اللاجئون في الشتات...والذاكرة الفلسطينية.
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2011/8/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12934

تعوَد الشعب الفلسطيني على تلقيه مساعدات إنسانية من الدول المتبرعة والمؤسسات الدولية، حيث شكلت هذه التبرعات أحد أهم وسائل تلبية حاجات عشرات الآلاف من الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال منذ عقود. ولكن في خطوة فريدة من نوعها، حلّق برنامج "أرزة وزيتونة" الرمضاني إلى لبنان برفقة وفد طبي فلسطيني من أجل تقديم المساعدات والرعاية الطبية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان.

فلماذا قد تكون خطوة الحكومة الفلسطينية هذه علامة مهمة على الطريق؟ يعيش اللاجئون الفلسطينيون أوضاع صعبة للغاية في مخيمات الشتات وخصوصاً مخيمات لبنان، فناهيك عن الفقر المتقع والحياة البائسة للمهجرين، فإن القوانين اللبنانية تحرم الفلسطيني اللاجئ من أبسط حقوقه في العمل والتملك والبناء وغيرها من حرية التصرف في أرض جاء إليها لاجئاً ويعيش عليها ذليلاً. فهذه القوانين تسلب من الفلسطيني حقه في حياة كريمة بل تحرمه من الحق في الحياة كباقي البشر في هذه المعمورة، فعندما تمنع إنسان من العمل، فإنك تحرمه من السعي لقوت يومه وبالتالي تحرمه من حقه في الحياة. وهذه المعضلة للاجئين الفلسطينيين في لبنان ليست مشكلة مؤقتة بل أسلوب حياة يفرض عليهم معاناة تتفاقم يوما ًبعد يوم.

وفي خطوة من السلطة الفلسطينية، سارت قافلة المساعدات الطبية إلى لبنان للإطلاع على أوضاع الفلسطينيين الصحية هناك، وتبنّي حالات تعاني من أزمات صحية حادة، وتقديم العون والدعم المالي والعلاجي لحالات أخرى. فكما قال أحد الأطباء المشاركين في هذا العمل الإنساني إن الوفد الطبي جاء للمخيمات الفلسطينية في لبنان ويحمل رسالة وفاء ومشاركة لهؤلاء اللاجئين في همومهم ومشاكلهم في هذا الشهر الفضيل. ولن تقتصر هذه المساعدات على شهر رمضان فقط، بل وستنطلق وفود ومساعدات طبية أخرى لمخيمات الفلسطينيين في الشتات شهرياً.

وإلى جانب المساعدات الطبية، يقدم الرئيس الفلسطيني – محمود عباس مساعدات ومنح جامعية للطالب الفلسطيني في هذه المخيمات بما يسمى "صندوق دعم الطالب الفلسطيني." ولكن هل تكفي هذه المساعدات التي قد تكون قطرة في بحر لحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الدول العربية؟ وما دور الحكومة الفلسطينية في المساهمة من أجل تحسين أوضاع هؤلاء اللاجئين؟ تعتبر معاناة المهجرين الفلسطينيين مشكلة متجذرة منذ عقود من الزمن، فهم الذين دفعوا أرواحهم وأموالهم ثمناً وفداءً للقضية الفلسطينية، وتقع مسؤوليتهم رعايتهم بالطبع على منظمة التحرير الفلسطينية. فالفلسطيني في لبنان وسوريا وغيرهما من البلدان التي تضم لاجئين فلسطينيين؛ لا يُمنح الفلسطيني حق المواطنة فيبقى لاجئاً وغريباً وذلك يحرمه من أبسط حقوقه.

وبالتالي من حق هذا الشخص على دولته الأم أن تزوده بكافة إحتياجاته وتلبيها لتضمن له حياة كريمة، ولكن مساعدات شهر لا تكفي لمدى العمر. وهنا يقع على عاتق السلطة الفلسطينية مسؤولية هؤلاء اللاجئين بأن تتبنى مشاكلهم وتسعى لحلها أو تخفيفها على أبسط تقدير، ويحدث ذلك من خلال عدة طرق أهمها المداومة على إرسال المساعدات الإنسانية لهذه المخيمات، وأيضاً إجراء الحوار مع الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين من أجل تعديل القوانين الجائرة بحق هؤلاء الناس.

ومن ناحية أخرى، فإن في تطوير برنامج صندوق دعم الطالب الفلسطيني أثر كبير على تغذية الذاكرة الفلسطينية لفلسطينيي الشتات وليس فقط في مخيمات اللاجئين. فانشغال هؤلاء اللاجئين بهمومهم وفقرهم ومأساتهم قد أشغلهم عن تثقيف أولادهم عن فلسطين وتاريخها.

وبالتالي فإن صندوق دعم الطالب الفلسطيني يجب أن يكون موجهاً لكل الطلبة الفلسطينيين في الشتات، بحيث يلعب دوراً هاماً في إعطائهم حقهم في التعليم، كما أن المعرفة بالقضية الفلسطينية يجب أن لا تُقتصر على الفلسطينيين في الداخل فحسب بل في الخارج أيضاً وخصوصاً في المخيمات الفلسطينية، لذا يقع على عاتق القيادة الفلسطينية وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية إيجاد طرق لإبقاء الذاكرة الفلسطينية حية لدى اللاجئين وهذا دون شك سيزيد من ارتباط هذا الشباب الفلسطيني -الغائب قسراً عن أرضه- وسيرفع أيضاً من مستوى ثقافته وخصوصاً الوطنية منها، وبالتالي سيدمجهم مع القضية الفلسطينية ولو من بعيد. ومن جانب آخر، فدور الممثليات والسفارات الفلسطينية في دول العالم قد يكون له أثر كبير في تثقيف الفلسطينيين في الخارج من حيث إقامة الفعاليات التي تجمعهم ونشر إصدارات خاصة تتحدث عن تاريخ فلسطين وجغرافيتها وثقافتها.

على مشارف أيلول واستحقاقه لنيل الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، قامت الحكومة الفلسطينية بهذه الخطوة الإنسانية لزيادة اللحمة مع اللاجئين في لبنان، ولعلها أيضاً تكون خطوة تبين للعالم أن بمقدور الدولة الفلسطينية أن تقوم وتستقل، فهي تعتني بشعبها في الداخل والخارج.

ولكن على الحكومة الفلسطينية أن تثبت نفسها كقائد للشعب وتعمل على دمج اللاجئين بتفاصيل الحياة الفلسطينية، ومن مسؤوليتها أيضاً حماية الذاكرة الفلسطينية وتوثيقها وحفظها في عقول الناس. فإن غابت الحكاية الفلسطينية من عقولنا؛ قد يسهم هذا في غيابها عن أرض الواقع. وحماية هذه الذاكرة تكون بدولة وحكومة تحافظ على شعبها أينما كان، وتضمن له حقه في العلم والعمل والعيش بكرامة كباقي شعوب العالم.

http://www.miftah.org