الفصائل الفلسطينية بين التطوير والاستبدال
بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي
2011/11/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13207

هل سيأتي الوقت ليقول الشعب الفلسطيني كلمته تجاه الفصائل الفلسطينية ويحكم على أدائها طوال المرحلة السابقة ؟ أليس ما وصلت إليه القضية الفلسطينية من مآزق مختلفة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي هو نتيجة فعل فصائلنا مجتمعة ؟ هل تقدمت قضيتنا الفلسطينية أم تاخرت مع قيادات فصائلنا العتيدة ؟ وهل الانقسام الذي نعاني منه على كافة المستويات هو من صنيع الشعب أم من صنيع بعض فصائلنا ؟ هل يمكن محاسبة من تسبب في تشويه صورة نضال شعبنا أم سيتم طي صفحة الماضي بكل ما لها وما عليها دون تقييم ومراجعة لاستخلاص العبر والدروس لصياغة مستقبل أفضل لشعبنا وقضيتنا ؟ هل ستنجح قيادة فصائلنا في إصلاح ما أفسدوه بأيديهم - عن علم ودراية وقصد – من خلال نجاحهم بتحقيق المصالحة الداخلية ؟ هل المطلوب منا أن نحتفل بهم ونحملهم على الأعناق ونرفع صورهم مهللين وفخورين بهم إذا نجحوا في تحقيق المصالحة وإنهاء مرحلة الانقسام التي صنعوها بأيديهم هم دون غيرهم ؟ هل يعقل أن نكون بتلك السذاجة بأن نشكر من تسبب بانقسام الشعب لأنه نجح في إصلاح خطأ ارتكبه هو نفسه بحق شعبه وقضيته ؟

وإذا كان لابد من صناعة التفاؤل والتبشير بالمستقبل - حتى لا يتهمنا البعض بإثارة روح التشاؤم - فهل من الممكن أن تستمر الفصائل بذات العقلية والأداء الذي كان قبل الانقسام وهل سيكون ذلك هو الحل المقبول لدى شعبنا وهل سننجح فعلا في رسم مستقبل أفضل لشعبنا وقضيتنا بنفس الفكر وذات القيادات ؟ . " من جرب المجرب عقله مخرب " مقولة صحيحة فهل يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نعطي من سبق أن جربناه للقيادة وفشل فيها أن نمنحه فرصة أخرى وهو بذات الشكل والمضمون ؟ هل يستقيم ذلك مع العقل السليم والمنطق الصحيح , بالتأكيد لا يستقيم ولا يصلح أبدا أن نستمر كحقل تجارب لشخصيات وقيادات وأحزاب فشلت في تحقيق أهدافنا الوطنية العامة ولكنها نجحت وبامتياز في تحقيق أهداف ذاتية وأنانية وحزبية , وكتبت أسماؤهم بوضوح على أنهم أصحاب مرحلة ساد فيها الانقسام والكره والحقد بين أبناء الشعب الواحد بل والفصيل الواحد والعائلة الواحدة , ومن هذا المنطلق لا يمكن أن تستمر تلك القيادات بذات الفكر وذات الأسلوب في القيادة دون النظر الى الواقع الذي أوصلونا إليه , ولابد من أن يثبتوا لشعبهم أنهم قادرون على الاستفادة من أخطاء الماضي وقادرون على وضع الخطط الكفيلة بعدم تكرار ماحدث مع القدرة على معالجة كل ما ترتب على فترة مسؤليتهم من سلبيات كبيرة وصغيرة وعلى كافة المستويات , ولتحقيق ذلك لابد من مراجعة شاملة وموضوعية لطبيعة إدارة عمل كل الفصائل التي قادت الفعل السياسي والنضالي لشعبنا وتقديم نموذج يستطيع مخاطبة العقل الفلسطيني وإقناعه بالقدرة على إدارة الشأن الفلسطيني بكل كفاءة واقتدار .

قد يكون من العبث الحديث – في الوقت الراهن – عن إمكانية استبدال الفصائل القائمة بعد أن ثبت فشلها فى قيادة الشأن الفلسطيني , ونحن نحكم على النتائج وليس على إنجاز صغير هنا أو هناك ولا نحكم على إنجازات شخصية أو حزبية مجردة ولكن الحكم على الإنجاز الشامل الذي يخدم القضية الوطنية بشكلها العام , اليوم القدس تمر بأخطر مراحل ضياعها حيث يقوم الكيان الإسرائيلي بتنفيذ مؤامرته جهارا نهارا لحسم معركة القدس على أرض الواقع وفصلها بشكل كامل عن محيطها العربي والإسلامي والعبث بكل مكنوناتها التاريخية والحضارية دون أي تحرك يذكر على أي مستوى , وهذا تعبير عن حالة العجز الذي وصلنا له واستمرار عملية التهويد ومصادرة الأراضي وإفراغ الضفة الغربية من مخزونها المائي وفرض واقع سيصعب مستقبلا تغييره دون حراك على كل المستويات , وفي هذا الوقت الذي ينفذ فيه الكيان الإسرائيلي بكل سهولة واطمئنان خططه على الأرض ينصب جهدنا في توقع نجاحنا في تحقيق المصالحة الداخلية أو فشلنا , وماذا يمكن أن نفعل لو فشلت المصالحة ؟ , أليس هذا قمة الفشل والعجز للفعل الفلسطيني العام ؟ وإذا كان استبدال الفصائل مستحيل بحكم التاريخ النضالي الطويل لها وتعزيز ثقافة القبول بالموجود خشية من أن يكون الجديد أكثر سوءا , فهل يمكن تطوير فعل هذه الفصائل من داخلها ؟ هل يمكن أن تستفيد هذه الفصائل من الثورات العربية وتتخذ من حالة الزعماء العرب درسا بأنه لم يعد هناك احتمال لبقاء قادة الحزب الى الأبد , وأن عصر الديكتاتوريات بكل أشكالها قد انتهى سواء على مستوى الحكومات او الأحزاب ؟ هل يمكن لأحزابنا أن يفسحوا المجال للطاقات الجديدة المبدعة من شباب فلسطين أن يتقدموا الصفوف بكل حرية دونما شروط ووضع العقبات وأن تنتهي سياسة إلزام الأعضاء بما يفكر فيه من سبقهم ؟ لا نريد قيادات جديدة بأفكار قديمة ولكن نريد أن يتحرر أولا أبناء التنظيمات من فرض مواقف وأفكار عليهم لاتقنعهم , هل يمكن أن نرى نموذجا محترما من أحزابنا يختلف فيه العضو مع رئيسه ولا يعاقب في تنظيمه ؟ الآن نريد من فصائلنا أن تتقدم وأن تقوم بنفسها بعملية التطوير الداخلي دون مكابرة ودون إغماض العين عن المتغيرات الثقافية والاجتماعية لدى الجيل الجديد , هذا الجيل المنفتح على العالم والذي أصبح يدرك كل ما يدور حوله ويستمع الى كل الآراء من كافة الاتجاهات ويبني قناعاته بناءا على ما يرى ويسمع , ولم يعد الكتاب المفروض قراءته أو المنهج الملزم للعضو هو الوحيد الذي يشكل القناعات كما كان قبل سنوات بل اليوم لا يملك أحد تحديد المعرفة والثقافة لمن يريدها ومن مصادرها الرئيسة , هذا هو الواقع الجديد اليوم المفروض علينا وإشكالية الكثير من الأحزاب والقيادات أنها لا تبصر الواقع على حقيقته ويصر أن يقود الناس بما يراه هو فقط دون سواه , هؤلاء لازالوا أسرى الماضي وطبيعته .

لاشك أن هناك أفكارا جديدة بدأت في الظهور بين أوساط شرائح مختلفة لمجتمعنا تطالب بضرورة العمل علي إيجاد فكر جديد يستجيب لتطلعات الشباب الرافض التعايش مع الواقع الحالي والذي يعمل على حصره بين خيارات محدودة لا يقبل أي منها ويريد أن يجد ذاته في حالة جديدة تتمتع بروحية التغيير والتجديد وتكون الأقرب الى تطلعات الجيل الجديد بعيدا عن الشعارات التي لم يعد لها مكان على أرض الواقع وعدم قناعته بالموجود بسبب فشله في الاقتناع به أو قناعته بأن الموجود يمكن إصلاحه أو تطويره , ولكن هذه الأفكار يجب أن ترتبط دائما بهدم الموجود أو خلق تناقض معه لأن الحال الموجود بكل سلبياته هو حصيلة فعل ونضال سنوات طويلة وهو المخزون التجريبي الهائل لشعبنا يجب ولابد من الاستفادة منه والبناء على إنجازاته , لأن كل من يحمل ثقافة الهدم لا يمكن أن ينجح فى زرع ثقافة البناء أبدا .

م. عماد عبد الحميد الفالوجي رئيس مركز آدم لحوار الحضارات.

http://www.miftah.org