السجال الإيراني الإسرائيلي..!!
بقلم: عدلي صادق
2011/11/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13171

يتعالى السجال بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وإيران من جهة أخرى. وقبل أن نعرض لرؤيتنا التي ملخصها، أن الطرفين يهربان من أزماتهما الداخلية، الى مثل هذا السجال الساخن في الخارج؛ يتوجب التأكيد على أننا، ولأسباب وطنية محضة، نتمنى أن يخسر الطرف الإسرائيلي، لو كان السجال صحيحاً. بل إننا معنيون بعدم مهاجمة إيران، وسنتفهم حقها في الرد البليغ، حتى وإن قالت بأن صاروخها الأول المفترض نظرياً، سيُزهق حياة مليون إنسان، سيكون من بينهم فلسطينيون، بحكم التداخل الديموغرافي في رقعة بلادنا الضيقة!

"لو" هذه، في النحو، هي حرف امتناع يتصل بامتناع. وفي السياق اللغوي، توحي "لو" بانتفاء الشىء لانتفاء نقيضه. فلا أمريكا وإسرائيل ستهجمان، ولا إيران، بدورها ستقصف، مهما بدت في الآفاق من إشارات وجعجعات، تنذر بالهجوم وبعظائم الأمور التي يعقبها قصف إيراني!

فالإسرائيليون يكذبون، ويتعمدون توظيف ما يسمونه الخطر الإيراني، للتغطية على ممارساتهم النقيضة لاستحقاقات عملية التسوية. ومن يسترجع الأحاديث العبرية المسترسلة عن الخطر المزعوم، يتبين كم هي مخادعة ولا صدقية لها، كل تلك التشكيات والتوجعات المفتعلة. فقد كان الذئب العجوز شمعون بيرس، هو الأبرع والأعلى صوتاً في الحديث عن الخطر الإيراني، وانتقلت العدوى الى الساسة الإسرائيليين كافة، بل إن نتنياهو الكذوب، اتخذ من الموضوع الإيراني مادة أساسية في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة. وبيرس القائل في أواخر العام 1992 إن "إيران الأصولية الشيعية، باتت بمثابة خطر كوني، وأن خطرها، الذي يغفل عنه العالم، بات ماثلاً، وأن الموت، يقف أمام عتبتنا".

ففي القياس الطبيعي للأمور، ليست هناك أخطاراً وشيكة، تقف أمام العتبات، وتظل واقفة لمدة عشرين سنة. بالعكس، كان الإسرائيليون هم الذين حاولوا إقناع واشنطن، باستئناف عملية تسليح إيران وإعادتها الى حظيرة الغرب، وبيرس نفسه، خلال توليه منصبي رئيس الحكومة ووزير الخارجية بعد اغتيال رابين، هو الذي دعا واشنطن الى إعادة علاقاتها مع إيران مثلما كانت أيام الشاه. بل إن شارون، أعلن من على شاشة التلفزة (NBC الأمريكية على ما أذكر) في عام اجتياح لبنان (1982) بأن حكومته ستستأنف بيع السلاح لإيران. وبالفعل، أبرم موظفو البيت الأبيض، في عهد ريغان، بتأثير أصابع إسرائيلية، اتفاقاً مع إدارة هاشمي رفسنجاني، في أواسط الثمانينيات، على صفقة السلاح التي افتُضح أمرها، وعرفت بفضيحة "إيران غيت" أو "إيران كونترا"!

مسألة إيران، بالنسبة للإسرائيليين، تتعلق بأمور أخرى، في مقدمها، الهرب الى أمام والتنصل من سياق العملية السلمية، وإقناع الأمريكيين بأن إسرائيل ما تزال مهمة للغاية، وتستحق الحجم الهائل من المساعدات الأمريكية، مقابل خدماتها الاستراتيجية للولايات المتحدة. ذلك على اعتبار أن مشكلة الأمريكيين مع إيران، تتعلق بالتنافس المحموم للهيمنة على العراق وأفغانستان.

موضوع تعزيز أهمية إسرائيل الاستراتيجية، لجعلها تساوي المساعدات الأمريكية في زمن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة؛ بات أمراً مُلحاً ومحرجاً للطرفين الأمريكي والإسرائيلي. وليس أصدق تعبيراً عن وضعية الحرج هذه، من مقال غريب وصادم، نشرته قبل أيام (28/10/2011) صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية اليمينية الموالية لإسرائيل، قال فيه كاتبه، إن المعونات الأمريكية الضخمة لإسرائيل لم يعد لها مبرر، لا سيما في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تمر بها الولايات المتحدة!

ومثلما هو السيناريو الدائر، حول القصف، يفترض أن أمريكا وإسرائيل تهجمان وإيران ترد؛ فإن سيناريو السجال اللفظي حول الحرب، يجعل الطرفين الأوليْن، يلوّحان بالهجوم، ما يستدعي تلويح الطرف الثاني بالرد الماحق. وبدا التلويح الأمريكي الإسرائيلي، سانحة ممتازة للنظام الإيراني المأزوم، الذي لم يحشد عدداً معتبراً في "يوم القدس" الأخير قياساً على أيام سبقت، فعمد الرئيس محمود أحمدي نجاد، الى تسميد خطابه وتصليبه أكثر فأكثر، دونما قناعات حقيقية أو خطوات عملية، وهذا أمر يقرأه الإسرائيليون والأمريكيون جيداً. فهم يعرفون أن النظام الإيراني يعاني من أزمة عميقة، ومن صراعات داخلية، كان من بين آخر تعبيراتها، إقصاء نحو ثلاثين سفيراً دفعة واحدة، ممن يعتبرهم نجاد أتباع هاشمي رفسنجاني الذي سينافس بقوة في انتخابات الرئاسة المقبلة. وهناك تدابير إقصائية أخرى، ضد أتباع خاتمي، وضد مؤسسة "حوار الحضارات" التي يترأسها!

لسنا بصدد التوسع في الإشارة الى مظاهر الأزمة الداخلية الإيرانية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولا الإسهاب فيما ما تدل عليه وقائع الانسداد في السياسة الداخلية الإيرانية وتداعيات القبضة الاستبدادية، ولا فيما تعنيه مصاعب مصادقة البرلمان على تعيين وزراء اختارهم نجاد، وبقاء وزارات بلا وزارء. المهم إن هناك أزمة في الداخل، يهرب منها نجاد، مستفيداً من التلويح الإسرائيلي الأمريكي بالقصف. فإن كان هناك تهديد بإحراق إيران، فإن الإيرانييين يطربون لخطاب يطمئنهم بقدرة البلاد على رد الصاع صاعين!

من الجانب الإسرائيلي، هناك أزمة اجتماعية اقتصادية داخلية، ومنهج سياسي عقيم، ومشكلة في علاقات إسرائيل الدولية، تجعل نتنياهو يراها فرصته لكي ينخرط في سجال يبدو وكأنه سجال الحرب الوشيكة، بينما هو الواقع، ليس إلا سجالاً من كلام، فلا حرب ستندلع، ولا هجوم سيقع، ولا قصف ولا ما يحزنون!

* الكاتب يشغل منصب سفير فلسطين في الهند. - adlishaban@hotmail.com

http://www.miftah.org