عذراً...لم نكن إنسانيين.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/4/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12567

ترك أعماله وماله وحاله وأهله قادماً من أقصى البقاع على متن سفينة في عرض البحر، دفاعاً عن قضية ليست قضيته وبلد ليس ببلده لمجرد إيمانه وقناعته بالعدالة والحقوق الإنسانية...جاء مطالباً بالحرية لشعب ليس شعبه رافعاً شعار الإنسانية التي أرادها للشعب الفلسطيني، وطالبنا بالحفاظ عليها، فكان شعاره "كن إنساناً"، لكننا للأسف لم نأته بالمثل، فلم يجد سوى النقيض..."الوحشية" التي عانينا منها طيلة سنوات الاحتلال.

المتضامن الإيطالي فيتوريو أريغوني والمعروف بين أصدقائه ب"فكتور"، وصل إلى غزة عبر سفن كسر الحصار قبل نحو 3 سنوات، وأقام فيها بشكل شبة دائم.

لم يكن يعلم، ولم نكن نحن على درايه بما سيؤول إليه مصيره، وبأن جماعة سلفية في غزة، تطلق على نفسها "الصحابي الهمام محمد بن مسلمة"، تدعي إسلامها وفلسطينيتها، والإسلام وفلسطين بريئان منها وفي حل مما تفعل، ستتلقفه وتنفذ فيه حكم الإعدام دون أن تعطيه فرصة للدفاع عن نفسه، وهو حق مشروع حتى لأشد المجرمين إجراماً.

شعور بمزيج من الصدمة الخيبة والألم عم الأوساط الشعبية والرسمية الفلسطينية، فلسنا نحن من نقتل ضيوفنا ومن قدموا للتضامن معنا، وليس منا من يتخذ من القتل منهجاً.

فيتوريو لم يكن متضامناً عابراً ولم يكن متضامنا عادياً، لم يأت مشاركاً في مسيرة أو تظاهرة بل جاء مقيماً عاش مع الفلسطينيين وتقاسم معهم طعامهم ومر حياتهم وحلوها، فكان إنساناً عاش معنا وحمل فلسطين في قلبه قبل أن يعلقها خارطة على صدره، دافع بروحه من أجل كسر الحصار ومن أجل حقوق الفلسطينيين ضد الاحتلال وضد عدوانه وجداره، وأهدانا تضامناً..فأهديناه موتاً ..، فهل هكذا يكون جزاء الإحسان؟

لكنه دفع حياته ثمناً، إثر فعل مشين يتقاطع مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي قتلت القادمين على أسطول الحرية قبل وصولهم إلى شواطئ غزة وهو تصرف جبان لا يخدم سوى الاحتلال الذي لا يريد للمتضامنين مكاناً بيننا، ولا يريد لصوتنا بأن يصل للعالم، كما ويصب في خدمة الأجندات المدسوسة والغريبة عن الشعب الفلسطيني.

لكن المهم بل والأهم بعد هذه الجريمة النكراء هو عدم السكوت على مثل هذه الفعلة ومرتكبيها، بل يجب تقصيهم واجتثاثهم من مجتمعنا وإنزال أشد وأقسى العقوبات بهم حتى لا تكون أرضنا مرتعاً لمثل هذه الأفعال البشعة وهذه الجماعات بأفكارها المسمومة، والتي وجدت لها طريقا في قطاع غزة الذي أمسى حاضنة لمثل هذه العصابات المتطرفة التي لا تقبل الحوار وتتخذ من القتل وسيلة وحيدة للتفاهم، فلا بد من التخلص منهم ومحاربتهم بكل السبل حتى لا تكون مثل هذه الأفعال نمطاً في مجتمعنا بل مجرد صفحة سوداء في تاريخ قضيتنا.

وعلينا التفكير ملياً بما يمكن أن تتركه هذه الحادثة في نفوس مئات المتضامنين في الضفة وقطاع غزة من خوف وارتباك ناهيك عن الصورة المريبة التي تتناقلها وسائل الإعلام الآن عنا في إيطاليا وفي الخارج عموماً، صورة تعيد لأذهاننا منظر الجماعات الإرهابية في العراق التي كانت تختطف وتقتل الصحفيين والأجانب، وهو مصير قد ننزلق إليه إذا ما سكتنا عن هؤلاء.

نعرف أن الاعتذار لن يجدي نفعاً ولن يعيدك إلينا ولن يكون عزاءً كافياً لأهلك وأصدقائك، لكننا ومع ذلك نعتذر من الجميع ومن الشعب الإيطالي، فحزننا لا يقل عن حزنكم وخسارتنا لا تقل عن خسارتكم فنحن لم نخسر صديقاً ومتضامناً لقضيتنا فحسب بل خسرنا سنوات من العمل لتحسين صورة الفلسطينيين في الرأي العام العالمي من خلال المتضامنين وهي وسيلة أقوى من أي مجلس أمن أو غيره، لكننا نأمل أن لا يتم الحكم على شعب بأكمله من تصرفات فئة خارجة عن عادتنا وتقاليدنا.

كما نعرف أيضاً أننا لن نكل أبداً من المطالبة بملاحقة هذه الثلة التي أهدتك موتاً لم نكن لنسمح به، لكنه وجد طريقه إليك ... بضعفنا وقلة حيلتنا، إلا أننا لن نقبل بأن تُقيد هذه الفعلة ضد المجهول، أو أن يترك الفاعل طليقاً دون عقاب، وسنحاول ان نكون كما طلبت منا "إنسانيون".

http://www.miftah.org