رفات جثمان أبو زنط يعود
بقلم: عادل عبد الرحمن
2011/10/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13085

قصة الكفاح الوطني الفلسطينية لا مثيل لها مع شعوب الارض، التي وقتع تحت الاحتلالات الاجنبية. مَّنْ يصدق ان رفات جثمان الشهيد حافظ ابو زنط إعتقلت خمسة وثلاثين عاما؟ وما هي الحكمة الاسرائيلية من إحتجاز جثمان الشهيد، مطلق شهيد بعد وفاته؟ واالى ما تهدف القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية من إعتقال جثمان شهيد فلسطيني او عربي او اممي قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية؟ ولماذا تُّصر على الاحتفاظ حتى الآن على رفات جثامين (338) شهيدا في مقابر الارقام؟ ولماذا المقبرة من أصله؟

حين يجول المرء في العقلية الصهيونية بمستوياتها واتجاهاتها المختلفة، يلحظ تغلغل النزعة العنصرية، اللاإنسانية متجذرة في سلوك تلك القيادات، وهذا يعود الى التربية داخل مؤسسة الاسرة اليهودية، وفي الروضة والمدرسة بمراحلها المختلفة وايضا في الجامعات. لذا يجد المراقب السلوك الفطري، ورد الفعل الطبيعي ودون تفكير من قبل الاسرائيليين تجاه ابناء الشعب الفلسطيني او من يقف معهم ويناصرهم، ردة فعل عدائية متطيرة واقصوية، مشحونة بمظاهر الحقد والكراهية، تحكمها الفلسفة العنصرية.

وهذه النزعات ليست وليدة اليوم او الامس القريب، انما هي متأصلة في كل من انتمى من اليهود الى الحركة الصهيونية بفرقها ومدارسها المختلفة، لان الفكر الصهيوني منذ تشكيلاته الاولى، قام على التزوير والكذب ونفي الآخر، مثال " شعب بلا ارض لارض بلا شعب!" ، هذا الشعار حمل في طياته إنكار اصحاب الارض الاصليين الفلسطييين العرب. وعمل على سياسة التطهير العرقي لطردهم من بلادهم، لتقيم الحركة الصهيونية مشروعها الكولونيالي على انقاض طردهم وتشريدهم. ومبدأ الانكار والنفي للفلطينيين أتاح لادوات الدولة الاسرائيلية التنفيذية واجهزتها الامنية وبتغطية من المستوى السياسي الحاكم في كل مراحل الحكم وبغض النظر عن الحزب الممسك بمقاليد الامور تشريع "طمسه" و"إخفاؤه" من الوجود حتى لو كان جثة هامدة. لانه (الصهيوني) لا يريد إبقاء عنوان الجريمة الاسرائيلية، التي تمثلها الجثة لهذا الشهيد او ذاك.

ولكن الذاكرة الحية للشعب العربي الفلسطيني، وتجذره في الارض الفلسطينية حيا او ميتا، كانت اقوى من جلاوزة الظلام الاسرائيليين. وابقى من عنصريتهم وحقدهم وارهابهم المنظم. ولهذا إستعاد الشعب الفلسطيني امس رفات جثمان الشهيد حافظ ابو زنط، ابن نابلس البطلة بعد خمسة وثلاثين عاما، كما استعاد العام الماضي رفات الشهيد مشهور العاروري، وسيستعيد رفات جثامين كل شهداء مقابر الارقام رغما عن إسرائيل.

غير أن السؤال، الذي يطرح نفسه على أنصار حقوق الانسان في العالم وخاصة في اميركا واوروبا، المقصود هنا المؤسات الرسمية الحاكمة، لماذا يصمتوا على هكذا جريمة لا اخلاقية، ووضيعة وعنصرية بإمتياز؟ ولماذا لا يحاولون عمل بعض المقاربة لذر الرماد في عيون الفلسطينيين والعرب بين دعواتهم المتواصلة والمستمرة عن الافراج عن الجندي الاسرائيلي شاليط او جثامين القتلى الاسرائيليين عند حزب الله، وفي كل زيارة لموفد غربي أميركي او اوروبي تدرج قضية شاليط او رافت الجنود الاسرائيليين، ولا يأتوا من قريب او بعيد على ذكر رفات نحو (338) شهيدا في مقابر الارقام، ومايزيد عن ستة ألآف اسير فلسطيني يقبعون في زنازين الاحتلال الاسرائيلي البشع؟ لماذا لا يرفعون الصوت حتى ولو كان منخفضا نسبيا للدعوة للتضامن مع إضراب أسرى الحرية في سجون الاحتلال ، الذي مضى عليه ثلاثة عشر يوما؟

المعادلة بسيطة، ولا تحتاج الى منجم او عالم فيزياء للاجابة على الاسئلة المثارة اعلاه، الجواب يكمن في التوافق الفكري والسياسي والثقافي بين الحكام في دول الغرب عموما واميركا خصوصا وحكام دولة الابرتهايد الاسرائيلية، والخلفية الاستعلائية البغيضة والناظمة لمناهج التفكير السياسي في اوساط النخب الحاكمة الغربية والقيادة الاسرائيلية.

لكن هذه الفلسفة لن تعود بأدنى فائدة لا على الاسرائيليين ولا على حلفائهم الاميركيين ومن لف لفهم. وان لم ترتد اليوم عليهم، فإنها بالضرورة سترتد عليهم لاحقا، لان ذاكرة الشعوب العربية عموما وشعب فلسطين خصوصا، لا تموت، وتتجذر يوما تلو الآخر بفعل إشتداد عمليات القهر والتنكيل والجريمة الاسرائيلية المنظمة على كل الصعد والمستويات. مع ان الفرصة مطروحة امام الاسرائيليين وحلفائهم الاميركيين ليلتقطوها، من خلال إلتقاطهم فرصة إحلال السلام بين شعوب المنطقة وخاصة على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي على اساس خيار حل الدولتين للشعبين على حدود 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، هذا الحل كفيل في حال ما عولجت ملفات الحل النهائي، إزالة كل مظاهر الاحتقان والسخط، والاسهام في خلق مناخات إيجابية تجسر الهوة بين الشعوب، وتنزع من وعي الاسرائيليين الصهاينة وحلفائهم الاميركيين كل اسباب الحقد والكراهية والعنصرية. فهل لديهم القدرة حكام اسرائيل على تجاوز عقدة النقص، التي تحكمهم تجاه الفلسطينيين، ويتخلون عن مظاهر الفاشية المتأصلة في السلوك اليومي وعلى كل المستويات؟

* كاتب سياسي فلسطيني- رام الله. - a.a.alrhman@gmail.com

http://www.miftah.org