لا جدوى لإسرائيل من عدوان جديد على غزة
بقلم: حماد صبح
2011/12/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13255

لا يتوقف سيل التهديدات الإسرائيلية باجتياح قطاع غزة عن التدفق . تهديدات ساسة وعسكريين عاملين واحتياطيين . بني جانتس رئيس هيئة الأركان يخبر وحدة من الجنود الجدد بأن "إسرائيل تتهيأ لعملية عسكرية ضد قطاع غزة " ، وجنرال الاحتياط القائد السابق للجبهة الجنوبية يوآف جالانت يصرح في نادي رجال الأعمال الأكاديمي في جامعة تل أبيب بأن " الجيش الإسرائيلي سيضطر في النهاية إلى دخول قطاع غزة بالبلدوزرات " ، وكلمة " بالبلدوزرات " فيها الكثير من التلميح إلى عنف الاجتياح ووحشيته .

ويعلل جالانت _ الذي تجرع حسرة الانسحاب من قطاع غزة حين أغلق بيده بوابة كيسوفيم التي كانت مدخل الإسرائيليين مستوطنين وجنودا

إلى وسط وجنوب القطاع _ اجتياح القطاع بما يأتي : أولا : حملة الرصاص المصبوب في آخر 2008 وأول 2009 لم تأتِ بما أتت به حملة السور الواقي الإسرائيلية ضد الضفة في مارس 2002 من تهدئة وكف لنشاط المقاومة الفلسطينية ، ويقول في هذه الناحية : " في قطاع غزة لم يقص العشب فنبتت أشواك " .

ثانيا : يرى أن حماس ضعيفة عسكريا ، وأي هجوم على قطاع غزة سيجعله " ساحة تدريب جيدة تشكل مقياسا لساحات أخرى " . وفي التعليل الثاني للعدوان تتركز كثير من الحقائق الموصولة بنفسية العدو الإسرائيلي وسلوكه ونظريته الأمنية .

إنه دائما قلق مهموم بردع أعدائه وما يحركه هذا الردع من حروب وهجمات وقائية إن لم يكن حافزها عسكريا مباشرا كان نفسيا بحتا ، وهو ما يطابق حاله مع غزة التي قد تشكل إزعاجا عسكريا له ، لكنها لا تشكل أي تهديد من الوزن الاستراتيجي ، ومع هذا لم تكف إسرائيل منذ انسحابها عن مهاجمتها ، وارتقت المهاجمة إلى أقصاها في عدوان حملة الرصاص المصبوب .

والمسجل في هذا المنحى أنه ما أن هدأت الاستنكارات والإدانات لذلك العدوان بعد التلاعب لصالح إسرائيل باستنتاجات تقرير جولد ستون حتى تجددت التهديدات الإسرائيلية للقطاع بعلة أن ذلك العدوان لم ينجز هدفه الأساسي بالقضاء على أي شكل من أشكال النشاط العسكري الصادر من القطاع . ويتصاعد البعد النفسي الإسرائيلي حاليا للعدوان على غزة أكثر من السابق . إسرائيل ليست قادرة حاليا على دخول حرب مع أعدائها الألداء الآخرين ، أي إيران وسوريا وحزب الله ، وهي قلقة متوجسة من جهة مصر ومتحيرة في تحديد مسار الأحوال فيها ، وتشاؤمها من مسارها أكبر من تفاؤلها منه ، فلا يبقى سوى غزة ميدانا لاختبار قوة الردع الإسرائيلي لتحذير الأعداء الآخرين وتهدئة قلق الإسرائيليين من مآلات وتمخضات ما يضطرم حولهم في العالم العربي من أحداث وتحولات . غزة هي السياج الواطئ الذي تستطيع إسرائيل التسلل من خلاله أو القفز فوقه وخطف بعض ما تريد من الفاكهة والعودة سالمة ماخلا بعض الخدوش في جسدها وسمعتها . إنها فلسفة عنترة شاعرنا القديم في القتال .

سألوه مرة عن مصدر شجاعته في القتال ، فأجاب بأن الأمر لا علاقة له بالشجاعة ، وكل ما يفعله أنه يتفحص جمع أعدائه ويميز أضعف رجل فيه ، فيضربه ضربة هائلة تنخلع لها قلوب الشجعان الحقيقيين ، وهذا ما تريده إسرائيل من عدوانها الذي لا تتوقف عن تهديد غزة به . إنه تحذير للآخرين الأقوياء الذين لا تستطيع قتالهم عمليا دون مخاطر فادحة تطالها ولا تقوى على احتمالها .

موفاز رئيس لجنة الشئون الأمنية في الكنيست كشف قناعته بأن التهديدات الاجتماعية في إسرائيل أخطر عليها من قنبلة إيران النووية ، فهل غزة واقعيا أخطر من تلك القنبلة ؟ وحذرت وزيرة الخارجية الأميركية الإسرائيليين من خطورة تلك التهديدات الداخلية على مصيرهم والتي تظهر في الدعوة للحد من صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا ، والقوانين الداعية لتقييد حرية الصحافة ، وقوانين التشديد على تمويل الجمعيات المدنية ، والفصل بين الرجال والنساء الذي تدعو إليه بعض الجماعات الدينية المتشددة . مشكلات إسرائيل أكبرها وأخطرها داخلي ، ولكنها تضخم المشكلات الخارجية هربا من مواجهة المشكلات الداخلية؛ لذا فالعدوان مجددا على غزة لن يحل لها تلك المشكلات ، وهو أيضا لن يحل مشكلتها السياسية مع الفلسطينيين ، وبين هذه المشكلة و المشكلات الداخلية جذور تداخل وتفاعل لتتألف في النهاية مشكلة مجتمع استيطاني ملفق أقحم في منطقة لا علاقة له بها ؛ وكان تلفيقه على حساب أهلها وعذابهم ، وانتهى أمره بالعجز عن التكيف معها رغم كل ما قدم له من مغريات ومهادنات ، ويحسب القوة العسكرية حلا لهذا العجز ، وهي في الحقيقة ليست سوى مسكنات عابرة التأثير لن تشفيه من علله المتجذرة في خلايا أنسجته ، فلا جدوى من عدوان جديد على غزة .

http://www.miftah.org