الفاسدون.... وضرورة التعجيل في المحاسبة
بقلم: عصري فياض
2012/1/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13349

ظاهرة الفساد ظاهرة مرتبطة بالبشر، كباقي الظواهر السلبية الأخرى، فكما هناك خير هناك شر، وبينهما تنازع حتى قيام الساعة، والفساد أنواع، منه الإداري والمالي والأخلاقي والقيمي، وما نحن بصدده هنا هو الحديث عن الفساد المالي، ونهب المال العام الذي قام ويقوم به البعض من مقدرات الشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة خاصة في تاريخ مسيرته التحررية، فشعبنا الذي شرده الاحتلال منذ نحو ستين عاما أطلق عدة ثورات، كانت أكبرها حجما الثورة الفلسطينية الحديثة، التي كبرت واصبحث ممثلا لشعب فلسطين، باعتراف اغلب دول العالم، الأمر الذي أتاح لها التحكم بمقدرات مالية من مساعدات واستحقاقات ومشاريع، لغرض الإنفاق على الثورة والشعب، وديمومة تواصلها حتى تحقيق أهدافها الوطنية،وخلال مسيرة الشعب النضالية والكفاحية، يتسلق المتطفلون والنفعيون إلى المسيرة، ويستلل البعض منهم إلى مواقع متقدمة من المسيرة من اجل نهب وسحب اكبر ما يمكن من المال العام، وتعبئة الأرصدة في البنوك وإقامة المشاريع الخاصة بمبالغ قد تصل لمئات الملايين من الدولارات التي جاءت أصلا لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني الذي يمر في أدق مراحله النضالية، وهي مرحلة الصمود أمام مشاريع التهويد والشطب والإلغاء والطرد من ما تبقى من أرضه المقدسة.

من هنا تكبر المسؤولية على من يقودون مسيرة الشعب في مكافحة ومحاسبة هؤلاء المتسلقون واللصوص، وتنظيف الحركة الثورية والشعبية منهم تماما، وبشتى الوسائل والسبل التي قد تكون أحيانا استثنائية تماشيا مع استثناء حالة أي شعب محتل، للذين لا توجد عنده قوانين وتشريعات، وإذا كان في بداية ترسيخ دولته أو كينونته الموعودة، فمن الأولى أن تكون قوانين محاربة الفساد من أولويات القوانين التي تقر وتفعل وتنفذ بأقصى سرعة وبأثر رجعي، لان معالجة ظاهرة المفسدين وتحجيمها، له ارتباط وثيق بانتصارات الثورات وتحقيق أهداف الشعب وطموحاته، وإهمال أو التراخي أمام هذه الظاهرة يعرقل بل يؤخر أو حتى يحبط مشروع الثورة ، ويمنع انتصارها، وذلك لعدة أسباب منها ، أن الحركة الثورية المضحية تفقد ثقتها بالقيادة التي لا تحاسب ولا تحمي ظهرها من الفاسدين، وبالتالي تتقزم الثورة وتتشرذم، وتصبح عرضة للانشقاقات والفرقة والتناحر، لان المفاهيم الثورية في الحياة هي قبضة من القيم الأخلاقية والخصال الحميدة التي تتعاكس تماما مع ظاهرة الفساد والمفسدين واللصوص، وكل قيمة من هذه القيم تأخذ لنفسها مكانا مغايرا للظواهر المضادة.

وقد يكون لنا في الثورة الجزائرية أكبر الأمثلة واقرب الأمثلة، فرغم أنها وأبان حركتها النضالية ضد الاستعمار الفرنسي، كانت تكافح الفساد بقوة ، وتضرب بيد من حديد على كل من تطاله من سارقي أموال الشعب، لكن وبعد أن انتصرت وتحملت مسؤولية الشعب والوطن، وامتلكت ثلاثة مقومات اقتصادية كبيرة، وهي البترول والغاز والعنب الذي يصدر بكميات كبيرة إلى أوروبا ، صحت على نفسها في بداية التسعينيات أي بعد ثلاثين عام من الانتصار، على فجوة عميقة بين طبقتين، الطبقة الأولى طبقة أصحاب الملايين الذي قدر عددهم بسبعة لالاف شخص، وطبقة باقي الشعب الذي يعيش حالة هي الأقرب على الفقر منها على الطبقة الوسطى، وخرجت الدولة التي تملك المقومات الاقتصادية الكبيرة مديونة بسبعة وعشرين مليار دولار لصندوق النقد الدولي والدول الدائنة، كل ذلك بسبب استشراء الفساد، وأمام ضغط الدول الدائنة وصندوق النقد الدولي، قبلت الحكومة الجزائرية حلا ينص على قيام فرنسا عدوة ألامس بدفع الديون مقابل رهن آبار حاسي مسعود الغنية بالبترول والتي تقع جنوب الجزائر لفرنسا من اجل استثمارها وجني ديونها على الحكومة الجزائرية، الأمر الذي فجر الأحداث الدامية في صيف العام 89 وادخل البلاد في أعمال عنف استمرت ثماني سنوات.

ولعلني سُقت هذه المقاربة وأنا اعرف أن فلسطين ليست كالجزائر، لكن المثال المذكور ينبه لأهمية مكافحة هذه الظاهرة وبصرامة، وقاية للحاضر والمستقبل، وان لا تقف القوانين والمحاذير والمشاريع السياسية أمام محاربة هذه الظاهرة.

لقد مرت الثورة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطيني خلال مسيرتها الطويلة ببعض محطات هذه الظاهرة التي كانت تتناقل أخبارها عبر المصادر الخاصة أو من خلال الصحف العربية، أو من خلال المحاكم الثورية التي كانت تجري لمرة واحدة عندما تكون التهمة دامغة، وغالبا ما كان يسوى الأمر على قاعدة " الرجل كان جائعا وشبع"، لكن في الفترة الأخيرة اصدر الرئيس أبو مازن مرسوم بتعيين هيئة محاربة الفساد برئاسة رفيق النتشة عضو مركزية فتح، وتلقت هذه الهيئة الآلاف من الملفات وأصدرت عدة قرارات طالت حتى بعض الوزراء، لكن الإجراءات القضائية لا تزال بطيئة، والامول التي تحوم حولها الشبهات سواء كانت في داخل البنوك العربية أو حتى الإسرائيلية تنقل من بلد إلى آخر بحثا عن الأمان!!، وآخر ما كشفت عنه المصادر الصحفية هو ما ذكرته صحيفة الدستور الأردنية بأن عددا من الشخصيات الفلسطينية بدأت بتحول أمولها من البنوك الأردنية إلى البنوك الغربية حتى لا تطالها المسألة والتجميد والاسترداد، من هنا ينبغي الإسراع وفق قانون طارئ لمنع تهريب هذه الأموال التي تدير حولها الشبهات حتى استكمال التحقيقات، لأنها قد تكون من أموال ومقدرات الشعب المنهوبة، وفي الغالب هي كذلك.

http://www.miftah.org