لم نفشل في مجلس الأمن ولن نتراجع
بقلم: عبد المجيد سويلم
2011/11/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13191

لم نذهب إلى مجلس الأمن وفي عقولنا الحصول على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مستقلة، فكما هو معروف كان القرار الأميركي بالفيتو بانتظارنا هناك. وإذا كانت الولايات المتحدة قد أفلتت من الفيتو هذه المرّة، فليس هناك من مفرٍ لها في مرات قادمة، لأننا سنعاود طرح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في كل فرصة سانحة، ولن نتراجع، كما جاء على لسان الرئيس، وعلى الولايات المتحدة أن تحضّر نفسها لجولات جديدة، إلى أن يتغيّر الموقف الأميركي.

لن نتراجع حتى ولو حصلنا على الاعتراف بنا كدولة دون العضوية الكاملة (المقصود هنا العضوية لأنه لا يوجد عضوية كاملة وعضوية منقوصة، بل يوجد عضو دولة وعضو ليس دولة)، ولن نتراجع حتى لو عاودنا التفاوض، ولن نتراجع لأن إسرائيل احتجزت أموالنا، ولن نتراجع لأن الكونغرس حجب مساعدات الولايات المتحدة عنّا، ولن نتراجع عن حقٍ مشروع لنا، ولن يستطيع أحدٌ في هذا العالم أن يثنينا عن هذا الموقف.

لن نتراجع لأن توجهنا إلى مجلس الأمن لم يكن خطوة استعراضية أو قفزة في الهواء أو مغامرة سياسية يائسة، بل كان تصحيحاً لمسار وتصويباً لوضع.

وخيارنا بالمقاومة السلمية التي يقرّها القانون الدولي، والتي تؤمن المشاركة الشعبية الواسعة لم يكن للهروب من خيار 'المقاومة'، لأن المقاومة الشعبية السلمية هي الأسلوب الأنجع للمقاومة، وهي الطريق التي تبقي فلسطين في دائرة التحرر الوطني والاستقلال الوطني، وهي الطريق التي تعزز من عزلة الاحتلال وفضح الاستيطان، وهي الطريق التي تبقي مسيرة البناء الوطني قائمة ومتواصلة، وهي الطريق التي تبقي فلسطين في دائرة التواصل مع أحرار العالم وأنصار السلام العادل، وهي الطريق التي تنقل ساحة المواجهة والصراع مع الاحتلال الى حيث يجب أن تكون المواجهة على الأرض وإلى حيث يقوم الاحتلال بمصادرة الأرض وتهويدها والاستيلاء عليها، وحيث يُبنى جدار الفصل، وحيث يمارس على شعبنا كل أنواع الإرهاب عبر آلته العسكرية، وعبر العصابات المسلحة التي يحميها ويؤمن لها الغطاء والدعم والإسناد، أي عبر قطعان المستوطنين.

لم يقتصر موقف الرئيس حول خيار المقاومة الشعبية السلمية في خطابه الصريح والشجاع في ذكرى رحيل عرفات الرمز والقائد الخالد، وفي ذكرى إعلان الاستقلال.. لم يقتصر على الإشادة بالمقاومة السلمية دائما –وهذا مؤشر هام للغاية وهو عنوان المرحلة الجديدة على ما يبدو- طلب من كافة القيادات والكوادر في كافة الفصائل التوجه إلى حيث يجب التوجه والمشاركة الفاعلة في هذه المقاومة، وهو أمر له دلالاته الكبيرة.

الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية في دلالته هو أن الرئيس قد أتى على هذا الموقف في إطار تأكيده على أهمية هذه المقاومة وفي كونها الأسلوب الأنجع كخيار وطني شامل لكافة القوى والفصائل، وباعتبار أن الاتفاق على هذا الخيار جزء ومرتكز من مرتكزات العمل الوطني المشترك، وبما يحول دون استدراج الساحة الفلسطينية لدائرة العنف، التي يتمنّى غُلاة المتطرفين في إسرائيل إيصالنا لها، لكي يتمكنوا من الخروج من الأزمة التي يعانونها والعزلة التي ضُربت عليهم، والوسائل التي جُرِّدوا منها على مدار السنوات الأخيرة من العمل الفلسطيني الهادف على صعيد المعركة الدبلوماسية والسياسية وعلى صعيد معركة البناء الوطني وعلى صعيد تنامي دور ومكانة المقاومة الشعبية السلمية.

لقد بات واضحاً أن اللقاء المرتقب مع السيد خالد مشعل في الثالث والعشرين من الشهر الجاري لن يقتصر على موضوعات المصالحة –فهذه مسألة محسومة- والكيفيات التي من شأنها تحريك عجلة هذه المصالحة ولا حتى الانتخابات القادمة وضرورة الاتفاق بشأنها –فهذه مسألة محورية ومحسومة أيضاً-، إذ لا مجال للحديث عن اتفاق حقيقي لا يشمل الاتفاق على الانتخابات باعتبارها السبيل الوحيد والآلية المثلى لتنظيم الخلافات والاختلافات في إطار المؤسسة الوطنية، ومن على شرعية النظام السياسي ووفق الأصول الديمقراطية. وإنما –وهذا هو الأهم وهذا هو الجديد- سيتناول (اللقاء المرتقب مع السيد خالد مشعل) 'كل ما يتعلق بآفاق عملنا السياسي وآفاق المستقبل'، كما قال الرئيس حرفياً.

إذاً، اللقاء مع مشعل يمكن أن يؤدي إلى تحريك عجلة المصالحة، ويمكن أن تترتب عليه بلورة رؤية وطنية فلسطينية موحدة للمرحلة القادمة ووسائل مجابهة التحديات التي يواجهها الكفاح الوطني، وهو الأمر الذي سيحوّل مسألة المصالحة من احتياج وطني إلى حتمية وضرورة من ضرورات العمل ومدخل إجباري لإنهاء الانقسام وإعادة توحيد المؤسسات الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي وترسيخ الحياة الديمقراطية والاتفاق على وسائل مجابهة الاحتلال بصورة موحّدة تعبّر عن الإرادة الوطنية الشاملة لشعبنا.

ولكي لا يتذرع أحدٌ بقضية 'رئيس الوزراء'، وحتى يتم تفويت الفرص على الذين يتذرعون بهذه القضية، والذين اعتقدوا أن 'الخلاف' على هذه القضية سيشكّل لهم الغطاء لإخفاء حقيقة الخلاف، بادر رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض بدعوته لفصائل العمل الوطني كلها الاتفاق على رئيس وزراء جديد، في خطوة تنمّ عن مسؤولية وطنية عالية وعن احساس عميق بضرورة إنهاء هذا الانقسام المدمّر وتجريد كل أصحاب الأجندات الخاصة، وحتى الدولية، من الأسلحة التي اعتقدوا أنها ستسعفهم في التعمية على حقيقة مواقفهم، وكذلك أصحاب الأجندات الاقليمية من أنصار انتظار التغيرات التي يشهدها الاقليم العربي.

وهنا لا بد من المصارحة التامة. إذا ما ثبت أن حركة حماس ليست موحدة إلى درجة القدرة على اتخاذ قرار حاسم بإنهاء الانقسام، وإذا ما ثبت أن المسألة ليست مسألة شخص رئيس الوزراء، وإذا ما ثبت أن الخلاف لا يتعلق بوسائل مجابهة الاحتلال، وأن المسألة تتعلق بأجندات خاصة وأجندات إقليمية، فعلى القيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس، أن تصارح شعبنا وأن تكشف بصورة جلية عن حقيقة المشكلة، وأن تطلب من كل القوى والفصائل والمنظمات والشخصيات والمؤسسات اتخاذ المواقف المطلوبة والمناسبة، لأن شعبنا لن يستطيع البقاء في موقف المتفرج على مهزلة الانقسام، ولن يبقى ولن يقبل أن يظل مقيداً بأغلال الانقسام ورهينة لتلك الأجندات، والكلام الفصل قاله الرئيس واضحاً في سرية رام الله.

http://www.miftah.org