بدون تصريح؟ ارجع لورا!
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2011/2/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12370

بعد أقل من أسبوع، تنتهي مدة سريان تصريح دخولي إلى القدس والأراضي المحتلة التي سمحت إسرائيل بإعطائه لي كونني كنت أعمل في القدس الشرقية، في الشيخ جراح تحديدا.

ومع اقتراب يوم الثلاثاء القادم 15/2 وهو الموعد النهائي المسجل على الورقة ذات اللون الوردي الفاتح والأزرق، أشعر بالضيق أكثر. فبرغم مشقة رحلتي اليومية من رام الله حيث أسكن، إلى القدس، وصعوبة الوصول للمدينة بسبب الحواجز الإسرائيلية، أمدتني تلك الورقة بالكثير. ربما أهم ما عنته لي، امتلاكي حرية تنقل كانت مفقودة، وما ظننت أنه تخفيف من إحساسي بالأسر داخل جدار اسمنتي رمادي يخنقني.

كان تصريح دخول القدس مصدر فرح كبير لي لا يدركه إلا من يُمنع من دخول القدس أو يحرم من ذلك فترات طويلة، كما شكل صدمة عرفت من خلالها ما يجري في المدينة، التي غبت عنها الكثير، من تهويد واستيطان واستيلاء على أراض.

مرت الأشهر الستة بسرعة. لم أشعر بأنني استكفيت من رؤية المدينة التي تبعد عن مكان سكني 15 دقيقة فقط –دون حواجز واعاقات- لكنها كانت فترة كافية لأفهم كثيرا مما لم أكن أعلمه. فأخيراً استطعت زيارة ذلك البيت الذي كنت أقرأ عن قصته في الصحف ووكالات الأنباء، بيت الحاجة الثمانينية رفقة الكرد في الشيخ جراح، الذي يلخص كثيرا من جوهر الصراع.

فعلى سطح البيت الذي استولت جمعية استيطانية على جزء منه، وقف مستوطن لا يتجاوز الخامسة عشرة بزيه الأسود وقبعته التي تتدلى من جنباتها جديلتاه، نظر للحاجة بغضب دون أن ينطق، رمى القمامة على أرضية البيت وحديقته الصغيرة. حملت ناديا ابنة الحاجة رفقة النفايات إلى الخارج، وصرخت بوجه المستوطن طالبة منه التوقف عن إلقاء نفاياته، فلم يجبها بل استمر يرسل إليها نظرات الغضب والحقد. وبجانب بيت الكرد، عدة بيوت استولى عليها المستوطنون، تُعرف بسرعة من الأعلام الإسرائيلية الكبيرة التي تتدلى منها.

حي الشيخ جراح المقدسي ليس استثناءً، فكل أحياء القدس الشرقية، التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1967، تتعرض لاستيطان وتهويد يومي يغير ملامحها العربية بهدف فرض حقائق على الأرض يصعب معها إيجاد حل، وهذا ما تسارع حكومات إسرائيل في تنفيذه مع اقتراب أي محاولات للوصول إلى حل نهائي.

بعد يوم في الشيخ جراح وسلوان والطور والشيّاح وجبل المكبر، بدا المشهد كئيبا ومحتقنا، فكيف بمن أصبح هذا المشهد عنده حياة يومية؟ وكيف بمن قررت سلطات الاحتلال إبعاده عن مسقط رأسه؟ ثم كيف يمكن لأحد التغاضي عن ما يشعر به الناس والعاملون في إسرائيل؟

فهمت الحاجة التي تدفع آلافا من العمال للانتظار في طوابير لا يستطيعون رؤية آخرها، واختبار تجربة المرور القاسية المذلة كل يوم عبر الحواجز، ليتمكنوا من إعالة عائلاتهم. أصبحت أكثر حساسية وفهما لغضب الناس ويأسهم.

بعد أيام سأُمنع من الذهاب إلى القدس، حالي كحال الكثير من الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة من أصحاب بطاقات الهوية الخضراء. وسيتوقف جدّي عن سؤالي عن القدس وما يذكره عنها، فلن أستطيع أن أُحدّث ذكرياته وأنقل له ما يجري في ملعب الشيخ جراح الذي ما زال يتذكر، أو عن نية الجمعيات الاستيطانية الاستيلاء على بيوت فلسطينية أخرى في الشيخ جراح وسلوان، أو كيف تحول باب الخليل إلى مركز تسوق، أو ما يجري في مقبرة مأمن الله من تجريف وتدمير.

أعرف أنني سأفتقد رائحة الكعك عند باب العامود، والسير في البلدة القديمة وسط رائحة البخور في حارة النصارى وكنيسة القيامة، والمشي في الشيخ جراح أمام دار الطفل، ورؤية معالم أخرى كنت بدأت أنساها بعد غيابي الطويل عن المدينة المقدسة، لكن ما يحزنني أكثر هو إدراكي أن معاناة القدس من الاحتلال والاستيطان والتهويد تفوق مشكلتي الصغيرة في اشتياقي للقدس وزيارتها، وأن ما يواجهه أهلها ممن قرروا البقاء فيها ليس بالأمر الهيّن أو البسيط.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org