عهد جديد من الثورات.. والاستخبارات.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/3/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12445

لم يفلح ألمع المنجمين والفلكيين والعرافين المعروفين بالتنبؤ بالانقلابات السياسية العملاقة والتغيرات المصيرية التي حصلت مع بداية العام الحالي، بل وفشل في ذلك حتى القوى الأمنية والاستخباراتية والاستقصائية الأمريكية والإسرائيلية والتي تعد الأقوى على الإطلاق، فجاءت التطورات والتي امتدت كالنار في الهشيم، كالصاعقة على رؤوس الجميع، تاركة إياهم هائمين على وجوههم متخبطين.

والحقيقة أن ما جرى يشكل مفصلاً هاماً ليس على المستوى السياسي والإقليمي فحسب، بل على مستوى الثورة المعلوماتية والاستخباراتية على حد سواء، لتنذر ببدء عهد استخباراتي جديد لا يستند أو يعتمد على جمع المعلومات وتحري الحقائق، والبحث عن الخفايا وتجنيد العملاء وزرعهم في المنظمات والمؤسسات السياسية والإعلامية فحسب، بل على أساس البحث في وسائل التواصل الالكترونية الحديثة، وأهمها المواقع الاجتماعية كالفيس يوك وغيره. وهذا بالفعل ما تقوله التقارير الإسرائيلية والتي تناقلتها وكالات الأنباء وتشير إلى أن جيش الاحتلال يعمل على وضع تقديرات لا تستند فقط إلى المعلومات الاستخبارية بشأن أهداف وخطط المنظمات الفلسطينية، وإنما على أساس ما يحصل في طبقات اجتماعية أخرى، وخاصة الرسائل التي تنتقل عن طريق الإنترنت.

ومما لاشك فيه أن ما يجري على الأرض العربية من ثورات وانتفاضات يشكل الشباب وقودها الأول، يسترعي بالدرجة الأولى اهتمام كل حاكم ظالم في المنطقة، وكذلك قيادة الاحتلال الإسرائيلي التي ستتأثر بشكل أو بآخر بكل التغييرات الحاصلة، وإن لم تكن سياسية حتى الآن لكنها بالتأكيد اقتصادية، بعد تأثر أنابيب الغاز الواصل إليها من مصر على سبيل المثال لا الحصر.

كما أن ما يسمى بـ"القيادة المركزية" للجيش الإسرائيلي وكتيبة "يهودا والسامرة" في جيش الاحتلال الإسرائيلي تراقب ما يجري عن كثب من أجل الاستعداد والتأهب للتعامل مع احتمال اندلاع انتفاضة شعبية سلمية على غرار ما حصل في بعض الدول العربية، رغم تصريح ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ممن خدموا في الضفة الغربية حول عدم وجود طريقة للتعامل بفعالية مع انتفاضة شعبية واسعة النطاق ولا تتسم بالعنف.

وهذا بالفعل ما ورد في تقرير تناقلته المصادر الإخبارية صباح اليوم حول أن الجيش الإسرائيلي: لن يكون قادراً على احتواء انتفاضة مدنية في الضفة، حيث كان الجيش قد أعد خطة شاملة قبل عام لمواجهة مظاهرات مدنية غير عنيفة واسعة النطاق ويجري العمل حاليا على إدخال تغييرات في الخطة في أعقاب الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن. --وفقا للتقرير الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية-.

وطبقا للتقرير فإن الجيش الإسرائيلي يعترف بأنه في حالة وقوع انتفاضة شعبية، فإنه لن يكون قادراً على الاعتماد على قوات السلطة الفلسطينية رغم درجة التنسيق العالية بين الطرفين. والحقيقة أن حالة التململ الفلسطيني للتغيير باتت واضحة خاصة وسط الدعوات الشبابية التي انطلقت على "الفيس بوك"، والمنادية بإنهاء الاحتلال، وأخرى منادية بإنهاء الانقسام، والتي جاءت تحت اسم الشعب يريد إنهاء الانقسام، والآن تطلق على نفسها مجموعة ال 15 من آذار، وهو موعد انطلاق المظاهرات في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة.

لكن السؤال: ما حقيقة ما يطرحه جيش الاحتلال حول عدم قدرته على احتواء انتفاضة مدنية في الضفة؟ وهل هي مجرد ادعاءات وطعم يُراد به الإيقاع بالفلسطينيين وجرهم إلى حيث يريد الاحتلال وهم لم يتعافوا بعد من اعتداءاته على مدى السنين الماضية؟ وهل الفلسطينيون قادرون على المضي في انتفاضة شعبية يثورون بها على انقسامهم واحتلالهم الذي لم تتوقف اعتداءاته منذ ما يزيد على نصف قرن ومنذ انطلاق الانتفاضة الثانية قبل عشر سنوات.

هذه الصورة التي أخذت الشعوب العربية على عاتقها تغيرها لدى الغرب من صورة المواطن الاستهلاكي الخانع للفقر والجهل، إلى صورة المواطن الرافض الثائر على جوعه وضعفه، وهذه هي حال الفلسطيني الذي انتفض في وجه الاحتلال وضحى بحياته ومستقبله دفاعاً عن أرضه ومقدساته، فثورته وانتفاضته ليست بالأمر المستجد فهو ثائر ومناضل منذ ستين عاماً أو يزيد، دون كلل أو ملل، لكنه بين فترة وأخرى يلجأ لاستراحته... استراحة المحارب، فهل سيبدأ انتفاضته الثالثة..في 15 من آذار الجاري أم أنه لم يحن موعدها بعد؟

آلآء كراجة هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org