بعد عام الرّبيع العربيّ، هل سيشهد العام المقبل ربيعًا فلسطينيًا؟
بقلم: هاني المصري
2011/12/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13314

بعد أيام قليلة يسدل الستار على العام 2011 الذي كان عامًا مختلفًا جدًا عن الأعوام التي سبقته، فهو عام بداية الربيع العربي الذي لم ينته بنهايته، ويحمل آمالًا بأن يزهر ربيعًا فلسطينيًا، وأن ينتقل إلى بلدان عربية جديدة.

لقد فُتِحت آفاقُ التغيير العربي ولنْ تغلقَ على الرغم من حالة المد والجزر، والتحديات والمخاطر والفرص، والسباق المحموم والتنافس بين الربيع العربي وبين المؤامرة لفرض سايكس بيكو جديد واحتواء الربيع العربي وتحويله إلى تغيير شكلي، وربما إلى بداية فتنة أو فتن، عنوانها الصراع بين السّنة والشّيعة، والإسلام المعتدل مع الإسلام المتطرف، والمسلمين والمسيحيين، والأغلبية والأقليات، والعرب وإيران في مساعٍ داخلية وخارجية لخلط الأولويات، وصرفًا للأنظار عن الصراع بين الشعوب العربية التي تتوق لأخذ مكانها تحت الشمس، والاستعمار والاحتلال الذي تشكل إسرائيل أداته الرئيسية.

لم يكن أحد يتصوّر حتى في أكثر أحلامه خياليةً، أن عامًا واحدًا سيحمل معه كل هذا القدر من التغيير، وأن بن علي ومبارك والقذافي باتوا خارج الحكم، وأن اليمن بدأت بنقل السلطة، وسورية تشهد صراعًا عنيفًا دمويًا مفتوحًا على عدة احتمالات مرعبة وواعدة، وأن بقية الدول العربية، الخليجية تحديدًا، لن تبقى طويلًا بمنأى عن وصول رياح التغيير إليها، لذلك تحاول شراء صمت شعوبها بالرشاوي والعطايا وإجراء إصلاحات محدودة،والمساهمة في احتواء بلدان الربيع العربي حتى لا تغدو نموذجًا للتغيير قادرًا على الانتشار في عموم المنطقة العربية.

إن الإنسان العربي الذي خرج من قمقم الاستبداد والفساد والتبعية والتجزئة، وبات، لأول مرة منذ عشرات السنين، يُخِيفُ الحاكم بعد أن خاف منه مدةً طويلة، لا يمكن أن يعود كما كان لأنه أدرك أنه قادرٌ على تغيير واقعه البائس، وأنّ الثمنَ الذي سيدفعه جرّاء الثورة سيبقى مهما كَبُرَ أقل من ثمن استمرار الحال على ما هو عليه، فليس لدى المواطن العربي ما يخسره سوى القمع والفقر والبطالة والمرض والأمية والاستغلال والتمييز والظلم والتخلف.

وما يبعث على الأمل أن انتصار الإسلاميين لا يعني بالضرورة نشوء أنظمة دينية أحادية، وإنما هناك ما يشير إلى إمكانية قيام أنظمة ديمقراطية تعددية، ما يعني أن الإسلاميين صعدوا، ولكنهم يمكن أن يقيموا أنظمة ديمقراطية، ما يجعل انتصارهم ليس انتصارًا للنظام الذي بشّروا به، ولا هزيمة خصومهم القوميين واليساريين والليبراليين هزيمة كاملة.

إن الإسلام السياسي كان المرشح للتقدم، لأنه البديل المتوفر عن الأنظمة القومية الديكتاتورية بعد أن فشلت أو هزمت أو تحولت بعد فشل مشروع الوحدة العربية، وبعد أن ألقت راية التحرر الوطني والاستقلال والسيادة في الأقطار العربية التي شهدت ثورات قادها العسكر، ولكن هذا لا يسقط أنها في مرحلة الصعود التي استمرت حتى هزيمة حزيران العام 1967 أنجزت إنجازات تاريخية لا يمكن إنكارها على الرغم من أنها انتهت بعد ذلك إلى كوارث أدت إلى ما نحن فيه.

فثورة الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر، نقلت مصر من حال إلى حال، ولا يمكن مقارنتها بحكم السادات ومبارك اللذين قزّما مصر محليًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا، بحيث وصلت إلى ذيل قائمة الدول في العالم بعد أن كانت تحتل مكانة متقدمة.

في هذا السياق، فإن الثورات الديمقراطية العربية المندلعة تخطئ كثيرًا إذا أهملت مسألة التحرر الوطني والسيادة والاستقلال، وتصورت أن ما ينقص البلدان العربية فقط هو الديمقراطية، وأن الديمقراطية هي مجرد إجراء الانتخابات أو ديمقراطية سياسية فقط، بينما هي ديمقراطية يجب أن تشمل كل المستويات والقطاعات بما فيها العمل والإنتاج. فالديمقراطية هي شكل من أشكال ممارسة الحرية، والحرية مفقودة في البلدان العربية، سواء حرية المواطن أو حرية الوطن، ولا يمكن الاستغناء عن واحدة منهما بالأخرى.

لا يمكن قبول أن الثورات العربية بشكل عام أو في بعض البلدان مثل ليبيا وسورية بحاجة إلى تدخل دولي حتى تنتصر، 'فالذي يستعين بالشيطان يصبح عبدًا له'،'واللي يجيب الدب على كرمة'، عليه أن يعرف أن الدب سيأكل العنب ويخرب كل شيء. فالاستعانة بالأجنبي عندما يكون هذا الأجنبي طامعًا ومستعمرًا لا يقل سوءًا، إن لم يكن أسوأ من استمرار واقع الاستبداد والفساد والتبعية والقمع الدموي، وأمامنا ما جرى ويجري في العراق ما يؤكد أن بقاء صدام حسين بكل جبروته وشره أقل بؤسًا مما حدث بعد الإطاحة بنظامه على ظهر دبابات المحتلين.

فالثورة حتى تكون في صالح شعبها وتقدمه عليها أن تعتمد على ذاتها وعلى دعم الثوار ودعاة التقدم والمساواة والحرية والديمقراطية في المنطقة العربية أولًا، وفي العالم كله ثانيًا.

إن الضمان الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه، هو أن المواطن العربي أدرك أنه قادر على التغيير، وأنه يجب أن يشارك بشكل دائم في حدوثه، بحيث لا يتنازل عن هذه المهمة لا لمجلس عسكري ولا لحزب سياسي إسلامي أو قومي أو يساري أو ليبرالي، فالمواطن الحر الواعي والمبادر والمؤمن بقدراته وبضرورة المشاركة هو الذي سيردع كل المحاولات لاحتواء الثورة، ويمنع انتصار الثورة المضادة.

وبالانتقال إلى فلسطين التي لم تشهد ربيعًا فلسطينيًا بعد لأسباب ليس هنا مجال للخوض فيها، بالرغم من أن الشعب الفلسطيني كان سبّاقًا دائمًا بإطلاق الثورات والانتفاضات، إلا أن هناك مقدمات وإرهاصات يمكن أن تؤدي إلى ربيع فلسطيني تجسّدت في:

أولا: الحراك الشبابي الفلسطيني الذي بدأ ويمكن أن يظهر مجددًا، سواء الذي شهدته فلسطين ضد الاحتلال والانقسام، أو خارجها ضد الاحتلال، كما لاحظنا بالتظاهرات العارمة على الحدود في ذكرى النكبة 15 أيار وذكرى الهزيمة 5 حزيران.

ثانيًا: البدء في عملية المصالحة كما شاهدنا بالتوقيع على اتفاق المصالحة الوطنية في الرابع من أيار الماضي، وفي تأكيد الالتزام بتطبيقه في اجتماعات القاهرة في 18 و20 و22 من الشهر الجاري، فهناك بعد الربيع العربي والانسداد التام في طريق ما يسمى 'عملية السلام' وتعليق المقاومة المسلّحة؛ تبلورت مصلحة للأطراف المتنازعة تدفع بالمصالحة وتدعم الفرصة المتوفرة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التي تستند إلى وصول كل الأطراف والإستراتيجيات إلى مأزق، وبروز الحاجة لشق طريق جديد وبلورة إستراتيجية قادرة على تحقيق ما عجزت الإستراتيجيات المعتمدة عن تحقيقه.

ولكن هناك خشية حقيقية من أن تتحول عملية المصالحة إلى عملية من دون مصالحة، وتنتهي إلى اعتماد خط سياسي واحد انتظاري يراهن على الآخرين وليس على الشعب الفلسطيني وما يمكن أن يبادر إليه وعلى عمقه العربي والدولي، وإلى إدارة للانقسام وصولًا إلى الاقتسام في وقت أصبح واضحًا فيه أنه من دون وحدة وطنية حقيقية لا يمكن أن يسير الشعب الفلسطيني في طريق قادر على تحقيق أهدافه ومصالحه وطموحاته.

ثالثا: التوجه إلى الأمم المتحدة من خلال تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين إلى مجلس الأمن، والخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة، الذي يمكن أن يكون بداية لمرحلة جديدة، أو مجرد تسجيل موقف للتاريخ، أو وسيلة للضغط لتحسين شروط استئناف المفاوضات.

وحتى يكون ما حدث في العام 2011 على الصعيد الفلسطيني نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة، يجب أن لا يكون الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، ولا إنجاز المصالحة، ورفع شعار المقاومة الشعبية، ولا الحديث عن حل السلطة حينًا وتغيير شكلها ووظائفها والتزاماتها حينًا آخر، مجرد شراء للوقت، ووسائل تكتيكية لحين استئناف المفاوضات التي فشلت فشلًا ذريعًا، وكان محكوم عليها بالفشل، لأنها افتقدت للمقومات والشروط الكفيلة بإنجاحها، وأهمها وجود موازين قوى متكافئة، ووجود أوراق قوة وضغط وبدائل أخرى في يد الفلسطينيين يستطيعون أن يلجأوا إليها، خصوصًا إذا فشلت عملية السلام التي ولدت ميتة.

إن أقصر طريق للسلام هي الاستعداد للحرب، وإذا لم يدرك الاحتلال الإسرائيلي أن احتلاله أصبح أو سيصبح خاسرًا وليس احتلالًا مربحًا وهادئًا ومريحًا،أو أن السلام سيحقق له أرباحًا أكبر من الأرباح التي يجنيها من الاحتلال لن ينسحب، لذلك المشوار لا يزال طويلًا، والحل الوطني ليس على الأبواب، والدولة الفلسطينية ليست على مرمى حجر.

نأمل أن يكون العام 2012 عام الربيع الفلسطيني، عام اعتماد إستراتيجية جديدة بديلة عن إستراتيجية المفاوضات لوحدها والمقاومة لوحدها، بحيث انتهينا إلى وضع لا يوجد فيه مفاوضات ولا مقاومة،إستراتيجية كفاحية تجمع كل أشكال العمل والنضال على أساس أن المقاومة تزرع والمفاوضات تحصد، ومن لا يزرع لا يحصد.

فلسطين برس

http://www.miftah.org