عام جديد وأفكار راسبة..!!
بقلم: د. فوزي الأسمر
2012/1/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13348

معظم المعايدات بالسنة الجديدة التي وصلتني كانت تقول "نأمل أن يكون العام القادم أفضل من هذا العام"، وقد أستعملتها أنا أيضا في معايداتي. ويبدو أن الفكرة من وراء إستعمالها، هو غرس نوع من التفاؤل في النفوس، في مواجهة عالم مضطرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

ولكن يبدو الأمل في حدوث تغيير كبير في عام 2012 امر غير وارد. فالقوات الأمريكية تركت العراق بلدا ممزقا تتناحر فيه الطوائف، وبنيته التحتية مدمرة، وأقتصاده منهار، وفراغ ينتظر من يملؤه، ونأمل أن يقوم أبناء العراق بهذه المهمة التاريخية، ويأخذون أمور بلادهم بأيديهم.

وسوف يهرب الأمريكيون من مستنقع أفغانستان، بسبب المقاومة التي يواجهونها، وبسبب الخسائر الجسدية والمالية التي تلحق بهم، ولكن سيتركونها بعد تدميرها بحيث سيحتاج أهلها سنوات طوال لكي يعيدوا بناءها خصوصا البنية التحية والإقتصادية.

والثورات العربية ستستمر رغم بعض التراجع الذي واجهها. فقد أنكسرت عقدة الخوف لدى الجماهير، ولن تسمح في استمرار الحكم الدكتاتوري القابع على صدورها مهما طال الزمن. فهذه الثورات ستؤدي إلى منعطف إستراتيجي، بغض النظر عن الفترة الزمنية، وسيكون منعطفا إقليميا وتاريخيا.

ولكن هذا لن يتم بالسرعة التي تتمناها هذه الشعوب. فالقوى المضادة بكل أفكارها القديمة، جاءت أكثر تنظيما، وبالتالي سارعت في محاولاتها لضرب براعم الثورات التي قامت واستطاعت أن تحرز بعض التقدم.

وموقف الدول الغربية من هذه الثورات موقف سلبي، يتحلى بالكلام المعسول عن ضرورة تطبيق الديمقراطية ومساندة الداعين إليها، ولكن في نفس الوقت تحاول أن تخلق صراعات داخلية، بعضها بشكل مباشر وأخرى غير مباشر، والهدف واحد وهو أن تصل إلى الحكم "بطريقة ديمقراطية" عناصر تأتمنها الدول الغربية وتنفذ مطالبها الإستراتيجية وتحمي مصالحها. وهذه كلها أفكار رسبت وبقيت متخلفة عن العام الجديد.

وأهم المصالح الإستراتيجية بالنسبة لمعظم الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، هو تدفق النفط وحماية إسرائيل، في الوقت الذي تعرف هذه الدول أن القضية الفلسطينية هي القاسم المشترك الأكبر لكل الشعوب العربية، وأحد المحركين الأساسيين للثورات العربية. فقد شاهدنا في العام الماضي المواقف المتأرجحة للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وانتهت بالتأييد الكامل لمواقف إسرائيل، والذي أعلنه من على منصة الأمم المتحدة، ووجد صداه في تل ــ أبيب، عندما صرح وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان، المعروف بعنصريته وكراهته للعرب، أنه يبصم بأصابعه العشرة على كل كلمة جاءت في ذلك الخطاب.

كما تجلى موقف أمريكا في العقوبات التي إتخذتها واشنطن ضدّ منظمة "اليونسكو"، وهي منظمة علمية ثقافية، وغصن من غصون الأمم المتحدة، لأنها قبلت فلسطين عضوة كاملة فيها، وبأغلبية ساحقة.

وتأتي هذه المواقف في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل أي حل سلمي، يمنح الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم وحل قضاياهم التي سببتها إسرائيل وفي مقدمتها حق اللاجئين في العودة وتعويض من لا يرغب في ذلك.

فإسرائيل رسبت في أفكارها ولم تستطع التجاوز إلى مرحلة العام الحالي. فقد غضت الطرف عن كل التحركات والمواقف التي صرح بها العرب من أجل الوصول إلى جو يسمح التوصل من خلاله إلى حل معقول. والحديث هنا يبدأ منذ فترة طويلة مارا بالمبادرة العربية وبكل الإتفاقيات التي توصلت إليها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية.

ووجد بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين الفرصة مناسبة لتذكير حكومتهم بالتصريحات التي أطلقها من تعتبره إسرائيل زعيم "الإرهابيين" الذين يريدون القضاء على "الدولة اليهودية"، وذلك في محاولة منهم المساعدة في فك العزلة الدولية التي تعيشها تل ـــ أبيب. وفي مقدمة ذلك تصريحات الأمين العام لحركة "حماس" خالد مشعل، في أعقاب توقيع الإتفاقية بين حركته وبين السلطة الفلسطينية، حيث قال إن "حماس" قد قررت الإنتقال من المقاومة المسلحة إلى المقاومة الشعبية. كما قبلَ قيام دولة فلسطينية بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

والواقع أن أحدا لم يصغ له مما أدى إلى أن تنشر صحيفة "هآرتس" إفتتاحية في عددها يوم 29/12/2011، يحمل عنوانا يقول: "يجب أن نصغي إلى ما تقوله حماس". ثم نشر جدعون ليفي (هآرتس 1/1/2012) مقالا قال فيه ان الشعارات مكتوبة على الحائط. وكرر ما صرح به مشعل. ولكنه أضاف قائلا ان الشعارات من الجانب الإسرائيلي واضحة على الجدار أيضا: "لقد أغفلت إسرائيل التغيير الذي طرأ على الموقف الفلسطيني. ومعظم وسائل الإعلام تشوهها بكلام فارغ. والأوساط الأمنية تقول أن هذا تغيير تكتيكي فقط".

فموقف الأوساط الأمنية هذا ترجم بتهديدات لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، وقادة الجبهة الجنوبية، بأنه قد حان الوقت للقيام بعملية "الرصاص المسكوب ــ 2". وقال غانتس إنه: "لا بدّ من خوض جولة جديدة ضدّ قطاع غزة لتعزيز قوة الردع الإسرائيلية ضدّ حركة حماس". (معاريف 28/12/2011).

ومع ذلك فقد أبدى بعض القادة العسكريون تحفظا من هذه العملية: "لأنه لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي حل تكنولوجي للأنفاق الملغومة، وإستعمال (المخربين) لحرب تحت الأرض وغيرها من الأساليب التي لا يوجد لدى جيش الدفاع الإسرائيلي ردا عليها" (يديعوت أحرونوت 25/12/2011).

ويرى ديمتري شمسكي (هآرتس 1/1/2012) في مقاله بعنوان "المؤامرة التي تمنع السلام"، أن وسائل الإعلام لا تنقل حقيقة العبودية والإضطهاد التي تمارس ضدّ الفلسطينيين، حيث تقوم: "بنشر بعض الحقائق، وتُصور وضع المدنيين (الفلسطينيين) بشكل جزئي مهملة بعض المركبات الأساسية لهذه الحقائق الشيء الذي يغير الصورة بشكل كبير".

فالعام الجديد إذن، يحمل آراء العام الماضي. أما بالنسبة لإسرائيل فقد حسم أمرها بالنسبة لأية تحركات أساسية للوصول إلى حل عادل ومقبول. فمع بداية العام الجديد أعلنت أنها ستقوم ببناء المزيد من المستعمرات وتوسيع مستعمرات أخرى وتهدد بالحرب على غزة، دون أن يكون لهذه التصريحات صدى لدى الدول الغربية أو المؤسسات الدولية. فأي حديث اليوم عن إمكانيات الوصول إلى سلام يقابل بسخرية. وحتى حل الدولتين بدأ يظهر بأنه حل غير واقعي، بالأخص بسبب إستمرار إسرائيل في سياستها إستعمار الأراضي الفلسطينية، فقد صادرت حتى اليوم أكثر من مليوني دونم والعجلة لا تزال تدور.

هذه ليست نظرة تشاؤمية، بل إن الواقع الذي نعيشه يمثل أمامنا واضحا، فيجعل مقومات الحل مرهونة بمقدار الصمود والمقاومة للشعوب، وهي المعادلة التي تنتقل من عام إلى عام، ومن جيل إلى جيل.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - FAsmar1@aol.com

http://www.miftah.org