إشكالية استخدام الفيتو وفرص قبول العضوية
بقلم: باسل أبوسعيد*
2011/10/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13071

تستعد الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض (الفيتو) في الطلب الذي قدمته مؤخراً القيادة الفلسطينية لمجلس الأمن من أجل نيل عضوية الأمم المتحدة. حيث من المفترض أن تؤدي تلك المعارضة الأمريكية لمنع قيام الدولة الفلسطينية في أن تصبح العضو 194 في الأمم المتحدة. ومع ذلك ، فمن المشكوك فيه أن مثل هذا الفعل (استخدام حق النقض الفيتو) قد يكون له التأثير الذي تتطلع له الدبلوماسية الأميركية.

ففي الواقع ، لقد تنازلت الولايات المتحدة منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة عن حقها في استخدام هذه القوة (حق النقض) في مثل هذه الحالات (طلبات عضوية الأمم المتحدة )، لذا فانهم يعتمدون على أسباب لا تسمح لهم اليوم برفض الطلب الفلسطيني.

عضوية الأمم المتحدة تخضع لإجراءات أساسية من خطوتين : توصية من مجلس الأمن وتصويت الجمعية العامة. ففي داخل مجلس الأمن، لا بد من الحصول على التصويت بأغلبية تسعة من أصل خمسة عشر من الأعضاء الذين يحق لهم التصويت مع ضرورة أن تتضمن أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا و الولايات المتحدة). و بغض النظر عن النقاشات التي تجري في مجلس الأمن، فان تقرير لجنة العضوية المنبثقة عنه هي من ستحدد شكل التوصية التي ستقدم للتصويت عليها في اجتماع مجلس الأمن القادم ، الذي بدوره سيعطي قراره بالرفض أو القبول المشفوع بالدلائل حول أسباب قراراته التي يجب أن تكون مبنية على أسس ميثاق الأمم المتحدة ، و من ثم رفع تلك التوصية للجمعية العامة لاتخاذ القرار النهائي في طلب العضوية.

و هنا لابد أن نذكر أن الولايات المتحدة قد أعطت موقفاً معلناً منذ نشأة الأمم المتحدة أنها لن تستخدم حقها في منع قبول أي دولة يحظى طلب عضويتها على دعم الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمن، حيث تم توثيق موقفها هذا في تقرير اللجنة الخاصة بقبول الأعضاء الجدد في 25 تموز 1953 (تقرير رقم (Annex 5,7 - A/2400خلال الدورة الثامنة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953 ، و التي جاءت عباراتها واضحة كما وردت : "إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تتفق مع غالبية الأعضاء بأنه لا ينبغي بموجبه على أي عضو دائم في مجلس الأمن أن يمارس حقه في النقض لمنع ترشيح دولة بعد حصولها على سبعة أصوات على الأقل في مجلس الأمن" (المجلس كان يتألف من 11 عضوا قبل 1966).

هذا الموقف الذي اتخذته دولة دائم العضوية في مجلس الأمن و استخدامها اللغوي لتعبير النفي ، لا يمكن قراءته بشكل أخر سوى أنه تنازل واضح عن حقها في استخدام الفيتو في مثل تلك الحالات. بالتالي إن حصل الطلب الفلسطيني على موافقة تسعة أصوات في مجلس الأمن، فان الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن الاعتراض على توصية قبول العضوية ، بعدما تخلت عن حقها في قوة الفيتو في مثل تلك الحالات.

في كل الأحوال، التصويت السلبي للولايات المتحدة الأمريكية ليس من المرجح أن يعطي التأثير المتوقع، خصوصاً و أن فعالية التصويت المتعارض مع الأغلبية في مجلس الأمن خاضعة لإشكالية قانونية قد تضع الفيتو الأمريكي في موقع المسائلة و الإلغاء من قبل الجمعية العامة. فطبقاً للمعايير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، فان مجلس الأمن هو صاحب قرار التقييم فيما إذا كان الكيان الذي يسعى للعضوية هو دولة ترغب بالسلام و قادرة على الوفاء بالتزامات ميثاق الأمم المتحدة. ففي عام 1948 أشارت محكمة العدل الدولية بأن قرار أي عضو في مجلس الأمن يجب أن لا يكون مبنياًُ على أسس غير التي حددها الميثاق، و في هذا السياق فقط تستطيع الدول وضع تقيمها بحرية و ليس غيره سواه.

لكن الولايات المتحدة سبق أن أوضحت الأسباب وراء موقفها منفردة، وفقاً لخطاب الرئيس أوباما الذي أوضح فيه أن من شأن تلك الخطوة أن تخرج الفلسطينيين من طاولة المفاوضات مع إسرائيل ، لذا يجب العمل على تأجيل طلبهم في الحصول على العضوية. و مهما كانت أهمية تلك الحجة السياسية التي تتذرع بها الإدارة الأمريكية إلا أنها لا تتعلق بتاتاً بالشروط التي وضعت في ميثاق الأمم المتحدة حول طريقة استخدام حق النقض (الفيتو). و هنا نذكر ما قاله سفير الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن عام 1947: " لا اعتقد أن واضعي الميثاق قد أرادوا إعطاء الحق لدولة في استخدام الفيتو لأسباب ليس لها علاقة بالميثاق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في طلب عضوية ترى فيه معظم الدول الأخرى أنه جدير بالقبول، في هذه الحالة هناك مما لا شك فيه ما يخالف قواعد استخدام حق النقض الفيتو"

و بناءً على ما سبق، فان تصويت الولايات المتحدة لن يكون عقبة أمام الطلب الفلسطيني في حال الحصول على موافقة 9 أصوات لتوصية مجلس الأمن. و في هذه الحالة، فان الجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون لها الحق الأخير و المطلق في الحكم على طلب العضوية و الذي يتوقع أن يتم التصويت علية بالموافقة بعدما تبين أن 126 دولة قد اعترفت بالدولة الفلسطينية منفردة.

* باحث في العلاقات الدولية و الدبلوماسية

http://www.miftah.org