زمن الميلاد الفلسطيني..!!
بقلم: أنطون سابيلا
2011/12/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13305

هناك من الإسرائيليين (بمن فيهم حكومة السيد نتنياهو والمستوطنين) من ينظر إلى أفق اسرائيل فلا يرى سوى يهود واسرائيليين، وهناك ايضا من الفلسطينيين من يفعل الشيىء ذاته ويتجاهل ما هو موجود في فلسطين وما بعدها ويرتبك في التعامل مع الواقع الذي حوله وبذلك يترك الساحة للإسرائيلي كي يلعب اللعبة السياسية وفقا لما يراه مناسبا له.

وفي هذه الزيارة التاسعة عشر التي اقوم فيها إلى فلسطين منذ أن غادرتها إلى استراليا في نهاية السبعينات وجدت أن المُحتل ازداد عنادا في هدفه للإستيلاء على الأرض الفلسطينية. وأذكر أنني كتبت في الثمانينات أنه سيأتي يوم سيقوم فيه الإسرائيلي بمحاولة الإستيلاء على أراضي الأديرة المسيحية، وهذا ما هو حاصل حاليا بالنسبة لأراضي دير الكريمزان والأديرة الأخرى، وهذا غيض من فيض من الآتي الأعظم.

ولسنا بحاجة للتذكير أن عيد الميلاد هو مناسبة للتأكيد للإسرائيلي والعالم أن هذه الأرض المقدسة هي للجميع وأن الشعب الفلسطيني يتألف من مسلمين ومسيحيين، ويهود ايضا، وأننا كشعب نحتفل في الأماكن العامة بجميع أعيادنا على أنها اعياد وطنية. لقذ كانت وما تزال مقولة الرئيس الشهيد ياسر عرفات برفع العلم الفلسطيني فوق مآذن وكنائس القدس هي المقولة التي تمثل إيمان الفلسطينيين بحقهم المطلق في عاصمتهم وتأكيدهم على مدنية وعلمانية دولتهم القادمة.

وغني عن القول أن عيد الميلاد هو عيد وطني للفلسطينين، ناهيك عن كونه عيدا رمزيا للعالم لأن التركيز الأكبر في المسيحية هو على زمن القيامة. ولن ندخل في جدال مع من يرون عكس ذلك ولكن عندما تضاء اشجار الميلاد من بيت لحم وحتى الصين (الأشد عداء للديانات) فهذا يعني أن أطفال العالم قد وحدوا الإنسانية بحبهم لفولكلوريات الميلاد وسانتا كلوز.

وفي زمن البراءة والطهارة السياسية وقبل أن يصبح مستقبل الوطن صاحب الأولوية القصوى في فلسطين إثر وعد بلفور كان المسلمون والمسيحيون واليهود يتشاركون في كل اعيادهم. وكان ذلك قبل بدء الإستيطان اليهودي الواسع النطاق في مطلع القرن العشرين. ففي عيد الفطر كان المسيحيون واليهود يتوافدون على الساحة الخارجية لباب العمود والمصرارة ليشاركوا المسلمين فرحة العيد السعيد، وفي المقابل كان المسيحيون والمسلمون يتوافدون على الساحة الخارجية من باب الخليل ليشاركوا اليهود احتفالهم بأعيادهم، وخاصة عيد الأنوار. ولا ننسى مشاركة المسلمين للمسيحيين في اعياد الفصح، وخاصة أحد الشعانين وسبت النور.

ومع هذه الحقيقة التاريخية فإن بلدية القدس الإسرائيلية التي تدعي أنها من أجل جميع سكان القدس "لم تتكرم" على سكان القدس الشرقية المسيحيين بنصب شجرة ميلادية في ساحة باب الخليل (الاقرب الى حارة النصارى وحارة الأرمن). واذا كان ذلك يعني شيء فإنه يعني من بين حقائق تاريخية أخرى أن اسرائيل التي تدعي ان القدس عاصمتها الابدية الموحدة تعترف ضمنا أن شرقي القدس هي مدينة عربية قائمة بحد ذاتها.

وإذا كنا نتحدث عن حقائق تاريخية فلا بد أن نذكر أن الفلسطينيين، وبالرغم من كونهم من أذكى شعوب المنطقة، كانوا وما زالوا يعانون من مشكلة الانقسامات المناطقية والقيادية والتي ما تزال تؤثر على قدرتهم في الخروج بصيغة نضالية واحدة مستدامة لإستعادة حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة.

وكي أكون عادلا فهذه الإنقسامات والرؤية القصيرة المدى للأمور غير محصورة في الوطن وانما منتشرة ايضا بين الجاليات الفلسطينية في المغتربات، وهذا هو احد أهم اسباب ضعف المغترب الفلسطيني وعدم تأثيره في البلاد التي إستقر فيها.

وهناك مشكلة أخرى يعاني منها الفلسطينيون وهي إبتعادهم الملحوظ عن التواضع السياسي، اي بكلمات أخرى الإستماع إلى الرأي الأخر والقبول به إذا ما كان هو الرأي السديد.

لقد لاحظت خلال زياراتي الأخيرة لفلسطين أن نسبة لا باس بها من الناس يريدون أن يسمع الآخرون رأيهم ولكنهم يتضايقون من سماع الأراء البديلة وحتى أن البعض يرفضونها. ومن المهم أن نذكر هنا أن قوة المجتمعات الديمقراطية في سائر انحاء العالم تكمن في التواضع السياسي الذي يضع مصلحة الوطن فوق اي مصلحة وكل الاعتبارات الأخرى.

مسألة أخرى لا بد من التعامل معها وهي مسالة الإستعلاء على بعضنا البعض أو حتى على السياح والضيوف الاجانب. لقد كنا وما زلنا معروفين بكرم الضيافة وآداب التعامل التجاري وعلينا الأ نفقد هذه الميزة لأن آباؤنا واجدادنا بنوا لنا السمعة الطيبة على مدى الأجيال وعلينا أن نحافظ عليها ليس فقط إكراما لهم وانما ايضا من اجل مستقبل اولادنا ووطننا.

والفلسطينيون بحاجة أن يكونوا اصدقاء أنفسهم أولا وقبل كل شيء. فالإنسان الذي يقسو على نفسه إنما يقسو على وطنه ومستقبله، كما أن على الفلسطينيين عدم قطع الجسور مع المثقفين والمفكرين اليهود والإسرائيليين وغيرهم بحجة مقاومة التطبيع لان عالم الانترنت قد اسقط الحواجز و"الموانع" ومن الافضل أن نتحاور ونجادل ونستمع وجها لوجه.

واعتقد أن علينا أن نحتفظ بأوراقنا السياسية لوقت الحاجة لأن كل ورقة نربحها تعني خطوة أخرى نحو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ولن ننسى الاسرى والشهداء والأيتام وعائلاتهم في هذه العجالة الميلادية لأنهم قبل غيرهم ابطال ميلاد الدولة الفلسطينية.

ويأتي الميلاد هذا العام مع بدء مرحلة لم شمل البيت الفلسطيني وهو ما نعتبره فرحة اخرى من افراح موسم الميلاد ورأس السنة الجديدة. واذا تحقق الحلم الفلسطيني بالوحدة الوطنية الكاملة والشاملة فإنه حق علينا أن نعتبر عيد الميلاد هذا بأنه زمن الميلاد الفلسطيني، وهو زمن بحاجة ايضا أن نكون فيه مميزين عن جميع الآخرين في منطقتنا كي يقتنع العالم بجدوى قيام الدولة الفلسطينية وحتى لا يكون قيام هذه الدولة العتيدة مجرد حلم أو حتى سراب.

* كاتب وإعلامي فلسطيني يقيم في استراليا. - asabella@ihug.com.au

http://www.miftah.org