شكرا مصر .... قطار الربيع الفلسطيني انطلق
بقلم: د. يوسف صافى
2011/12/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13311

شكرا مصر الشقيقة قلب الأمة العربية النابض، وحضن فلسطين الدافئ، فالتاريخ يشهد لمصر أرض الكنانة مواقفها الأخوية المسئولة والشجاعة والنبيلة ومسئولياتها الجسام التي تحملتها بكل كفاءة واقتدار تجاه امتنا العربية وقضاياها وعلى رأسها قضية فلسطين، وها هي اليوم تضيف إلى سجلها المشرف انجازا ضخما من خلال تحقيق اختراق غير مسبوق على صعيد إعادة اللحمة لوحدة الصف الفلسطيني، فبفضل الجهود المصرية الإبداعية الخلاقة التي لا تكل ولا تمل والتي لم تتوقف على طريق إنهاء ملف الانقسام المشين، فقد جاء التوقيع على وثيقة المصالحة من قبل طرفي الانقسام أي حركتي فتح وحماس وكذلك من قبل كل الأحزاب والقوى السياسية والمستقلين، ومن ثم فقد جاء أخيرا التوقيع على تنفيذ تطبيق بنود وثيقة المصالحة من قبل جميع القوى والفصائل السياسية على الساحة الفلسطينية كانجاز تاريخي يؤسس لوحدة فلسطينية حقيقية على طريق تحقيق أهدافنا الوطنية.

اعتقد جازما أن قطار المصالحة وإنهاء الانقسام قد انطلق من مصر الشقيقة، وهذا بالمناسبة يشكل خطوة هامة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق أهدافنا وطموحاتنا في الوحدة والتحرير والاستقلال، ولكن وبكل تأكيد فقد جاء دورنا ككل وطني فلسطيني لنأخذ مسئولياتنا على طريق التطبيق الكامل والأمين والدقيق والشجاع للبنود التي تضمنها وثيقة المصالحة، وليعلم الجميع أن الكل تحت الاختبار أمام الشعب الفلسطيني.

إن فلسطين اكبر من وفوق الجميع، كما أن قضايانا لا يمكن لاى فصيل سياسي أيا كان شأنه وقوته وتعداد أفراده أن يجد لها الحلول منفردا، كما أن ما نواجهه من تحديات حاضرة ومستقبلية اقل ما يقال فيها وعنها أنها تحديات جسام بل ومن النوع غير التقليدي، والتي لا بد من مواجهتها من خلال أساليب غير تقليدية. إن نجاحنا في مواجهة التحديات مرهون أولا وقبل كل شئ بقدرتنا على توحيد وتمتين وتصليب وتقوية جبهتنا الفلسطينية الداخلية شعارا وتطبيقا، وهو ما يحتم علينا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الركائز التالية:

أولا: قد لا نبالغ القول أننا أمام انجاز غير مسبوق في ساحتنا الفلسطينية فيما يخص بنية منظمة التحرير الفلسطينية، فلأول مرة لربما تنضوي جميع القوى السياسية الفاعلة على اختلاف مشاربها السياسية تحت لواء المنظمة من خلال الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية أو ( لجنة تفعيل المنظمة)، الأمر الذي يتطلب من الجميع التأسيس لبداية جديدة يكون عنوانها الرئيس الشراكة الحقيقية في صناعة القرار الفلسطيني، على قاعدة احترام الأقلية للأغلبية، وعلى قاعدة التزام الجميع موافقا أو معارضا أو محايدا بالقرار والدفاع عنه، كما يتطلب البحث في استراتيجيات موضوعية قادرة على إعادة بناء المنظمة وتفعيلها على أسس وطنية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بالارتكاز على انتخابات حرة ونزيهة للمجلس الوطني الفلسطيني وبالتالي قيادة جديدة لمنظمة تحرير واحدة موحدة خطابا وأهدافا وخططا واستراتيجيات تحظى بدعم جماهيري يمكنها من مواجهات تحديات المرحلة.

ثانيا: أما فيما يخص تأجيل النظر في ملف حكومة الكفاءات توافقا وتفاهما من قبل كل القوى والفصائل السياسية إلى ما بعد 'استحقاق' السادس والعشرين من يناير المقبل حيث ستعلن الرباعية الدولية ردها بشأن المفاوضات وعملية السلام مع الجانب الاسرائيلى وتحديدا فيما يخص مسألتي الأمن والحدود، فإننا نؤكد على ضرورة التقيد بتشكيل حكومة الكفاءات بعد هذا التاريخ مباشرة دون أي تأجيل أو تسويف أو مماطلة أيا كانت المبررات من قبل أي من القوى السياسية، وأيا كان رد الرباعية الدولية سلبا أم إيجابا، حكومة تكون قادرة على رفع الحصار، والبدء في الاعمار الذي انتظره أبناء قطاع غزة صبر أيوب، ومن ثم الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني وضمان تنفيذها والإشراف عليها.

ثالثا: حسب تفاهمات وتوافقات الفصائل والقوى السياسية في القاهرة، فان الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني ستجرى في مايو القادم 2012، وهذا بالمناسبة انجاز كبير يعيد الاعتبار للعملية الديمقراطية في فلسطين، خصوصا بعد أن تم التوافق على تشكيلة لجنة الانتخابات المركزية، وبعد أن قام الأخ الرئيس أبو مازن بإصدار مرسوم رئاسي فيما يخص تشكيل اللجنة، ولكنى أظن وغيري كثيرون أن طريق العملية الانتخابية الفلسطينية لن تكون مفروشة بالورود والرياحين، الأمر الذي يتطلب من الكل الفلسطيني الاستعداد الجاد والمخلص والمبدع لتذليل أية عقبات أو عراقيل يمكن أن تعترض العملية الانتخابية على شاكلة قيام الاحتلال بتعطيل إجرائها في موعدها أو عدم السماح بتنفيذها في مناطق معينة مثل القدس الشريف، ولتهيئة كل الأجواء لضمان نجاحها في تحقيق أهدافها، ولحشد اكبر مشاركة شعبية في الانتخابات لضمان أوسع تمثيل، ولتوفير رقابة محلية ودولية عليها لضمان نزاهتها وشفافيتها وسلامة نتائجها بما يعزز قبول واحترام نتائجها من قبل الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي.

رابعا: رغم الإفراج عن أعداد من المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الأمر الذي وجد سعادة وارتياحا في ساحتنا الفلسطينية، إلا أن ملف المعتقلين المشين لا يزال يلقى بظلاله على عملية المصالحة، إذ لا معنى بالمطلق للحديث عن وحدة وطنية وعن شراكة في صناعة القرار إذا كان لدينا معتقلا سياسيا واحدا في سجوننا، وهو ما يتطلب من اللجنة الفصائلية المكلفة بمعالجة هذا الموضوع أن تبادر على الفور في وضع وتنفيذ الآليات القابلة للتطبيق بما يضمن إغلاق هذا الملف وإلى الأبد، وما يعنيه هذا من ضرورة تعاون الإخوة في حركتي فتح وحماس تعاونا صادقا وجادا ومخلصا وأمينا لتسهيل مهمة لجنة الفصائل في تحقيق أهدافها، وضرورة الاستفادة من دور الراعي المصري باعتباره مشرفا وضامنا لتقيد الجميع بإغلاق هذا الملف المشئوم.

خامسا: لم يعد خافيا على احد أن إعلامنا الفلسطيني في اغلبه إنما هو إعلام فئوي يغلب الفصائلى على الوطني، كما لا يستطيع احد أن ينكر حقيقة مساهمة هذا الإعلام الفئوي في تعزيز وتعميق الانقسام السياسي والجغرافي والتشريعي والمجتمعي والأسرى ... الخ، ومن هنا نؤكد على ضرورة قيام الإعلام باستخلاص العبر والدروس أولا من مرارة وألم التجربة السابقة، ومن ثم توحيد الخطاب الاعلامى ضمن إستراتيجية إعلامية واحدة موحدة تعزز مفاهيم وقيم ومبادئ الانتماء والمواطنة والسلم الاهلى والتسامح والتعاون والتضامن والتكافل الاجتماعي واحترام الرأي والرأي الآخر المخالف باعتبارها ركائز لوحدة وطنية فلسطينية حقيقية تؤسس لشراكة حقيقية في صناعة القرارات على كافة الصعد، إستراتيجية إعلامية تسلط الضوء على قضايا وهموم الوطن والمواطن، إستراتيجية إعلامية تمجد وتعلى من شأن المصيب وتنتقد صراحة ودون مواربة المخطئ أيا كان موقعه الوظيفي أو انتماؤه أو فصيله السياسي أو عشيرته أو قبيلته.

سادسا: بدون شك فان الحريات العامة إنما هي حقوق إنسان، وهى حقوق أصيلة كفلتها الشرائع السماوية وقوانينا وتشريعاتنا الفلسطينية، ناهيك عن القوانين والمعاهدات الدولية، وهذا يتطلب ليس فقط التوقف الفوري عن أية ممارسات تنتهك حريات الناس، بل تعزيز احترام هذه الحريات ثقافة ومنهجا وتطبيقا في المجتمع الفلسطيني، وهذه بالمناسبة مسئولية تقع على عاتق لجنتي قضايا الحريات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة التي يجب أن تكون مرجعيتها الأساسية الناظمة لعملها مجموعة القوانين والتشريعات الفلسطينية.

http://www.miftah.org