وداعا أمريكا!!
بقلم: جهاد عبد الكريم ملكه
2011/10/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13058

الثقة السياسية تجاه من نثق فيه تتأسس على معطيات موضوعية وحقيقية تُبنى وتترسخ بواسطة المصداقية والمبادئ والانحياز للحق والحقوق والقوانين, وفي حالة أمريكا وعلاقتها بالقضية الفلسطينية، الكل يعرف انه تاريخيا وحاليا أمريكا دائما تنحاز لإسرائيل وتُعاكس الشرعية الدولية, ولقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن عن دعمها لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة .

وقد أتى ذلك الإعلان في ظرف إتجهت فيه الإدارة الأمريكية تحت غطاء الحرب على ما تسميه "الإرهاب" إلى تبني ما أسمته بالفوضى الخلاقة و العمل على إيجاد شرق أوسط جديد ذي مضمون تقسيمي و تمزيقي لدول و شعوب المنطقة ، وإطلاق العنان لصراع مفتوح سياسي واقتصادي وعسكري على العالم العربي والإسلامي تجلت خطواته الأولى في الحرب على أفغانستان و العراق و التي انتهت باحتلال هذين البلدين بما يمثلان من ثقل في العالمين العربي و الإسلامي، ثم العمل على إبتزاز العرب و المسلمين أنظمة و شعوبا .

و انتهت فترتان رئاسيتان من عهد بوش و لم تخرج الدولة الفلسطينية إلى النور على الرغم من الوعود المتضمنة لمديات زمنية محددة لإعلان الدولة الفلسطينية ، وتم إشغال الفلسطينيين بمفاوضات فارغة لم تراوح المربع الذي بدأت فيه.

وخلال ذلك كان هناك تأييد و دعم غير محدودين لإسرائيل في مقابل ضغوط هائلة على الطرف الفلسطيني واستدراج نحو تقديم التنازلات المجحفة واحدة إثر الأخرى، ولم تتعامل الإدارة الأمريكية بإيجابية وجدية مع المبادرة العربية للسلام بل عملت على تمييعها. وجاءت إدارة أوباما لتسير على الخط نفسه وها هي تزيح القناع ليظهر الوجه الحقيقي لها والذي طالما حاولت تعميته وتمويهه بنفاقها السياسي فوقفت ضد المصالحة الفلسطينية التي تعطي للموقف الفلسطيني قوة وتماسكا وتجعله أقدر على دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ودعمت موقف نتنياهو وحكومته القائم على تمييع القضية الفلسطينية وتضييع الحق الفلسطيني وتفريغ مشروع الدولة الفلسطينية من محتواه الحقيقي، وأضافت الإدارة الأمريكية على ذلك كله موقفا سلبيا معلنا من ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة للحصول على دعمها في إعلان الدولة الفلسطينية.

لم تعد الولايات المتحدة هي الوسيط الوحيد الذي يحاول اللعب في مقدرات الشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل لا نثق بنوايا أمريكا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذلك لأن السياسة الأمريكية تقررها المنظمة الأمريكية الصهيونية (الإيباك) والكونغرس الأمريكي الذي يصفق ويدعم إسرائيل بقوة.

لا نثق البتة بنوايا أمريكا تجاه دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ليس من اليوم فحسب بل منذ أن كان الدور الأمريكي فاعل بجدية وقادر على الضغط على إسرائيل وإلزامها بتطبيق خارطة الطريق التي هي صناعة أمريكية فكيف اليوم بعد أن تبين للقاصي والداني الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل على قاعدة المصالح المشتركة وحماية وجودها وبعد أن أصبح رؤساء أمريكا لا يقدرون على الوصول إلى كرسي الرئاسة أو الحفاظ عليه لفترة رئاسية أخري إلا من خلال جيوب اليهود الأمريكان وأموالهم بالإضافة إلى الدور العربي الهش والمنشغل بثوراته.

إن التدخل الأمريكي في شأن استحقاق أيلول لإنقاذ إسرائيل بمنع دولة فلسطينية يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا لا تريد الخير للشعب الفلسطيني بل أنها واضحة ولا يحتاج أثباتها إلى جهد كبير.

وما الكلام المعسول الذي يخرج من أفواه الأمريكان في واشنطن عن الثورات العربية وعن دعمها للديمقراطيات الجديدة, إلا ذر للرماد في العيون , ومحاولة لإخفاء ما وراء هذه الابتسامات الصفراء من مؤامرات ضد الأمة العربية فضحتها التصريحات والممارسات الأمريكية الأخيرة بخصوص الاعتراف باستحقاق الدولة الفلسطينية فأي وقاحة هذه عندما يعلنون ليل نهار تأييدهم لحرية الشعوب وهم يدعمون بكل قوتهم العسكرية والسياسية والدبلوماسية من أجل منع حرية أخر شعب محتل في الدنيا, فلو كانوا جادين فيما يسمونه بالربيع العربي وحرية الشعوب لكان عليهم تأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. أسئلة كثيرة واستفهامات وتعجبات أكثر لما نرى ونسمع ، وكما يقال في المثل ( عش رجبا ترى عجبا ) . فكيف تستقيم هذه الدعاوى والمناسبات والتصريحات مع واقع الحال ؟! وكيف لنا أن نوجه كل هذا التناقض مع ما يظهر من خبث السريرة وسوء الصنيعة والمكر للفلسطينيين بالليل والنهار.

والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, فلقد لدغتنا أمريكا عندما وقعنا اتفاقيات أوسلو في واشنطن وقبلناها على مضض إلا أن هذه الاتفاقيات كانت غطاء لمزيد من الاستيطان في الضفة الغربية ومزيدا من تهويد للقدس العربية الإسلامية وهذه الاتفاقيات التي رعتها أمريكا فقط كانت ورقة توت لإسرائيل ولم ينفذ منها أي شيء مستحق للفلسطينيين.

ليس المهم أن نثق أو لا نثق بالسياسة الأمريكية, المهم أن يوحد الفلسطينيون والعرب موقفهم السياسي، ويتخذوا موقفا واضحا وحازما تجاه السياسة الأمريكية الحالية التي تسمع فقط للصوت الإسرائيلي، وعليهم أن يبينوا لأمريكا وللعالم أجمع بأنه لن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة العربية دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

ويقول المثل الفلسطيني "الذي لا يري من الغربال فهو أعمى" ونحن نقولها وبصراحة فكل من انخدع عن حقيقة الراعي الأمريكي أو صدق مقولاتهم فهو أعمى عن إدراك الحقائق وفيه خلل وقصور في فهم الأمور وخفايا الأشياء. بالتأكيد لا توجد ثقة أبدا بالإدارة الأمريكية الحالية وكذلك سابقاتها بأنهم سيدعمون إقامة دولة فلسطينية مستقلة لكن بنفس الوقت علينا نحن الفلسطينيون الاستمرار بكافة أشكال النضال المتاحة من اجل تحقيق أهدافنا الوطنية الراهنة والمتمثلة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران وضمان حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردوا وهجروا منها قسرا عام 1948 وحسب القرار الاممي رقم 194 وهذا تحديدا ما تم الاتفاق عليه في ورقة المصالحة الفلسطينية.

http://www.miftah.org