المصالحة الفلسطينية بين الإقدام والإحجام
بقلم: آمال أبو خديجة
2011/11/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13176

مضى سبعة شهور على توقيع اتفاق المصالحة ما بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة، عندما اجتمعت القيادات بعد طول انتظار لمولد ذلك اليوم، لتنجب لنا خبر حلول المصالحة والاتفاق الوطني عليها، فكان ذلك المهرجان كعرس وطني جديد أمد النفس الفلسطينية بالقليل من أمل العودة إلى صحة الطريق والالتفاف الوطني الموحد حول القضية والهدف الواحد.

ولعل الأمل في نفس المواطن الفلسطيني كان أكثر مما كان في نفسية القيادات المتصالحة، فبقيت أنظار الناس وأسماعهم معلقة على رؤية وتحقيق أثار تلك المصالحة على أرض الواقع، لتُفرغ السجون للطرفين من المعتقلين السياسيين، ويُلغى التميز الحزبي في التوظيف أو التعامل مع المواطنين في الخدمات، وأن تُرفع راية واحدة تعبر عن الوحدة لهذا الشعب، وأن تسكت كل الأصوات التي تحاول أن تثير نار الفتنة والنزاعات ومسك الزلات والخطايا للطرفين، وأن نُشاهد مؤسساتنا الوطنية قد عادت لتًفعل وتعمل بجد بعد تنظيفها من كل رواسب ذلك الانقسام الذي أفسد الكثير منها، وأن يحترم الإنسان الفلسطيني أينما كان بغض النظر عن هويته الحزبية، وعودة العلاقة ما بين غزة ورام الله لحالة التآلف والمودة وحب الخير فيما بينهما والسعي نحو تحقيق الهدف والمصير الواحد.

لقد كان لذلك الانقسام وبُعد طريق الوصول والتعثر الدائم بين الطرفين سلاحا فتاكاً للكيان الصهيوني وحليفته الأولى أمريكا ليوجه في صدر القضية الفلسطينية، حيث كانت الحجة الكبرى لمنع ومحاربة أي مساعدة أو دعم وتأيد دولي للجانب الفلسطيني بسبب وجود التنازع والخلاف السياسي والذي أظهرنا أننا غير صالحين لنكون دولة واحدة وقوية قادرة على حماية أبنائها ورعايتهم، كما استغل ذلك الكيان وجود الانقسام فرصته للهيمنة والسيطرة على أراضي الضفة الغربية وتهويد القدس، فقام بزيادة عدد المستوطنات وتشجيع المستوطنين للعدوان على كل ما هو فلسطيني، وزيادة أعداد الأسرى في السجون، والتضييق على الفلسطينيين بأي وسيلة كانت من أجل إحباط معنوياتهم وتهجيرهم من ديارهم ومقدساتهم.

وما زال الإعلام يطل علينا بأخبار العودة للمصالحة وقرب تحقيق بنودها، وأن لقاءاً سيتم بين السيد محمود عباس والسيد خالد مشعل قريباً، فما بين شد ولين وإقدام وإحجام، تبقى نفسية المواطن الفلسطيني المعلقة بينهما لتحمل ثمن تلك السياسات، والتي ضاقت ذرعاً من طول الانتظار والمماطلة حول توحيد الصفوف والعودة للحمَة الوطنية الجادة، فالمواطن الفلسطيني المتضرر الأول والأخير بعلاقاته ومعاملاته وحاجاته الضرورية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فهناك مؤسسات قد عطلت وأُوقفت عن تقديم خدماتها للمواطنين، وأمور حُجبت عن الوصول إلى أصحابها بسبب صعوبة التعامل وشدة النزاعات، وهناك مصالح قُيدت ودمرت، وعائلات تناحرت وتقاطعت، لم يكن الانقسام السياسي تأثيره محصوراً على الجانب السياسي فقط، بل ضم كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والسياحية وغيرها، كلها أثرت سلباً على حياة المواطن الفلسطيني بحلول تلك النقمة وسرقتها لكثير من الطموحات وقتلها لكثير من الآمال التي كانت ستُنجز لأجل تطوير مُجتمعنا ورفع مكانة قضيتنا والتسريع في إجبار العالم على الاعتراف التاريخي بوجودنا.

إن مشهد المصالحة الوطنية الذي رسمته تلك المواقف على منصتها في القاهرة، ما كان لها أثراً إيجابيا على حياة المواطن الفلسطيني، كأنه كان مشهداً تمثيلياً مؤقتا أُدي بعيداً عن نوايا الصدق للمسارعة في التحقيق، ولعله ارتبط بما ستأتي به رياح السياسة الخارجية لتُلقي به على الديار الفلسطينية، ولعل تلك الرياح هبت كعاصفة لمنع الحقوق الفلسطينية وحق الاعتراف بدولتهم في ساحات الأمم المتحدة، وذلك تحت دوافع التهديدات الأمريكية والصهيونية التي لوحت بها كعصاه للضرب على رأس كل من يحاول أن يرفع يده ليصوت بوجود ذلك الحق للشعب الفلسطيني.

إن السياسة المعادية للمسلمين والعرب والفلسطينيين بالتحديد، وحسب ما أثبته التاريخ لا تمارس إلا بسياسة التفريق وإشعال النزاعات بين أفراد الوطن الواحد، فمنذ الحروب الأولى للاحتلال الغربي للوطن العربي لم تقم لهم قائمه على أرضه إلا بعد أن نجح في تفريق الأخوة وزرع نوازع للفتن والحروب والاقتتال الطائفي والحزبي بين الصف الواحد، وهذا ما حصل عند احتلال العراق الذي ما زال يُدمي بجراحه الأليمة حتى الآن.

فإن كان التاريخ يشهد على طبيعة النفسية الغربية والصهيونية في التعامل مع قضايا الأمة العربية والتي ما مالت يوماً نحو المحبة والأخوة ومصلحة للمواطن العربي، فلمَ هذا التقديم والتأخر بخطوات السير نحو المصالحة، ولمَ التعويل على الدول الغربية علها تفيض علينا برحماتها ومنّها ومناصرتنا والدفاع عن قضيتنا لترفع عنا ما نحن فيه من الويلات والنكبات، ولما الخوف والتردد من الخروج عن قرارات واتفاقيات قد تمت لم يحترمها الكيان الصهيوني منذ بداية توقيعها، ولم يُقدر وجودها ولم يُراعي أي بند من بنودها، فهو لا يفعل إلا ما تُمليه عليه مصلحته وتحقيق هوية ووجود مزور له.

هل ستستيقظ قياداتنا على صوت استغاثة المواطن الفلسطيني ومعاناته الدائمة، لتسعى نحو المصالحة الحقيقية التي لا تبني إلا على صفاء النفوس وصدق النوايا والعزائم والهمم العالية التي ستدفع بأصحابها إلى المسارعة بتحقيق بنودها والاهتمام بالمصلحة الوطنية والجمعية لتغليبها على أي مصلحة أخرى، لأنها ستقدم المواطن الفلسطيني كأهم بند من بنودها لتهتم برفع ما يقع عليه من معاناة قد بلغت من سنواتها المؤلمة ستة سنوات وما بانت لها نهاية حتى الآن.

المصالحة والتوافق والوحدة ووحدة الهدف والمصير وتوحيد الخطوات نحو تحقيق المصلحة العامة هي من أعظم مقومات القوة التي تتمتع بها الدول التي تريد لنفسها البقاء والاستمرار على الساحة الدولية لتفرض هويتها ووجودها وحضارتها وعمارتها، وإلا كان لها الاندثار والموت البطيء الذي سيفرق أفرادها ويشتت هويتها ويمحو آثارها ويُسهل على المحتل والأعداء سهولة السطو والسرقة لكل مواردها ليمحو كل ما له علاقة بهويتها ووجودها.

http://www.miftah.org