الى اين تتجه امور الثورات العربية.. واين المصالحة الفلسطينية بعد اتفاق الدوحة
بقلم: عباس الجمعة
2012/2/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13467

بعد ان تحدثت في السابق عن واقع الثورات العربية بكل تجلياتها ، اقف اليوم امام المخاض الذي يوازي بين ما يجري في فلسطين المحتله ،وما يجري من محاولات لحرف الثورات العربية التي انطلقت من اجل تحقيق العدالة الإجتماعِيّة والديمقراطِية الشعبية من خلال الادارة الامريكية والقوى الاستعمارية ووكلائها في المنطقة بهدف انحسار قوى الثورة الفعلية .

كل المؤشرات تقول إن واقع الدول العربية الشاهِدة على ثورات لم يرتسِم بعد ، وخاصة بعد الانتخابات التي جرت حتى الان في مصر وتونس، والتي كان فيها المال الطائل والتصفيق الإمبريالي له ، وعبر عن نفسه في تحركات جماهيرية ، دون ان يتوقف أحد ليسأل هؤلاء من أين ينفقون ومن أين يأكلون دون ان يكون لأي منهم مصدر رزق معلوم، حيث يتسلل المال الأجنبي الى بعض احزاب الاسلام السياسي ، عبر عملية شراء الاصوات والتي كان يتبعها بعض الضمانات لضمان اعطاء الصوت للمرشح المطلوب الا ان هناك اختلافا في حجم الانفاق الانتخابي وطريقة الانفاق.

وهنا السؤال هل قامت الثورات التي حاربت الفساد طريقا للثراء وشراء الفلل والسيارات وإلا فما هو الفرق مع انظمة الاستبداد التي كانت قائمة.

ان الانتفاضات الشعبية العربية التي جاءت بعد طوال السنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي خصوصا، لم تتمكن من العمل على استنهاض مشروعها ، وهي عكست إلى حد كبير حالة التبعية الميكانيكية الجامدة للمركز الأممي في موسكو ، وبالتالي ضعف قدرة الاحزاب اليسارية والديمقراطية والقومية العربية في تحليل واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، مما أدى إلى تحولها بدرجات متفاوتة إلى أحزاب نخبوية من حيث تكوينها الطبقي الداخلي، ومن ثم انعزالها عن مجتمعاتها وشرائحها العمالية والفلاحية الفقيرة، ودورها الطليعي الثوري المتميز في العديد من المحطات التاريخية في مسيرة نضالها الوطني والطبقي خلال الفترة الماضية ، وصمودها المنقطع النظير في المعتقلات والزنازين، الذين ضربوا من خلالها أروع الأمثلة في النضال الباسل والتضحيات الغالية التي قدمتها هذه القوى في صراعها ومواجهتها للاستعمار والإمبريالية والصهيونية .

وفي ظل هذه الظروف نتسأل لماذا لم يتم العمل من اجل استنهاض قوى التغيير الديمقراطي لمواجهة قوى الثورة المضادة خصوصاً، التي تتفاعل صعوداً، بدعم مباشر وغير مباشر من القوى الامبريالية وعملاءها ، حتى تخرج من حالة الاحباط نحو صحوة حقيقية سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ، على الرغم من ادراكنا للطبيعة المركبة والمعقدة لأزمة هذه القوى ، والعمل من اجل بلورة برنامج وطني ديمقراطي تحرري يواكب العملية النضالية، وقيادة الجماهير الشعبية الفقيرة وتوعيتها للخروج والمطالبة بتحقيق الأهداف التي انطلقت الانتفاضات الشعبية من أجلها بمواجهة أنظمة الاستبداد والقمع والاستغلال ، ونفيذ عملية التطهير لكل المؤسسات من كل مظاهر الفساد والاستغلال ، وإصدار القوانين التي تتضمن صراحة إلغاء كافة الامتيازات ، ومصادرة كل الثروات غير المشروعة في جميع المجالات ، وتحقيق تكافؤ الفرص و العدالة الاجتماعية و إحياء قيم الديمقراطية والتنمية المستقلة ، ونشر وتكريس روح النضالية عبر التطبيق الفعال لرؤية وبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية ، ضد كل أشكال التبعية ، وضد الوجود الصهيوني وكل اشكال التدخل الخارجي الامريكي والاستعماري، والمخططات الامبريالية الشرق أوسطية .

ومن هنا نرى ان الادارة الامريكية التي تحدثت بكل وضوح اثناء احتلالها للعراق عن نشر الفوضى الخلاقة وما نلاحظه اليوم وبلا أدنى شك، هو عملية السطو على هذه الثورات، أميركياًً وأطلسياًً،وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقبائلية في المنطقة العربية وتقسيم العالم العربي الى دويلات متصارعة، إنفاذاًً لمشروع الشرق الأوسط الجديد، هو يأتي في السياق نفسه الذي أدى الى تقسيم السودان والذي تسعى الإمبريالية كذلك الى تنفيذه في مصر واليمن وسوريا وتونس وليبيا .

ان الخطر الكبير اليوم على سوريا وعلى الشعب السوري يتطلب وقفة واضحة من الجميع وخاصة بعد ان تحول مجلس الأمن إلى محكمة تأديب لكل الخارجين على الإرادة الأميركية ، تعمل واشنطن وإسرائيل والقوى الاستعمارية على تغذية الطائفية والإثنية في المنطقة العربية، بهدف المزيد من التقسيم لبلدانها ، في ظل انعدام المشروع الوطني- القومي العربي، مما يتيح لبروز عوامل جديدة مؤثرة في المنطقة.

لذا ونحن نرى اننا مقبلون في المنطقة على صراعات جانبية أخرى كثيرة، ولم يكن انفصال الجنوب عن الجسم السوداني سوى البداية، ونحن مقبلون على محاولات جديدة كثيرة لاحتواء منجزات الثورات العربية أمريكياً واستعماريا بكافة الوسائل والطرق....لكن ليس كل ما يخطط له قدراً، لانه بإمكان الشعوب العربية إفشال هذه المخططات شريطة: إدراك ما يجري، من قبل قواها الحية والتي هي في النهاية أدوات التغيير من العمل على إسقاط هذه المخططات، وشريطة تجذير المنجزات الثورية العربية، وتوحيد القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية على المستوى االعربي، وعلى المستوى القومي أيضاً، وتجاه إدراك حقيقة ان الكيان الصهيوني باعتباره ليس خطراً على الفلسطينيين فحسب ولا على فلسطين وحدها، وإنما على العرب والامة العربية .

ان الدعم الصيني الروسي لسوريا وايران والتكاليف المترتبة على هذه العلاقة نظراً لإمكانية انتشار السلاح النووي والتهديد الذي قد تتعرض له إمدادات النفط عالمياً، رغم كل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها على كل من الصين وروسيا في هذه المرحلة لن تجدي نفعاً لدفعهما إلى التخلي عن سوريا وإيران.

أن الموقف الروسي الذي جدده وزير الخارجية سيرغي لافروف بشأن سوريا من اجل وقف حمام الدم الجاري ، كان يجب على العرب تلقيه بكل صدر رحب قولاً وفعلاً إنما للأسف ما حدث كان العكس تماماً، بينما كان لافروف يؤكد حرص بلاده على استقرار سورية واستقلالية قرارها ودعمه لمصالح الشعب السوري وعملية الإصلاحات الديموقراطية ، كانت بعض الانظمة تقتدي بالولايات المتحدة الأميركية بما تريد املائه عليها .

وغني عن القول فان القلق الذي نراه اليوم على الحريات اصبح محسوما ، حيث ان الشعوب ارادت من خلال ثوراتها العمل من اجل الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، اصبحت تنظر اليوم بلا شك الى تعاظم خطر الاتجاهات السياسية التي سترعى دولها ، وفي ظل تدخل قوى دولية وإقليمية بشؤونها وتغذيتها بالمال تحت مسميات مختلفة، مما يتطلب من الأحزاب والقوى والتيارات والمنظمات الجماهيرية التحالف والتنسيق، بغض النظر عن التعارض والاختلاف، لأن النجاح هو أداة قياس لنجاح الثورة الوطنية الديمقراطية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينعكس في الوقت ذاته على علاقات وصلات القوى المحركة للثورة الوطنية الديمقراطية في السلطة كانت أم في الطريق إلى استلامها.

لذلك فإن القوى اليسارية والديمقراطية العربية ، تواجه في هذه اللحظة ، تحدياً كبيراً ، سيحدد مصيرها ووجودها ومستقبلها ، فإما أن تسارع إلى الخروج من أزماتها صوب النهوض الثوري، أو تتزايد عوامل التراجع والتفكك تمهيداً لإسدال الستار عليها وتجاوزها .

إن التجارب التاريخية ، أثبتت أن الديمقراطية هي شرط لازم لأية تحولات ثورية، وبدونها يمكن اجهاض أية تجربة مهما كانت عميقة أو ثورية... لذلك يجب أن ندرس تجارب التاريخ ودروسه في هذا المجال من قبل القوى الثورية التي قامت في الثورات والانتفاضات الشعبية، وكيفية تحول مسارها إلى ثورات وطنية ديمقراطية، وهذا أمر يرتدي أهمية كونه يشكل مرجعاً نظرياً وعملياً لهذه القوى في تحقيق رسالتها التاريخية، في مواجهة القوى الامبريالية والاستعمارية والنضال من أجل التغيير الديمقراطي في في البلدان العربية .

وعلى المستوى الفلسطيني الكل يريد المصالحة. والكل يريد إنهاء الانقسام لكن الملاحظ أن الطرفين مازالا يقطعان طريق المصالحة بخطوات بطيئة. وما زالا يخضعان هذا الأمر لعوامل إقليمية ويحولان ورقة المصالحة إلى ورقة تكتيكية، في العلاقات الإقليمية، بينما المطلوب أن تتحول المصالحة إلى هدف بحد ذاته بغض النظر عن تطور الأوضاع الإقليمية.

وعلى هذه الارضية يفترض أن تكون المصالحة هي العامل الفاعل في الوضع الإقليمي من خلال تطوير الوضع الفلسطيني وتقويته، وإنهاء الانقسام. والكرة الآن في ملعب حركتي فتح وحماس، لتطبيق اتفاق الدوحة، وليدوم الاتفاق طويلاً، وحتى لا ينكسر سريعاً، كما أنكسر من قبله اتفاقات وقعت.

وامام كل ذلك ارى المطلوب الآن أن نقفز فوق الواقع المرير بهدف خلق بديل له قد يكون هو الوسيلة الأمثل للانطلاق نحو المستقبل، من خلال تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وبمفهوم فلسطيني جديد لكيفية إدارة الصراع مع الاحتلال ، وخاصة اننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وبعد ان ثبت ان مسار المفاوضات فشل ، وعليه يجب التخلص من هذا المسار لصالح خيارات جديدة تستند إلى الثوابت الوطنية وتوفر صمام أمان ،وهذا يتطلب انهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ووضع إستراتيجية جديدة مع آليات ترجمتها على أرض الواقع لقيادة النضال الوطني التحرري الفلسطيني.

ختاما : اقول ان الثورة ليست مباراة من شوط واحد ، ولن تنتصر بضربة قاضية فنية، بل هي مرحلة ثورية لان الشعب يريدها مشارك ومحرك بما يخدم مصالحه الطبقية، وهو يتطلع الى ديمقراطية ليست برلمانية أو تمثيلية ، بل شعبية، حتى تحقق أهدافها في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

http://www.miftah.org