها، اختار علي وهو أحدهم أن يمثل أميركا كمندوبها الأممي في المجلس. بإنجليزيته المطعّمة بلكنة مصرية دافع علي بكل جدية عن قضية دارفور المطروحة حينها وكان حضوره الأقوى بين الشباب العربي والأوروبي.

علي شاب في منتصف العشرينات فيه طاقة تشعرها متجددة، كان –وهو المتألم من رفض أهل فتاته الصعيدية تزويجه إياها- يحدثنا بشغف عن "أم الدنيا" وقضاياها السياسية، يقول لنا كيف منعت الحكومة عديدا من زملائه الآخرين من المشاركة في مؤتمرنا لأنها تحظر عليهم تلقي تمويل ألماني للسفر وحضور الجلسة.

وطيلة أسبوعنا هناك، حدثني علي وحسّان وعمرو عن مجموعتهم الشبابية التي أطلقوا عليها اسم "أدوار"، وعن دافعية شبابها للتغيير. تناقشنا في القوانين والسياسة والوضع الداخلي، فوجدتهم واضعين سياسات لمجموعتهم الداخلية، وأهدافها، ونشاطاتها التطوعية للمجتمع.

قبل أيام، وعند بدء الشباب المصري ثورتهم، نظرت لصفحة علي على موقع Facebook فوجدتها تحمل ملفات كثيرة بينها صور تشرح كيفية صنع قناع بيتي للحماية من قنابل الغاز. وليس بعيدا عن هذا، تتابعنا صفحات الانترنت والرسائل الالكترونية عن كتيبات صغيرة وزعها الشباب المصري عن ثورتهم الأخيرة، إحداها والمعنون بـ "كيف تثور بحداثة" – يحمل تعريفا لثورتهم وأهدافها ومطالبها، ووصفا تكتيكيا للمناطق التي سيتجمهرون فيها، والأدوات التي يستخدمونها للاحتماء من الشرطة وما إلى ذلك.

وفي ظل سخونة الأحداث في الشارع العربي، وصلت الرسالة " الفيسبوكية" الثورجية من بين ما وصلت إلى قطاع غزة. وعبر هذا العالم الافتراضي الجديد، انطلق شباب وشابات معظمهم فلسطينيون في التحضير لثورة "الكرامة" البيضاء في غزة ضد الحكومة المقالة هناك.

وبين مجموعات ثانية تحرض لثورة على السلطة في الضفة وأخرى تطالب بالوحدة الوطنية وانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، كان واضحا أن حمى الثورات وصلت إلى فلسطيني الانترنت وانتشرت بين مرتادي Facebook والانترنت بشكل واسع، وبعض رواد الصفحات فاق 7 آلاف مشترك.

ويقول ناشرو الدعوة إلى "الثورة البيضاء" المقررة يوم 11 من الشهر الجاري أنهم أرسلوا دعوة لأهل غزة ليطلقوا صرخة احتجاجية سلمية متواصلة تحت شعار (نرفض هذا الواقع المرير).

هذا الطرح الجديد يطرح تساؤلات عدة حول إمكانية تطبيق حالة الثورجية العربية فلسطينيا سيما أنه وفي ظل تعددية سياسية فلسطينية، وحرية التصويت في انتخابات شهد على نزاهتها الجميع، استطاع الشعب أن يقول كلمته عام 2006 عبر صناديق الاقتراع، وعندها شهد العالم أن الفلسطينيين لا يعيشون تلك الحالة من القمع السياسي أو الاضطهاد من قبل سلطات أمنهم.

وفي ظل الخبر الذي تسرب اليوم بشأن عدم منع أية مسيرات في الضفة الغربية –ستنطلق أحداها المتضامنة مع مصر بعد غد السبت- ، ليس من الواضح بعد إذا ما سيستطيع الشباب الخروج إلى الشارع الغزي -الذي منعت الحكومة المقالة شبابه وشاباته "بالضرب" وقفات تضامنهم مع ما الشعب المصري المطالب بالتغيير- أم لا. لكن المؤكد هو أن لدى الشعوب رغبة في التغيير وإن لم تعرف تلك الرغبة إستراتيجية أفضل أو خيارات بديلة.

وأمام هذا المشهد العربي الساخن، يبدو أن حمى التغيير تلقي بظلال ثقيلة، خاصة أن درامية الأحداث في مصر وتونس لها دور كبير في إثارة حماسة الشباب العربي وتعزيز رغبة التغيير والتجديد لديه. لكن هذا يطرح تساؤلا كبيرا أمام الشباب قبل أي محاولة للثورة العملية.

ماذا بعد؟

ماذا بعد "فشة خلق" ننتفض فيها ونعلن الثورة على النظام أو الحكم؟ فمن بين آراء عدة سمعتها من "حل السلطة هو الحل" أو " الانتخابات" أو "نريد الإدارة المدنية كالسابق".. واضح أن الشباب الفلسطيني لم يتفق بعد على آلية تغيير واضحة، أو حتى بدأ العمل الجدي المنظم من اجل إخراجنا من الأزمة السياسية التي وصلنا إليها، خاصة أنه وفي استطلاع رأي نفذه منتدى شارك الشبابي عام 2010-أي قبل الأحداث الساخنة- ، صنّف حوالي 70% من الشباب الفلسطيني أنفسهم بأنهم غير ناشطين سياسياً، وهي نسبة ليست بالقليلة في مجتمع فتي كالحالة في فلسطين.

وأرجع هؤلاء الشباب إحجامهم عن المشاركة السياسية لثلاثة أسباب رئيسة، أولها ما قالوا إنه غياب حرية الرأي والتعبير داخل الأحزاب السياسية الفلسطينية، وثانيها أرجعوه لحالة الانقسام والاستقطاب السياسي التي سادت بعد عام 2007، أما العامل الثالث فقالوا إنه ضغوطات الأهالي عليهم لضرورة ابتعادهم عن المشاركة في الحياة السياسية.

فالخشية هي أن تكون تلك الاحتجاجات والثورات العربية حاملة عدوى ستزول بعد حين إذا ما خفتت شعلة التغيير العربية و"بَرَد" الناس. التغيير ليس فقط تلك اللحظة الدرامية التي نراها على شاشات التلفزيون بإحراق "البوعزيزي" نفسه أو صراخ الشباب المصري و"الطوشة" مع الأمن، بل هي سلسلة خطوات تبدأ بالتجمع والدراسة والصياغة والتفكير وما يميز ذلك من بحث علمي يبتعد عن الانفعال اللحظي أو العاطفي.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org