المصالحة الوطنية يجب ان تتجاوز التصورات المفرقة، والتلاقي على الثوابت والأهداف
بقلم: عباس الجمعة
2011/12/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13282

اليوم تشكل قضية المصالحة الفلسطينية موقع هام في ضوء الاجتماعات التي ستجري في القاهرة، ونحن نتطلع الى هذه الاحتماعات، نؤكد على الجميع بأن وحدة الشعب الفلسطيني على اختلاف انتماءاته يجب ان تنصب في قضاياه الجوهرية وخاصة بعد فشل عملية المفاوضات وخداع الرباعية.

ان الوحدة الوطنية هدفا ساميا ينطلق التطلع إليه من الرغبة في تجاوز التصورات المفرقة، والتلاقي على الثوابت والأهداف، وتأجيل النزاعات المؤقتة، والتركيز على مواجهة خطر خارجي كبير.

ان تجارب الشعوب تؤكد مع معطيات التاريخ على امتداد مسيرته ان الوحدة الوطنية هي القاعدة الأساسية والرئيسية لضمان هزيمة وانكسار القوى الاستعمارية والمحتلة، وافشال مخططاتها ومشاريعها التآمرية والتصفوية، والسبيل الوحيد لتحقيق اهداف وتطلعات الشعوب في مرحلة التحرر الوطني، سواء كانت مرحلية أو استراتيجية.

ان التجارب التاريخية تؤكد ان انقسام وتشرذم وتشتت القوى الوطنية المختلفة في رؤاها وطروحاتها، يجعلها فريسة سهلة في براثن واطماع القوى الامبريالية المتحالفة مع بعضها البعض في مواجهة القوى الوطنية، المعبرة عن طموحات وآمال الجماهير الشعبية العريضة نحو مستقبل أفضل وأجمل وأكثر اشراقاً.

فالوحدة الوطنية هي صمام الأمان والضمانة الأكيدة للمستقبل، وهي قادرة ليس فقط ارغام أكبر قوة استعمارية في العالم على التراجع، وانما الحاق الهزيمة بها من خلال استراتيجية وطنية وكفاحية، ومن هذا المنطلق يحدونا التفاؤل والامل بالمؤشرات الوحدوية الجديدة على الساحة الفلسطينية، في اعقاب اللقاءات التي تمت بين الفصائل الفلسطينية مع القيادة المصرية في القاهرة واللقاءات التي بدأت اليوم والتي ستكون حاضرة فيها كافة الفصائل والقوى الفلسطينية من اجل تطبيق اليات اتفاق المصالحة وانهاء حالة الانقسام الفلسطيني، فقد كانت دائماً قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية برامج سياسية نضالية فاتحة أفق وناظمة حياة، فالقضية الفلسطينية قضية شعب وأمة.

وهذه الموشرات والبوادر يجب أن تقود الى بناء أوسع اصطفاف وطني فلسطيني، لمواجهة المخاطر المحدقة التي تحيط بالمشروع الوطني التحرري الفلسطيني. وكذلك اعادة منظمة التحرير الفلسطينية الى مواقعها الوطنية وتفعيل مؤسساتها، وبلورة مشروع وطني وسياسي فلسطيني مرحلي يلبي الطموحات الفلسطينية، تقبل به كل القوى الفصائلية والمجتمعية والأهلية الفلسطينية، التي تمثل جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، للضغط على المجتمع الدولي والرأي العالمي من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في هيئة الامم المتحدة، وبمقدور هذا النضال الدبلوماسي الى جانب النضال الشعبي والميداني على الأرض افشال المشاريع الامريكية والصهيونية، الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال للمناطق الفلسطينية، وابقاء الصراع مفتوحاً لصالح القوى المعادية.

فلتكن الوحدة الوطنية نابعة من مصداقية عالية وليس التفكير بالسلطة او بسياسة الالغاء واعتبرها هدفاً ووسيلة، وحتى تتكاتف الجهود الوطنية على الساحة الفلسطينية لوأد الانقسام والتشرذم المدمر، والاسراع في ترميم البيت الفلسطيني واعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على أساس مشروعها الوطني، الذي يلبي أماني شعبنا بالحرية والاستقلال، واقامة دولته الوطنية المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس، وليتم تحويل التفاؤل الذي ينتظره الشعب الفلسطيني بالمصالحة والوحدة الى حقيقة واقعة وملموسة.

ان العدو الصهيوني لا يفرق بين فصيل وآخر وبين مناضل واخر بعدوانه، وهذا بكل تأكيد يتطلب من الجميع التعالي على الجراح لما تقتضيه معايير الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للوطن والشعب، للأرض وتحريرها، للتراب الفلسطيني ومن يعيش عليه تحت الاحتلال أو خارج نطاقه في اماكن اللجوء والشتات والمنافي البعيدة، ومواجهة الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية.

نحن اليوم علينا ان نثبت إن الشعارات البراقة التي تريد تحرير فلسطين من النهر الى البحر في ظل واقع عربي مشتت لا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية وستؤثر سلبا على الوحدة الوطنية الحقيقية ومصلحة شعبنا العليا، وخاصة ان الوقود الشعبي للمقاومة الشعبية يشكل برهاننا اكثر قوة في مسار النضال الوطني، ونحن ما زلنا نؤكد أن أي حل مرحلي هو خطوة على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي، الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال النضال بكافة اشكاله، وينبغي أن نقول ان قضية فلسطين ما تزال، هي القضية المحورية المركزية، وما يجري من حراك شعبي عربي يؤسس لدعم القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني في ظل محاولات الولايات المتحدة الامريكية أن تصور الأمر وكأنها تقود الثورات العربية، فالادارة الامريكية، تسعى وعبر سياسة مخادعة ومكشوفة للتدخل لحرف الثورات عن أهدافها، فالمنطقة العربية منطقة حيوية بالنسبة لللادارة الامريكية والقوى الاستعمارية، لكن الجماهير ستتمكن في النهاية، عبر وعيها ويقظتها، من تحقيق أهدافها.

وما رفع العلم الفلسطيني للمرة الأولى أمام مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في باريس، الا انتصارا دبلوماسيا كبير للفلسطينيين بالرغم من المعارضة القوية من جانب الولايات المتحدة وكيان الاحتلال.

ان رفع العلم الفلسطيني في منظمة اليونيسكو يعد خطوة إلى الإمام نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهو يأتي في سياق الجهود التى تقوم بها الدبلوماسية الفلسطينية من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا سيضع المجتمع الدولي امام مسؤوليته بفتح كل الملفات التي تدين حكومات الاحتلال امام المساءلة لما تقوم به في الأراضى العربية المحتلة وما يجري في المسجد الأقصى ومسألة تهويد القدس والأماكن المقدسة ومشاريعها الاستيطانية في الضفة القدس وحصارها وعدوانها على قطاع غزة.

ان هذا الانتصار الدبلوماسي العظيم الذي حققته فلسطين في اليونسكو يشكل ارضية أمامنا لتحقيق الانتصار الذاتي الكبير، من خلال أن ننتصر على أنفسنا، ونعمل على تعزيز وحدتنا من خلال تطبيق اليات اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، وأن المعركة السياسية يجب أن تكون ضمن رؤية واستراتيجية تحافظ على منظمة التحرير الفلسطينية وحق العودة، وضمن هذه الرؤية يمكننا خوض المعركة بكافة اشكالها النضالية في مواجهة المخططات الصهيوامريكة.

* عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية. - sawtalghd@hotmail.com

http://www.miftah.org