لا تستطيع الدولارات فعل الكثير
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2011/2/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12397

لم تكن دعوة رئيس الوزراء المكّلف سلام فياض، حركة حماس للانضمام إليه في حكومة وحدة وطنية، بعيدة عن ما تشهده الساحة العربية من تغييرات وثورات تطالب بالديمقراطية وإصلاح الأنظمة، لكنها دون شك تعكس حالة الإحباط العميقة من سياسات أميركا في المنطقة.

وبحسب ما نقلت وكالة اسوشيتد برس عن فياض فإن عرضه يهدف لإنهاء الانقسام، ويشمل السماح لحركة حماس بالاحتفاظ على السيطرة الأمنية على قطاع غزة حتى إجراء الانتخابات في وقت لاحق هذا العام، أي في أيلول، طالما استمرت حماس في احترام وقف إطلاق النار مع إسرائيل الذي أعلنته.

هذا التوجه الداخلي الذي ينشده كثير من الفلسطينيين، واضح أنه توّج بالغضب الفلسطيني من الفيتو الأمريكي الذي أحبط مشروع قرار لمجلس الأمن الجمعة 18/2 من شأنه إدانة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهو يأتي بعد سلسلة من خيبات الأمل الفلسطينية من المواقف الأميركية التي عجزت عن إقناع أو "إجبار" إسرائيل على وقف نشاطاتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لاستئناف المفاوضات، فكيف بالأحرى منعها قرارا أمميا يدين الاستيطان؟ أو محاولتها الضغط على الرئيس محمود عباس بعدم اللجوء لمجلس الأمن أصلا؟

هذا الإحباط من جهود واشنطن تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دفع الفلسطينيين لتغيير مؤشر البوصلة، وتوجيهها نحو السياسة الداخلية المتأزمة أيضا.

وقد لا توحي هذه الحكومة –إن تم الاتفاق عليها- بانفراج قريب، فلن تحمل حلا سحريا للقضايا الراهنة، لكنها دون شك ستقوي الجبهة الفلسطينية الداخلية في أية نوايا قادمة، خاصة في طريق التخلي عن الوساطة الأميركية المعروفة التوجه كما يُستشف من أقوال رئيس الوزراء المكلّف.

فدعوة فياض سواء ستتحقق أم لا، ورده على التلميح بقطع المساعدات الأميركية بالقول: "نرفض الابتزاز الأميركي مقابل حفنة من الدولارات"، يحملان رسالة قوية أُريد لها أن تخرج منذ زمن.

فمعروف أن حكومة وحدة وطنية كهذه، طالما تستمر حركة حماس في رفضها الاعتراف بالمعاهدات السابقة والاعتراف بشروط لجنة الرباعية الدولية، لن تُستقبل بترحيب دولي لا من قبل إسرائيل ولا من جانب الغرب الذي يدعم حكومة فياض وبرنامجه السياسي. وهي بالتأكيد تستبعد أي احتمالات باستئناف المفاوضات المتوقفة أصلا، طالما تعتبرها إسرائيل "منظمة ارهابية".

سيناريو قطع المساعدات الدولية والذي تسبب في أزمة قطع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية إبان حكومة رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية عام 2006، ليس بجديد على الفلسطينيين، لكن أغلب الظن هو أن خطة فياض والتي تقضي بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي في عام 2013 هي ما أعطت القيادة الفلسطينية جرأة الرد بهذه القوة.

هذا فضلا عن أن الشارع الفلسطيني اليوم متيقظ ومتحفز للتعبير عن رأيه أكثر من أي وقت سابق، فإيمانه بقدرة الجماهير على التغيير يجعله يرفع من سقف مطالبه من قيادته، وهذا ما عبر عنه آلاف المشاركين في مسيرات داعية لإنهاء الانقسام، وأخرى مؤيدة لقرار الرئيس عباس رفض الخضوع للضغوط الأميركية.

كما أن الحالة التي تعيشها حكومة إسرائيل اليمينية، ليست في أحسن أحوالها. فتصويت 14 دولة في مجلس الأمن الدولي ضد استمرار الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي بالإضافة إلى رفع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في عدد من الدول، هي مؤشر على ما تقول إسرائيل بأنه "رفض" عالمي لبعض سياساتها اتجاه الفلسطينيين.

عبرّت الأيام السابقة أكثر من غيرها، عن ضرورة التخلي عن مسار يراهن على دور الولايات المتحدة ويركز على تقوية الجبهة الداخلية. ورغم أن حركة حماس لم ترد على طرح فياض إلا بطلب استيضاح التفاصيل، والخشية أن تكون مبادرته "تكتيكا انتخابيا"، إلا أن الرهان يبقى على قدرة الظروف "المختلفة" في المنطقة هذه المرة على إنجاح مصالحة طال انتظرها.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org