‘التوجيهي’...وسيلة أم عقبة؟
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2011/7/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12800

توجه طلبة التوجيهي صباح اليوم لتقديم آخر امتحان في مرحلتهم المدرسية، فامتحان الثانوية العامة المعروف بالتوجيهي أصبح روتيناً سنوياً لا نلبث أن ننتهي منه حتى يعاود الظهور من جديد بنفس الهموم والأحلام والوعود والتوقعات والمخاوف ولكن بشخصيات مختلفة، فيبدأ التحضير لهذا الحدث قبل قدومه بأشهر، ليس فقط من قبل الطالب نفسه بل أيضاً من العائلة النووية والممتدة. فقد تحول التوجيهي إلى ظاهرة اجتماعية يتقدم لها الطالب وعائلته معاً، فنجاحه نجاح لهم، وفشله فشلٌ لهم، فكيف الخلاص من هذا الشر الذي لا بد منه؟ وهل تحول التوجيهي من كونه وسيلة للدخول إلى المرحلة الجامعية إلى عقبة أمام هذه المرحلة؟.

لقد بات هذا الامتحان في حقيقة الأمر عقبة كبيرة أمام آلاف الطلبة الذين أنهوا 12 عاماً دراسياً على أمل الالتحاق بالدراسة الجامعية، لكنهم اصدموا بامتحانات التوجيهي لتصبح وحدها المفتاح الوحيد أمامهم لأي مرحلة مقبلة، وعلى أساسها يٌقرر مصير 12 عاما ً من الدراسة فهي مفصلاً محورياً في حياة الطلبة، فهل من العدالة أن تقف حياة شخص ومصيره على نتيجة امتحان تقدم له قصراً لا طوعاً وذلك لغياب البديل؟.

وعند البحث في قضية التوجيهي، علينا استعراض عدة نواح أولها فرعيه العلمي والأدبي، وهما خياران على الطالب أن يتوجه نحو أحدهما وأن يلتزم به، فكثير من الطلبة يقعون في فخ أحد هذين الفرعين من أجل التمكن من دراسة تخصص معين وغالباً ما يضطر الطالب لاختيار الفرع العلمي لأن مجالاته أوسع في الدراسة الجامعية مقابل محدودية الأخر.

فيما يُعد منهاج التوجيهي والمرتبط بشكل أساسي بمناهج الصفوف السابقة مشكلة أخرى، حيث أنه وبشكل عام لا يوفر للطالب بيئة ووسائل مناسبة ليسهّل عليه اكتشاف ميوله الدراسية قبل التوجه للجامعة، فأغلب الطلبة الناجحون يبدؤون مرحلة صعبة من حيث اختيار التخصص الجامعي المناسب، وفي كثير من الأحيان، تتم الاختيارات بشكل عشوائي أو بمساعدة الأهل وليس على أساس علمي متقن يساعد الطالب في اختيار المجال الذي يمكن أن يبدع فيه، فعادة ما يتوجه للتخصص المطلوب في سوق العمل، وليس للتخصص الذي يريده ويرغب في دراسته، لذا فكثيراً ما نعاني من نقص في تخصصات معينة لقلة الإقبال عليها وانحسار وظائفها في مجتمعنا.

من جهة أخرى، يعد الضغط المجتمعي هماً كبيراً يقع على كاهل الطالب المسكين والذي عليه أن يرضي أهله وعائلته والمجتمع من حوله، فإصرار الأهل على "المعدل العالي" يشكل لدى الطالب حالة نفسية عصبية تجعله دائم التوتر، فينشغل باله في التفكير في تحصيل المعدل العالي وخيبة الأمل التي سيتسببها لأهله إذا ما حصل على تقدير أقل.

فلماذا يكرر الأهل ما كرهوه يوماً من الضغوط العائلية عليهم؟ فحالة الطالب النفسية لها تأثير أساسي على نتيجته النهائية، وفي المقابل فإن توفير البيئة الدراسية والطبيعية الدافئة في المنزل يمكن أن تكون أكثر نجاعة من ممارسة الضغط والقلق الدائم حول المعدل العالي.

أما بالنسبة لامتحانات التوجيهي، والتي يشتكي الطلبة من صعوبتها في كل عام، على الأقل في مادة أو مادتين، فلماذا كل هذا التعقيد؟، فبالنهاية الطلبة ليسوا من حملة الماجستير والدكتوراه بعد، ولماذا لا تكن الأسئلة مطابقة لمستواهم العلمي والذي عملوا على تطويره خلال المراحل الدراسية المختلفة وعلى امتداد عام دراسي كامل من أجل تلبية احتياجات الامتحان النهائي، فينصب التركيز خلال هذا العام على كيفية اجتياز امتحانات التوجيهي بأقل الخسائر العلمية والنفسية.

ثم أنه زيادة صعوبة الامتحانات ليست من المنطق في شيء، والتي تأتي تحت ذرائع واهية كانعدام القدرة الاستيعابية للجامعات وسوق العمل الفلسطينية، فعلى الجهات المسؤولة أن تجد حلولاً لتوسيع استيعاب الجامعات، فنحن شعب يسعى وراء العلم أينما كان وينهل من مناهل العلم قدر استطاعته، ولا حرج على تسهيل خروج طلبتنا للجامعات العربية والدولية في حال أردنا تخفيف الضغط على جامعاتنا، ومن ثم من الضروري فتح أفاق جديدة للعمل واستيعاب الطاقات الشبابية المهدورة.

وهناك سؤال مهم أخر وهو، ما مصير الطالب الذي يفشل في امتحاناته؟ لماذا لا نجد له البديل الذي يحتويه ويطور مهاراته ويجعله عضوا فعّالا في مجتمعنا، فدولتنا المستقبلية بحاجة لسواعد كل أفرادها في مواجهة الاحتلال ومواكبة التطور العلمي في العالم، وفي مشاريعها التنموية التي ستؤهلها لأن تكون دولة مستقلة.

لذا علينا الخروج من هذه الدائرة التي نعيش فيها منذ عشرات السنين لأن واقع تحديد مصير طالب وحياته بعد نتيجة امتحان واحد قد يدمره بدل أن ينميه علمياً واجتماعياً، فلماذا لا نغير نظامنا التعليمي أو نعمل على إصلاحه وتعديله بما يتناسب مع تطور الوقت والتقدم العلمي الحالي؟ فالدول المتقدمة خرجت من قوقعة "الامتحان" التي تركز على الحفظ وليس على البحث والفهم، وقد طورت العديد من الدول العربية أنظمتها التعليمية للمراحل المدرسية العليا وجعلت "التوجيهي" عبارة عن مرحلة تتكون من تراكمات المحلة الثانوية كما حصل في السعودية على سبيل المثال.

فذوينا حلموا بإلغاء التوجيهي حتى لا نعاني ما عانوه قبل عشرات السنين، لكننا تقدمنا له... وها نحن نحلم أن يُلغى التوجيهي ...فهل سيتقدم له أبناؤنا أم لا؟.

http://www.miftah.org