الاختراق الصعب -7-
بقلم: عادل عبد الرحمن
2011/11/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13205

العامل الذاتي، عامل مقرر في العملية السياسية، رغم كل لتحولات التي شهدها عصر العولمة، التي أضعفت من مكانة ودور العامل الذاتي على مستوى دول وشعوب العالم. لا بل ان بعض الاجتهادات السياسية تذهب إلى حد تراجعه الى مستوى التبعية للعامل الموضوعي. وأمسى الطابع التقريري ذات بعد شكلي في العمليات السياسية. لان المقرر هنا او هناك الولايات المتحدة، سيدة العصر العولمي، الذي قام على انقاض عصر القطبين السابق السوفييتي - الاميركي.

مع ذلك لا يمكن تجاهل العامل الذاتي في العملية السياسية، لانه مطلوب للمصادقة على هذه المسألة او تلك. وبالتالي بمقدار ما يكون العامل الذاتي قويا صلبا ويرتكز على قاعدة متينة اساسها الوحدة الوطنية والمرونة السياسية، بمقدار ما يستطيع التقرير في الدفاع عن المصالح الوطنية، ويحد من سطوة إملاءات القطب الاميركي وحليفتة الاستراتيجية إسرائيل. وقادر على لعب دور حاسم مهما كانت بلطجة القوة الاميرية - الاسرائيلية.

ثانيا العامل الموضوعي: كما اشير آنفا، منذ زمن العولمة الاميركي مطلع تسعينيات القرن الماضي، والعامل الموضوعي يلعب دورا مقررا في شؤون الشعوب والدول، حتى تلاشت الى حد بعيد السيادات القومية. وامس الشركات متعدية الحدود تقرر في شؤون الدول، وتحدد سياساتها، ومع بلورة اتفاقية التجارة الدولية في نهاية 1994، وبالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين وبالاستناد الى القوة العسكرية الاميركية المنفتلة من عقالها، بات العالم ساحة مفتوحة للامبراطورية الاميركية تملي سيساتها على دول العالم قاطبة بما في ذلك الحلفاء الاوروبيين واليابنيين وفق مصالحها ومصالح طغم رأس المال المالي.

هذا الوضع مازال قائما حتى اللحظة المعاشة، رغم وجود زحزحة نسبية في مكانة الولايات المتحدة نتيجة الازمة الكارثية التي تعيشها، وايضا لارتقاء وصعود اسهم بعض القوى كمزاحم بالمعايير النسبية للدور الاميركي. لكن الحلبة السياسية الدولية مازالت حكرا على الدور الاميركي، المستفيد الابرز من الصعود الاميركي، والعصر العولمي كانت دولة الابرتهايد الاسرائيلية، التي شهدت إمتدادا سياسيا، وانفتاحا من قبل دول العالم لم تشهده منذ وجدت في العام 1948. ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل بحكم انها العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية، وكونها امست منذ زمن سابق على العولمة، بشكلها الذي تبلور مع نهاية عصر القطبين، قضية داخلية اميركية، لم تعد معنية بتحقيق عملية تسوية سياسية خاصة مع قيادة الشعب الفلسطيني، لان العوامل المقررة في السياسية الدولية تصب في مصالحها، وكونها تجد الحماية المطلقة من قبل الولايات المتحدة نتيجة ضعف العامل الفلسطيني والعربي.

لكن اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة ستعيد النظر في منطقها وسياساتها في حال وجدت عامل فلسطيني قوي مرتكز الى عامل عربي متفاعل وجاد في الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية. وتستيطع القيادة الفلسطينية من التأثير في صناعة القرار العربي من خلال إعادة النظر في الاليات المتبعة مع الدول العربية، الخاضعة كليا حتى الان للقطب الاميركي والمتواطئة مع دولة الاحتلال ولعدوان الاسرائيلية، لانها تخشى على كرسي الحكم، مع ان ربيع الثورات العربية حل، وامسى البيت العربي قابل ومستجيب للتحولات الاستراتيجية.

بالتأكيد إدارة المعركة مع الولايات المتحدة، تملي على القيادة السياسية عدم الانحراف نحو التطير والتطرف. لكنها ايضا لا تعني الخضوع للاملاءات الاميركية، بل تستدعي إتخاذ المواقف الجادة والصلبة لحماية المصالح الفلسطينية العليا، التي لم تتفهمها حتى الان تماما الادارات الاميركية المتعاقبة، كما ان العقل السياسي الصهيوني المؤثر في صناعة القرار السياسي الاميركي، بعيد كل البعد عن الاستعداد لدفع استحقاقات التسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني. الامر الذي يفرض انتهاج سياسة وطنية مختلفة عما انتهجته القيادة طيلة الثمانية عشر عاما الماضية. ولعل التوجه للامم المتحدة لنيل العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 يشكل المدخل الحقيقي لهذه السياسة. ايضا تفرض المصلحة الوطنية تشخيص العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل دقيق، فأميركا ليست دولة صديقة للشعب الفلسطينين ولن تكون كذللك ما لم تتغير المعادلات السياسية والثقافية داخل البيت الاميركي هناك فرق بين ما تطمح له القيادة الفلسطينية من علاقات مع الولايات المتحدة، وما هو قائم في الواقع الناجم عن سياسات الادارات الاميركية المتعاقبة تجاه العرب عموما والفلسطينيين خصوصا. وما تدفعه اميركا من دعم للشعب الفلسطيني، لا تدفعه لسواد عيون الشعب الفلسطيني، بل هو جزء من استثمار لمصالحها الحيوية. وما تدفعه ليس سوى اقل من فتات ارباحها المافوق إحتكارية.

مما لاشك فيه ان الخطوة التي إتخذها الرئيس محمود عباس في شق طريق العودة الى حاضنة الشرعية الدولية تشكل إختراقا جديا ومهما. غير ان هذا الاختراق الايجابي يحتاج الى ركيزتين بشكل اساسي، الركيزة الاولى الوحدة الوطنية الفلسطينية، القائمة على اسس صحيحية ومسؤولة عنوانها برنمج وطني سياسي ملزم في إطار الممثل الشرعي والوحيد منظمة الحرير الفلسطينية.

والركيزة الثانية وحدة الموقف العربي الداعم بشكل قوي الموقف الوطني من خلال الاستخدام الامثل لاوراق القوة العربية من نفط وعوائده المالية والعلاقات الديبلوماسية والتجارية والامنية. وما لم تتغير معالم هاتين الركيزتين فإن هناك صعوبة حقيقية في إختراق الجدار الاميركي - الاسرائيلي المانع لاحداث تسوية سياسية مقبولة وواقعية تقوم على اساس خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران عام 67.

والتقدم تجاه حركة حماس من قبل القيادة السياسية، والذي قد يأخذ منحىً إيجابيا في مقبل الايام، ما لم يرتكز على اسس صلبة فإن مآله الانكفاء وتعميق الانقسام. لذا لابد من الارتكاز على قواعد الوطنية الفلسطينية، التي تشكل رافعة للوحدة الوطنية.

وفي السياق، تستدعي الضرورة من القيادة السياسية الفلسطينية تأكيد الذات الفلسطينية في الساحة العربية، من خلال المكاشفة الصادقة مع القيادات العربية دوون مواربة او تلكؤ لحسم موقفها، وحتى إذا استدعت الضرورة هز العصا الايجابية في وجه الحكام المحافظين، فلا مانع لان العالم وفي مقدمتهم الدول العربية لا تسمع من ضعيف او مستجدٍ . والشعب الفلسطيني لا يستجدي من احد، انما هو جزء اصيل من الامة العربية، وقضيتة ، قضية العرب المركزية، فضلا عن ان العرب ساهموا في المأساة الفلسطينية تاريخيا ومازالوا نتيجة مواقفهم السلبية. وما يقدموه من دعم، ليس سوى فتات ما يملكونه من مال.

هناك عامل او ركيزة ثالثة هي القوى الدولية المؤيدة للحل السياسي والحقوق الوطنية الفلسطينية. هذه القوى والاقطاب والمنظمات الجيوبوليتك، تحتاج هذه القوى الى جهد وطني متواصل لتعميق مواقفها المؤيدة، وللاستناد لها في المعارك الوطنية المستندة لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات التسوية السياسية. لاسيما وان بعض الاقطاب الدولية تندفع تدريجيا وخطوة خطوة نحو مواقع المنافسة المشروعة للولايات المتحدة.

من هنا جاء عنوان المقالة "الاختراق الصعب" الناجم عن ضعف العامل الذاتي وتواطؤ العامل الموضوعي على المصالح الوطنية، والكابح والمعطل لبلوغ الاهداف الوطنية الفلسطينية، ولكنه غير المستحيل، إذا ما تظافرت الشروط الذاتية واموضوعية. وهذا التظافر تصنعه السياسات الوطنية الحكيمة والقوية غير المتراخية المستندة للوحدة الوطنية الصلبة والتمسك بالاهداف الوطنية المتثلة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194.

* كاتب سياسي فلسطيني- رام الله. - a.a.alrhman@gmail.com

http://www.miftah.org