عن مؤتمرات نهاية العام..!!
بقلم: مصطفى إبراهيم
2011/12/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13254

شاركت خلال الأيام الماضية بعدد من المؤتمرات التي نظمتها منظمات غير حكومية في مدينة غزة، عدد من تلك المؤتمرات عقد بالاشتراك مع الضفة الغربية عبر نظام الربط التلفزيوني "فيديو كونفرس"، وبالمناسبة هو أسوء وسيلة للتواصل للانقطاع المستمر والتشويش، ويكون مضيعة للوقت في أحيان كثيرة، بالإضافة للضغط العصبي الذي يصيب المشاركين والإحراج الذي يسببه للمنظمين، وكما قالت الصديقة عندليب عدوان التي كانت تشارك معي في احد المؤتمرات عندما تم التغلب على مشكلة الاتصال "يلا وصلة عذاب جديدة".

تزامن عقد بعض المؤتمرات في وقت واحد، وعادة ما نكون مرتبطة باحتفالات وتواريخ سنوية في شهر ديسمبر/ كانون أول من كل عام، وذلك نابعا من أن المواضيع التي تطرح تكون متزامنة دوليا، وليست مرتبطة كما يقال بنهاية مشروع معين، ونحن لسنا معزولين ولا نعمل منفردين، مثلا الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكون نهاية العام، واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المراة واليوم العالمي للمعاقين وغيرها من العناوين.

في ظل الحال الملتبس والمعقد لدينا في غزة يعتقد البعض أن العمل في الشأن العام مهمة سهلة، ويعتقدوا أن بمقدورهم القيام بدور الآخرين من أهل العلم والاختصاص والخبرة، وهم لا يدركون طبيعة المهمة وانها شاقة، فعقد ندوة أو ورشة عمل أو مؤتمر يتطلب وقت كي تحظى بحضور أو مشاركة 20 مشاركا، بالإضافة للاتصال الهاتفي لتأكيد الحضور قبل المؤتمر، وإرسال دعوات شخصية وعبر الايميل والرسائل الهاتفية النصية لإعداد مضاعفة من الأشخاص الذين لبوا الدعوة، وتتعرض للإحراج والعتب من البعض لعدم معرفته بالنشاط وان الدعوة لم تصله.

بعض المؤتمرات كان التنظيم جيد والوقت مناسب، وبعضها الآخر كان واضحا فيه سوء الإدارة والتنظيم وضيق الوقت الممنوح للمحاضرين، والاسوء عندما يكون المؤتمر مشتركا مع الشطر الآخر من الوطن الضفة الغربية وعبر الفيديو كونفرس، ويكون الإلحاح والطلب المستمر لإنهاء الوقت الممنوح للمحاضرين من غزة بذريعة ضيق الوقت وأن الاتصال قد ينقطع في كل لحظة.

وما أن يأتي دور المشاركين من الحضور، ومع أول مداخلة لأحدهم على رأي احد الأصدقاء يبدأ "بالفت خارج الصحن"، وأن الوقت لم يكن مناسبا له لكنه اضطر للحضور، وان الوقت الممنوح للمتداخلين غير كاف ويكون حديثه بما يعرف وما لا يعرف، ويصبح هو صاحب الاختصاص والمعرفة، ويبدأ الهجوم على الجهة المنظمة وان عنوان المؤتمر غير مناسب، وكان من المهم أن يكون عنوانا أخرا، وأن يوم واحد لا يكفي، وكان يجب أن يمتد المؤتمر لثلاثة أيام على الأقل، بالاضاقة للحديث الجانبي وعدم الجرأة على الحديث العلني والنقد سواء كان سلبي أو ايجابي.

وتكون المصيبة كبيرة عندما يكون المؤتمر منظم من قبل مؤسسات حقوق الإنسان، حيث يكون التشكيك والهجوم عليها بسبب ومن دون سبب في طريقة مفضوحة لعدم فهم طبيعة ودور منظمات حقوق الإنسان واختصاصاتها وحدود عملها، ووطنية العاملين فيها ودورهم الكبير في فضح الانتهاكات الإسرائيلية من خلال حدود دورهم وقدرتهم، وفي النهاية تكون هي المسؤولة عن كل المصايب التي حلت بالشعب الفلسطيني، وهي سبب الانتهاكات التي تقع ضد الفلسطينيين.

هذا ما يدور داخل ندواتنا وورش العمل والمؤتمرات التي تعقد، وما يثير الحزن والغضب في آن واحد هو عدم الفهم لطبيعة عمل ودور منظمات المجتمع المدني بصفة عامة، والتقليل من أهمية تلك المؤتمرات، وأهل الاختصاص والخبرة الذين يشاركون من خلال أوراق العمل المقدمة منهم، والتوصيات التي تخرج عن تلك المؤتمرات، وقيام حفلات التشكيك في دورها وعملها ونزاهة القائمين عليها.

كل ذلك يعبر عن الثقافة السائدة في مجتمعنا من إصدار الأحكام المسبقة، والقول أن هذه المؤتمرات تكون احتفالية وتكلف أموالا طائلة مشروطة، وتكلف "شيء وشويات" وهي فائضة وكان يجب تعيين موظفين جدد في المؤسسات أو تعطى الأموال للمحتاجين بدلا من هذا التبذير.

ويظل السؤال المشروع، هل طريقة عقد المؤتمرات والعدد الكبير نسبياً لها تؤدي الهدف والغرض المطلوب منها؟ وهل الجهات المختصة في السلطة تأخذ بالاعتبار تلك التوصيات وما يصدر من تقارير ودراسات عن مؤسسات المجتمع المدني؟ علينا التفكير والنقاش بشكل جدي في جدوى تلك المؤتمرات، وعدم توجيه الاتهامات النابعة من ثقافة سائدة في مجتمعنا، وما يزيد الأمر استغراباً هو غياب الضمير الجمعي لدى أولئك الذين يشنون الهجوم والتشكيك، وهم لا يعلمون أو ربما يعلمون بأنهم يساهموا في التشكيك في قيم جميع الفلسطينيين.

* باحث وكاتب فلسطيني مقيم في غزة - Mustafamm2001@yahoo.com

http://www.miftah.org