مهرجان شاشات: 'أنا امرأة من فلسطين 'نصف' دزينة' من النساء
بقلم: ريما كتانة نزال
2011/10/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13086

لجأت المخرجة الفلسطينية " ليلى عباس" في فيلمها المسمى " خمس فناجين وفنجان" الى إجلاس المثلث على رأسه، بهدف إيصال وجهة نظرها وحكمها بنخبوية وعزلة الحركة النسائية الفلسطينية. وقدمت "عباس" وجهة نظرها النقدية من خلال نصف دزينة من الفناجين المملوءة بالزوابع المثيرة للجدل. إنه بيت القصيد، إثارة الجدل سواء تم على خلفية استحسان العمل أو استهجانه، والأعمال الفنية التي لا تثير الجدل والتفاكر تكون عاجزة عن الوصول لغاياتها وتغدو كأنها لم تكن.

تدور فكرة الفيلم القصير حول جلسة نسائية في مؤسسة نسائية لنقاش التعديلات القانونية المراد إدخالها على قانون الأحوال الشخصية، في الوقت الذي تقوم فيه المرأة السادسة على خدمتهن. التعديلات قيد النقاش لا بد من الانتهاء فورا مع المداخلات الشفهية المساندة للتعديلات.. بهدف وضعها أمام الرئيس "محمود عباس" وبما يمكنهن من إقناعه في اللقاء المفترض التالي للجلسة. التحضيرات تأتي على نقاش الأولويات النسوية والمقارنات ما بين واقع المرأة الفلسطينية والمرأة العربية او الأجنبية والتعقيدات المتوقعة أمام القانون إلى جانب بعض الثرثرات النسائية الجانبية.

تغرق النسويات بالنقاش، وما بين نقاش محتوى القانون الذي يرغبن به، تمر بعض الجمل والعبارات التي تطبع الجلسات النسائية عادة، ثرثرة ما حول أحداث مسلسل تركي يتم عرضه على التلفزيون، وبعض النميمة عن خيانة أحدهم لزوجته المعروفة من المتحاورات.... وفي الحوار الدائر، يُظهر منطق المرأة ذات الحجاب بعض التباينات المحددة مع الوجهة العامة لباقي المتحاورات، بينما الخادمة، القائمة على مد الحوار بفناجين القهوة، والتي من المفترض ان تكون معنية بالقانون أكثر من غيرها، لا تشارك بالنقاش وربما غير مكترثة به وتبدو متعبة ومقموعة.

التباينات الاساسية هي التي تظهر من بين السطور بين المتحاورات مع الخادمة، المشتركة معهن في الانتماء لفصيلة النساء، والحاضرة جسديا في ذات المكان، والغائبة عنه عمليا بالرأي والطموح والواقع. الطاولة المحدودة تنوب عن الخادمة المقهورة وما تمثله من أكثرية مغلوبة على أمرها. وكأن العمل الفني يريد أن يقول بأن الوضع مختلف على الصعيد النسائي عنه في باقي القوانين والقطاعات الاجتماعية، وحسب المثل الشعبي "حونتها حمرة"، وهنا يتم الابتعاد عن الموضوعية والسياق العام ويبرز السؤال التالي: ألا يستقيم النقاش للقوانين، قانون العمل او الاستثمار او الضريبة او الشباب او قانون الاحوال الشخصية، بحضور ممثليه، أو بالأحرى بحضور مصالحهم ومطالبهم وطموحاتهم وآمالهم بحماية القانون لحقوقهم وبرفع الظلم والتمييز عنهم..

والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال حول التباينات التي يفتعلها العمل الفني لدى غرزها على أساس الشكل والمظهر: هل مصلحة المرأة المحجبة تختلف عن مصلحة المرأة غير المحجبة بقانون يرفع الميْز والظلم عنها.. وأليست كرامة وإنسانية النساء واحدة.. وألسن موحدات في دفاعهن عن أنفسهن في وجه الإقصاء والحصار والإبعاد عن مراكز القرار والمشاركة.. وألا يجمع النساء، بحجاب ودونه، الغنية والفقيرة، المتعلمة والجاهلة، العاملة والمزارعة والموظفة وربة البيت والطالبة، ألا تجمعهن المعاناة من عدم المساواة ومن التمييز المبني على الجنس.. وهل أصبح غطاء الرأس هو المعيار الذي يفرق او يوحد النساء وقضاياهن ومصالحهن..ألا يتعرضن جميعا للطلاق التعسفي وللحرمان من الحضانة والنفقة والميراث.. وكذلك من آثار ونتائج تعدد الزوجات بغض النظر عن طبقة المرأة الاجتماعية وعن مناديلهن وجلابيبهن وكعوبهن العالية.. مع استيعاب وجود فرز آخر على الصعيد الاجتماعي والمكانة الطبقية المختلفة تفرق النساء عن بعضهن مع أمثالهم من فئات المجتمع الأخرى واضعة مستوى جديد من التحالفات الاجتماعية والأطر.

لست ضد وضع العيوب التي تشكو منها الحركة النسائية أو غيرها تحت المجهر الفني وغيره من العيون، لكن لا بد وأن يتم تناوله على قدم المساواة مع أداء الحركات الاجتماعية الفلسطينية الأخرى، وذلك على الرغم من ان الانعكاسات السلبية للواقع العام تنعكس على المرأة بشكل أكثر وضوحا وفجاجة، لكن الكثير من التركيز على المرأة، يأتي أحيانا بنتائج معاكسة للغاية المستهدفة والمتركزة على علاج العيوب والفجوات. لكني أقف بقوة ضد افتعال التقسيمات والتصنيفات التي تبعد وتنزع النقاش عن سياقه الموضوعي المفيد، وتطلق الاحكام الجائرة بتسرع وبشكل اطلاقي لا يفيد أحد، ويقلل من شأن المرأة وأدوارها المتعددة التي تضطلع واضطلعت بها في الماضي والحاضر.

همسة أخيرة في أذن المخرجة، فيلم "خمس فناجين وفنجان" جميل وخفيف الظل وناجح من الناحية الفنية والاخراجية، واستطاعت المخرجة ان توصل فكرتها المركّبة ببساطة ومباشرة بعشر دقائق تحسب لمهنيتها. لكنني في ذات الوقت، أرى بأن التدقيق بالمضمون والمعالجة كان يستلزم منها التأني لتبتعد عن النطق بالحكم. ان شخصياتك النسائية المفترضة القائمات على التحضير للقانون الخطير، من وزن قانون الأحوال الشخصية، بهدف إقراره من الرئيس، لا بد وأن يعني لديك الكثير من الايحاءات والاستنتاجات، فهكذا طينة من النساء، لا بد وان يكن من المؤهلات للمهمة أو لهن صفة تشريعية او شرعية ما، أو لديهن امتداد جماهيري ما يؤهلهن لطلب الموعد الرفيع من جانب ومن إعداد القانون.. فلسن مارقات الطريق أو السطحيات بوعيهن وتاريخهن وحاضرهن من يستطعن القيام بهذه الادوار.. ونطمئن كل المهتمين بالشأن النسوي، بأن الحركة النسائية الفلسطينية حركة ذات باع طويل في النضال الوطني والاجتماعي، يضعن باعتبارهن التنوع المجتمعي والتعددية الثقافية والاجتماعية، ويناقشن الأولويات بحذر واتزان ويقسنها بميزان الذهب، لسن مغتربات او مغربات للثقافة او مستوردات لها، ينطلقن من المجتمع ويسعين لتحقيق التغيير الاجتماعي وقلب صورة المرأة من متلقية سلبية تتحرك بردود فعل انثوية، الى عامل متحرك وايجابي ومشارك، ويتطلعن إلى ان وضع يصبحن فيه منتجات، يسهمن برسم المستقبل وبصناعة التغيير الاجتماعي المنشود الذي يضع المراة والمجتمع الفلسطيني في مكانهما الصحيح بين الامم.

http://www.miftah.org